. أكتب كلام اليوم من ملبورن التي وصلنا إليها مساء الخميس بدعوة من رئيس تحرير صحيفة (المهاجر) السودانية الأسترالية التي تصدر دورياً من ملبورن وهو أيضاً من أبناء الطريقة العزمية حيث التقيته في مشيخة الطريقة العزمية بالديوم الشرقية بالخرطوم في معية الشيخ سيف الدين محمد أحمد أبو العزائم. كعادة أهل السودان التي لم يتركوها حتى لدى الذين أستقر بهم المقام في هذه البلاد التي لم نستطع حتى الآن بعد مضي أكثر من شهر من الإجازة من ضبط ساعتنا البيولوجية عليها، وكلما أستيقظ في الساعات الأولى من فجر يوم جديد هنا أتذكر جنود (السوداني) وهم مازالوا يرابطون في صالة التحرير وفي (مطبخ) الصحيفة لكي يصدروا عدد اليوم الذي بدأ هنا في أستراليا، فالشمس تشرق هنا أولاً، ولله في خلقه شؤون. بعض الحديث في هذه (الونسة) السودانية الأسترالية كان عن الحياة الاجتماعية والأسرية في أستراليا، ليس وسط السودانيين المقيمين هنا – فهم بفضل الله ورعايته – أكثر استقراراً وتماسكاً أسرياً واجتماعياً وأنهم رغم ظروف العمل التي لاتسمح بالزيارات واللقاءات الاجتماعية إلا في يومي العطلة السبت والأحد، فإنهم لاينقطعون عن بعضهم البعض. تطرقنا للوجه الآخر من المشاكل الاجتماعية والأسرية التي تظهر في مثل هذه المجتمعات التي وصفناها في كلام سابق بأنها تعيش في دولة الرعاية الشاملة فالحياة الأسرية والاجتماعية رغم توافر كل سبل الحياة الكريمة والأمان الاقتصادي والاجتماعي فإن الوفرة المادية نفسها تهددها. لعلكم تذكرون كيف أنني في كلام سابق تحت عنوان (ليس بالمال وحده) قلت إن السعادة لا تشترى بالمال، هذا ما أكدته (الونسة) التي دارت مساء أمس الأول بيننا، فقد تطرقت إلى حالات من المشاكل الأسرية التي تحدث بسبب وفرة المال، خاصة إذا علمتم إن كل طفل هنا يمنح شهرياً مبلغاً يتراوح ما بين 300 إلى 500 دولار شهرياً وأن الزوجين يمُنحان 1500 دولار شهرياً بالإضافة إلى 200 دولار مساعدة في الإيجار عدا التخفيضات التي يجدها المواطن الاسترالي في الكهرباء والغاز والمياه والعلاج والدواء...إلخ من مثل الخدمات الاجتماعية والصحية. لا نقول ذلك للتخفيف من ويلاتنا المتفاقمة في وطننا السودان بسبب الأزمة الاقتصادية ولكننا أردنا فقط تأكيد أن المال ليس أهم شيء في حياة الإنسان وأن المال الوفير يمكن أن يتحول إلى وسيلة مدمرة في يد الشباب ويمكن أن يهدد الحياة الأسرية إذا تغلبت عوامل الأنانية وغاب الوازع الديني وضعف التماسك الأسري والعلاقات الاجتماعية المعافاة. أحسست خلال هذه الفترة التي أمضيتها متنقلاً في رحاب أستراليا الجميلة أن الحياة هنا أشبه بطعام المستشفيات صحي ولكنه (مسيخ) وأن الحميمية التي بدأنا نفتقدها نتيجة للضغوط المعيشية في بلادنا باتت مهددة هنا لأسباب مغايرة يجتهد السودانيون في أستراليا لإحيائها عبر ما تيسر لهم من زيارات ولقاءات لاتخلو من مشاركات إيجابية للتخفيف من ويلات الغربة والوحشة الاجتماعية والأسرية.