بعد (5) أيام فقط من بداية تنفيذ الموازنة العامة للعام الجاري 2011م؛ خرجت وزارة المالية بعدد من الإجراءات تم وفقها زيادة أسعار السكر والمحروقات وذلك في الوقت الذي كانت قد أعلنت فيه، وقبل إجازة الموازنة، أن موازنة (2011م) خالية تماماً من زيادة أي أعباء إضافية على المواطن، كما أن الإيرادات جاءت خالية كذلك من زيادة الضرائب والجمارك. وبالفعل خرجت الموازنة بهذا الشكل الخالي من الضرائب والجمارك. ولكن (الفرحة) لم تكتمل بعد للمواطن؛ إذ أنه وبعد (5) أيام فقط من بداية تطبيق الموازنة؛ أعلنت لنا وزارة المالية زيادة جوال السكر إلى (155) جنيهاً والجازولين من (4.5) جنيه إلى (6.5) جنيه والبنزين من (6.5) إلى (8.5) جنيه، بالإضافة إلى زيادة أسعار الغاز وغاز الطائرات. وكان من الممكن جداً أن يتم تضمين الموازنة هذه الإجراءات طالما أن المالية أكدت على لسان مسؤولها الأول، علي محمود، بأنها عكفت على دراسة الوضع الاقتصادي بالبلاد منذ سبتمبر وشارك في الدراسة نخبة من الاقتصاديين؛ حيث تم الاتفاق على إعادة النظر في المكونات الرئيسية للاقتصاد وعمل العلاج المناسب. فالمنحة التي قدرت ب(100) جنيه ستمتصها زيادة الأسعار التي ستشمل كل شيد طالما أنها طالت المحروقات. المراقبون أكدوا بأن هذه الإجراءات سيتحملها المواطن بنسبة 100% خاصةً وأن هنالك من لا يملك عملاً أو وظيفة وبالتالي سيكون خارج نطاق المنحة الشهرية، فمن أين يغطي العجز؟! وهنالك عمال يومية وغيرهم من المهن التي لا ترتبط براتب شهري. إذاً، ما هي مبررات وزارة المالية للإجراءات التي تمت؟ وما هي مبررات الوزارات الأخري ذات الصلة؟ وزير المالية أكد أن وزارته عكفت على دراسة الوضع الاقتصادي وخرجت بإعادة النظر في المكونات الرئيسية للاقتصاد، وأضاف وهو يتحدث في المؤتمر الصحفي الذي عقده ظهر أمس (الأربعاء) بوزارة التعاون الدولي، أضاف: «لدينا خلل أدى إلى حدوث فجوات واعتمدنا على الاستيراد وأثر ذلك في الميزان الخارجي واعتمدنا على البترول ولم ننمِّ صادراتنا غير البترولية وعندما جاءت الأزمة المالية العالمية تأثرنا بها لأننا اعتمدنا على البترول، كما أن الميزان الخارجي بين الصادرات والواردات به خلل». ووفقاً لوزير المالية فإن موازنة الدولة بها خلل بين الإيرادات والمصروفات واضطررنا للاستدانة من النظام المصرفي حتى نسد الفجوات ولكن رغم ذلك ظل الاقتصاد معافى والناتج المحلي ممتازاً، بالإضافة إلى الزيادة في مستوى دخل الفرد واستقرار التضخم وسعر الصرف. فالإجراءات التي عُملت كانت للسيطرة على الوضع الاقتصادي حتى يسير بنحو مضطرد وجيد. فعندما تم تقديم موازنة (2011م) والحديث مازال لوزير المالية قدمناها بإجراءات صارمة حيث لم ترفع الإيرادات بالاعتماد على الضرائب والجمارك ولكن بالتوسع الأفقي لزيادة حصيلة الإيرادات ولم نسر في الاتجاه الذي من شأنه أن يضر بمسيرة الاستثمار حيث نعول جداً على الاستثمار الإنتاجي أكثر من الخدمي وحافظنا كذلك على سعر صرف معقول. فالإجراءات بدأت منذ سبتمبر وحينها أوقفنا استيراد العربات المستعملة ورفع السعر الجمركي لبعض السلع غير الضرورية وكان الغرض من ذلك تقليل الضغط على النقد الأجنبي. الآن (عملنا) حزمة أخرى حيث لاحظنا ارتفاع أسعار السلع خاصةً السلع المستوردة كالقمح والسكر والتنامي في استهلاك هذه السلع حيث استوردنا بنهاية نوفمبر الماضي (758) ألف طن سكر الأمر الذي يؤكد أن سياسة دعم السكر تؤدي إلى التهريب. فالتهريب لا يمكن محاربته بقرار إداري؛ لأنه يتم بأساليب مختلفة؛ فالسكر في السودان أرخص لذا يهرب ليباع بأسعار عالية. وهذا كله يؤكد بأن هناك «زول» تاني يستهلك «معانا» لأن السكر هنا «رخيص». فهذه المسألة ضارة بالاقتصاد.. فكل « ما عملنا» الآن أننا أزلنا