مرة أخرى تسقط الخارجية الأمريكية في امتحان مكشوف ومجرب وسهل جدا. عفوا ولمزيد من الأمانة (سبب السقوط هو ضغوط الكونغرس على الخارجية). هذا الكونغرس الذي يقوده في قضايا السودان باقتدار هذه الأيام إلى الهاوية السحيقة السيد فرانك وولف. قبل عام تقريبا انقسم العالم إلى فريقين أمريكا وإسرائيل في معسكر وبقية الدنيا المستقلة المحترمة كلها في معسكر. لقد قررت أمريكا حرمان منظمة اليونسكو من الدعم إن هي اعترفت بدولة فلسطين. تخيلوا المنظمة المعنية بالثقافة والفنون والآداب والتراث الإنساني تتعرض للابتزاز والتهديد بال (قروش)، تقرر فجأة الولاياتالمتحدةالأمريكية تخويف موظفيها بقطع المعونة ومرتباتهم التي ينفقونها على حليب أطفالهم ودوائهم ونفقات مدارسهم. الخطورة في هذا الأمر أن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين وهم الشعب الحقيقي لا (الشعب المختار) تتحول إلى "عصاية" ابتزاز وتخويف لصالح دولة أخرى وهي إسرائيل. الصورة القبيحة التي اختارتها أمريكا لنفسها انعكست عليها وأدت إلى تسهيل وتيسير الاعتراف بدولة فلسطين التي لا ينكر كل أعضاء المنظمة أنها دولة حقيقية غير متخيلة، دولة كانت موجودة على كامل التراب الفلسطيني في عام 1948 تحت الاستعمار البريطاني الذي اختار استمرار الاستعمار مع إجراء عملية تسليم وتسلم مع اليهود. وبقية أراضي عام 1976 تحت احتلال مرفوض من الأممالمتحدة عبر قرارات لم تجرؤ أمريكا ذاتها على استخدام الفيتو لنقضها، مع العلم بأن إدارة أوباما تتبنى "حل الدولتين" علنا ولكن عندما يتحول الأمر إلى حقيقة ترفض وتدخل في عزلة عن كل العالم، ومعها إسرائيل، فقط إسرائيل. لا ألوم أمريكا ولا ربيبتها إسرائيل، ألوم اليونسكو والنخب الثقافية الدولية لأنها لم تتخذ من يوم إعلان الاعتراف بفلسطين يوما عالميا لاستقلال القرار الأممي، ويوما لمناهضة توظيف المال والدعم من الدول الكبرى لتركيع الشعوب واختطاف الإرادة الدولية. لماذا لم نسمع بندوات وورش عمل عن ظاهرة "الاستعمار عن طريق دعم المنظمات؟"، لماذا لم يسلط الإعلام الحر النزيه الضوء على هذه المعركة الحاسمة بالقدر الكافي. ذات القصة تتكرر الآن عندما تقرر امريكا إيقاف المعونة الأمريكية "المال والغذاء" عن أي دولة افريقية أو عالمثالثية تستضيف رئيس دولة افريقية وهو الرئيس البشير بحجة أنه مطالب لدى الجنائية، مع إن أمريكا ترفض الجنائية لأي جندي أمريكي ولو من "الخدمة الإلزامية" ولكنها تطالب بها لمشير في أفريقيا أو أي موقع في هذا العالم الثالث المحتاج للمعونة الأمريكية والغذاء الأمريكي والمال المجموع من دافعي الضرائب في بلاد العم سام.