عودتنا النخب السودانية التي تعاقبت على حكم البلاد منذ أمدٍ سحيق أن نجاح وزير المالية في العادة يتوقف على تقسيم كيكة الإيرادات القومية النقدية وأن الوزير (الشاطر) هو الذي يضع بأجهزته الفنية موازنة متوازنة وميزانية لاعجز بها ولا استدانة، فلماذا الهجوم على وزير هو في الأصل بحكم التاريخ والواقع (موزِّع) وليس منتج بصورة أصيلة بمعنى أنه ناقل كفر ساعة أن كفر القطاع الاقتصادي بقدرة قوى البلاد على الإنتاج وزيادة الإيرادات النقدية القومية غير البترولية ومن قبل البترول في تاريخ الدولة الحديث بل منذ السنارية وحتى المهدية مروراً بالحكومات الشمولية التي حكمت السودان مدنية كانت أو عسكرية، وعلى وزير المالية اقتراح السياسات المالية للدولة وإعداد مشروعات الخطط المالية مع الجهات المعنية وزراء القطاع وتقديمها للسلطات المختصة بجانب إعداد مشروعات قواعد تنفيذ الموازنة العامة للدولة وموازنات وحدات القطاع في تناغم وانسجام بالإضافة لإشرافه على الجهاز المصرفي وتوجيه استخدام النقد الأجنبي في إطار السياسة المالية والنقدية للدولة وقانون البنك المركزي بجانب إشرافه على القروض والمساعدات والمنح والمعونات الأجنبية النقدية منها والعينية كما يقع على عاتقه مراقبة التحصيل والإنفاق في الأوجه المخصصة ومسك الحسابات وإدارة الدين العام للدولة وإبداء الرأي حول القدرة الاقتراضية على ضوء التقييم المالي للدولة... وهذا بعض من كل. فلماذا الهجوم على وزير أمهر ما يقوم به مقابلة الإنفاق الحكومي وتنفيذ السياسات النقدية الاقتصادية والتشريعية المجازة من قبل الجهاز التشريعي والتنفيذي حيث لاحول له ولاقوة في تضخم لم ينفخ قربته ولا في دولارٍ لم يطلق زر إطلاق صاروخه المنفلت لندرته ولا يتحمل بصورة حصرية وزر اختلال الميزان التجاري لإنحسار الصادرات الوطنية النقدية والإنتاج ولتحويلات المغتربين، ولم يكن المسؤول عن قفل آبار النفط ما قبل حدود56 أو مادونها. المشكلة أكبر من وزارة المالية وأكبر من القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء وأكبر من الحكومة وأقدم، فلا تجعلوا من وزارة المالية حائطاً للمبكى ودروة للرماية السياسية وفش الغبينة هروباً من الفشل الرسمي والعجز، والموازنة العامة والتي هي البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحكومة كجهة اعتبارية تُحاسب فيما ألتزمت به في برنامجها من عدمه الحكومة وليس وزير المالية. ما لم يكن هنالك تشخيص سياسي سليم في ظل إجماع أو وفاق وطني مع توفر إرادة جامعة على ضوئها نضع sub main وتغيير جذري للهياكل الاقتصادية سنظل وطناً غريقاً يستجدي السقيا غني بموارده يستجدي اليورو والدولار ومعدماً يستدين الفقر مادمنا نعتمد على موارد غير حقيقية ومعدلات نمو ونحسب أن الجبايات والضرائب والجمارك والأتاوات والمكوس التي تغطي جلّ بنود الميزانية والإنفاق الحكومي إنجاز!. نحتاج لثورة ولربيع يهزّ طرائق منهج تفكيرنا السياسي والإداري والاستراتيجي لأن العلة في فكر صناع القرار الذين يخططون بفقه المتاح الممكن لسد ذرائع النقص والترقيع وليس بفقه الاستسقاء وبمنهج ذي القرنين وسد ياجوج وماجوج الذين لم يستطيعوا أن يظهروه ولم يستطيعوا له نقبا، صناع القرار يستحيلون المزارع المنتجة إلى مساكن وقطع أراضٍ مزدحمة ومترعة بالخدمات والطرق المسفلتة قبل