جزءاً من الدعم الخاص بالمحروقات والسكر. وحسب ما أكده وزير المالية فإن 2% هو أثر التكلفة على السلع المنقولة وذلك بعد أن جلسنا مع اتحاد أصحاب العمل فما حدث هو تصحيح لوضع غير طبيعي.. فالدعم يعتبر وضعاً غير طبيعي.. فعجز البترول يصل إلى (6) مليارات جنيه وبإزالة جزء من الدعم سيحدث العلاج. وزير المالية أقر واعترف بأن هذه الإجراءات ستكون لها آثار سالبة، إلا أنه أكد أنه سيتم زيادة المرتبات للعاملين والمعاشيين اعتباراً من يناير الجاري وسنعمل على تخفيض مرتبات الدستوريين بأكثر من 25% أما (السوط) الثاني فسيأتي قريباً بتخفيض مرتباتهم إلى أكثر من 50% فالدستوريون لابد أن يكونوا القدوة، بالإضافة إلى تقليل السفر الخارجي. فقد اخترنا هذه الإجراءات لأنها لا تؤدي لآثار تضخيمية. فالاستدانة من الجهاز المصرفي تؤدي إلى زيادة التضخم لذلك اخترنا هذا الطريق. وزير الزراعة؛ د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي، أكد أن الإجراءات حتماً ستكون لها آثار سالبة على الزراعة لأنها ستؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج خاصةً في تلك المناطق التي تعتمد على الجازولين في إدارة رافعاتها المائية. إلا أنه أكد «معولين على صندوق الذي أعلن من أجل دعم الزراعة. فزيادة الإنتاج تتم عن طريق دعم البحوث والتوسع الأفقي والرأسي.. فالصندوق استهدف الشرائح الضعيفة وأضاف: «نتمنى أن تكون الآثار خفيفة». وما دامت السياسات المالية ذات علاقة وطيدة مع السياسات النقدية؛ فإن لبنك السودان مساهمة كبرى في وضع هذه الإجراءات. وحسب ما قاله د. صابر محمد حسن محافظ بنك السودان فإن الاقتصاد مهما كانت قوته فهو معرض للمصائب والاختلالات. فالاقتصاد السوداني يعاني من عدم التوازن والاختلال. (استهلاكنا) أكبر من (إنتاجنا) وهذا عدم توازن. الحكومة تنفق أكبر من حجم الإيرادات. أيضاً هنالك عدم توازن في ميزان المدفوعات نستورد سلعاً كثيرة وهذا اختلال أيضاً. فهنالك أيضاً اختلالات هيكلية وتدنٍ في الإنتاجية وارتفاع في تكلفة الإنتاج. وفي تقديري أن هذه الإصلاحات قد جاءت متأخرة وتفاقمت المشكلة لذا لابد من العلاج وإذا لم تتم المعالجة فالعلاج سيكون أصعب. فهذه الإصلاحات هي بداية العلاج للوضع الاقتصادي، لذلك لابد من تكامل السياسات وتناسقها فارتفاع سعر الصرف ليس مرضاً ولكن الاختلال هو المرض فلابد من تكامل العلاج وضرورة إعادة هيكلة الحكومة بعد الاستفتاء. وحسب ما أكده وزير الدولة بالمالية؛ الفاتح علي صديق، فإن هذه الإجراءات هي عبارة عن (جرعة أولى) وستعقبها قريباً جرعة أخرى ولكنها لن تكون كبيرة كالجرعة الأولى، وأضاف لابد من إعادة الهيكلة في المؤسسات الحكومية وتصفية شركات القطاع العام لنفتح الباب للقطاع الخاص خاصةً وأن الانفصال إذا حدث، وقد أصبح أمراً راجحاً، سيفقدنا بعض الموارد؛ فزيادة الاستهلاك ستشكل ضغطاً على الدولار. وذهب معه في ذات الاتجاه وزير الدولة بوزارة التجارة؛ فضل عبد الله فضل، الذي أشار إلى قرار وزارته بمنع استيراد بعض السلع التي تشكل الضغط على الدولار. وزارة النفط التي كانت حضوراً في المؤتمر الصحفي بتمثيل من وزير دولتها؛ المهندس علي أحمد عثمان، الذي أطلق عدداً من البشريات بدخول بترول الشمال قريباً من الفولة وأبو جابرة وشارف ومربع (9 11 14 4) وسيتم قبل ذلك سداد مديونية الشركات التي تعمل في مجال التنقيب لتدخل العمل في أسرع وقت، وأضاف: «نحن واطين الجمرة لأنو عاجزين عن السداد». وحسب ما أشار إليه وزير الدولة بالنفط فإن هذه الإجراءات ستؤدي إلى نقص الدعم إلا أننا مازلنا ندعم النفط بأكثر من الثلثين حيث نشتري من نصيب الجنوب بالسعر العالمي الذي بلغ ليوم أمس (95) دولاراً للبرميل ونبيعه بالمدعوم وهذا يعتبر تشويشاً.