قاطينها غير المعلومين في إطار الترويج والاستثمار العقاري الجاذب للنزوح وإلى ترييف المدن في الوقت الذي فيه نجد أن أقرب مناطق الإنتاج لصناع القرار مثل المناطق الصناعية المنتجة بحري وأم درمان وغيرها أقذر الأماكن وأوسخها صيفاً وخريفاً وهي مناطق إنتاج صناعي وحرفي وخدمي!. وللتدليل على العشوائية الرسمية كان الناس ولازالوا يسكنون عشوائياً ثم تأتي جهات التخطيط والتقنين للتقنين، كما أننا ننقب عن الذهب عشوائياً ثم تأتي الدولة تشكر المنقبين وتُعد بالخدمات الصحية وخدمات المياه! لأن هذه الصحاري والحفر أضحت الآن مهمة للدولة بعد أن اكتشفها المواطن!، والذهب الذي على (وش الواطا) يستخرج بالتنقيب العشوائي وبالأدوات اليدوية الحفرية والغرابيل وغيرها كأكبر فضيحة لكل رسمي تنفيذي كان أم تشريعي يأخذ مرتبه من عرق هذا الشعب الكادح ولم يُطعمه بصنعة أو يتركه يأكل من خشاش الأرض وخرت القتاد، التنقيب العشوائي يفضح عجز الابتداع السياسي الاقتصادي وتجديد الفكر التنموي وقصور الرؤى. فسهام الهجوم الحقيقي يفترض أن توجه لمنهج تفكير دوائر صناع القرار والتخطيط الاستراتيجي خاصة وأن الاقتصاد عبارة عن منظمومة متكاملة الكل ممسك بطرف منها يتسع وينحسر وليس وزير المالية التنفيذي المنفذ لميزانية عبارة عن وثيقة في الأصل مصدق عليها من قبل السلطة التشريعية والحكومة هي أقدر السلطات على تقدير الإيرادات العامة والنفقات لأنها الأقدر على تحديد الاحتياجات. والظرف التي تمر به البلاد اليوم المتمثل في اجتماع الحاجة الملحاحة لتغطية فاتورة حرب مع شحٍ وبطالةٍ وارتفاع أسعار، مران عملي لنتائج الاقتصاد الريعي الذي كفرت به الكتلة الغربية والشرقية والعالم الميسور اليوم يقوم على الاقتصاد المعرفي والاقتصاد الجماهيري الكل فيه منتج وعلى الدولة فقط ممثلة في الحكومة تنظيم عملية الصادر والإنتاج المغطي للاستهلاك المحلي والفائض منه للصادر الجالب للدولار وفي الاقتصاد الجماهيري الكل يعمل والدولة تنظم وتشرّع من أجل الإنتاج لاستغلال الموارد الاستغلال الأمثل مع إعادة تدوير الخردة بدلاً من تصديرها ويكتفي الناس من مواردهم الذاتية فلا حاجة للدولار للاستيراد بل بالصادر يأتي الدولار وتتوفر فرص عمل للحاجة الحقيقية للعمالة الأجنبية للصناعة والإنتاج الحقيقي حيث لا بطالة، فالسياسات المختلة أخلت بالهياكل الاقتصادية الأمر الذي جعل تكدس الكتلة النقدية في قطاع التجارة وقطاعي النقل والخدمات وقطاع التجارة أضخمها نشاطاً وهو وباء تفشى بسبب السياسات المعيبة والكل يود أن يُتاجر ولاينتج يؤجر للتجارة أو يبني متاجر للإيجار وفيهم من يحول جزءاً من بيته لذات الغرض وكل شوارع الأحياء الرئيسية في العاصمة أصابتها العدوى وامتيازات الأراضي تحسب بحسابات المواقع التجارية وليست بالمساحة والعِمارة وكل ذلك من أجل الإتجار والكل تجار، وهذا هو حصاد اختلال المفاهيم السياسية والذي بدوره أدى لاختلال الهياكل الاقتصادية والأنماط الاجتماعية وعلى كل أوجه الحياة فعلام يُلام وزير المالية بالعروة الصيفية والشتوية وتأثر القطاع المطري بنقص الأمطار والمروي بالتقاوي الفاسدة أو لتأثر الصناعة التحويلية بتكلفة التشغيل والضرائب المقعدة لماذا ياقادة الفكر والرأي والسياسة ويامن بيده السيف والقلم؟!. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته