ellogman@ yahoo.com ماذا يعني تعيين كل من جعفر الصادق نجل السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) ، زعيم طائفة الختمية، وعبد الرحمن نجل السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار، مساعدين لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير رئيس المؤتمر الوطني الحاكم؟ كيف يمكن أن يكون الشعب السوداني وجماهير هذه الأحزاب والكيانات الطائفية والدينية قد قرأت هذا التعيين الذي جاء ضمن التشكيلة الرئاسية الجديدة لمستشاري ومساعدي رئيس الجمهورية، هل هو إعلان صريح يصل إلى مستوى الاعتراف الكامل من قبل المؤتمر الوطني وقيادته الإسلامية التي وصلت إلى سدة الحكم في 30 يونيو 1989م ولا زالت تحكم البلاد بأنه لا فكاك البتة من شكل وطبيعة التركيبة السياسية التي خرج عليها شكل الحكم بالسودان منذ خروجه من قبضة الاستعمار في 1956م وربما ما قبل ذلك منذ أن تشكلت اللحمة الوطنية المناهضة للوجود الأجنبي بالبلاد التي قادتها أو ساندتها وتبنتها القيادات التاريخية لهذه الكيانات الطائفية؟ أم أن ما يعيشه المؤتمر الوطني وأهله الآن من صعوبة واضحة في التعامل مع معطيات الراهن السياسي تهديه الآن وبموضوعية وحكمة إلى ما اهتدى إليه (بمحض إرادته وكامل قواه العقلية) لإعادة دورة التاريخ من جديد ليسجل دورة (طائفية) جديدة كما هو وصفها في أدبيات إسلاميي الحركة الإسلامية التي قفزت بالحاكمين الآن لسدة الحكم. وأخيراً هل سينجي هذا المنحى الذي سيتطور ويتسع من خلال التشكيلة الحكومية الجديدة التي من المنتظر إعلانها اليوم أو على أكثر تقدير غداً (سفينة الإنقاذ) من أقدار تشابه أقدار دول الربيع العربي؟ ولعله من منطق القول أن ما ظل يدفع المؤتمر الوطني خلال الفترة الماضية لدفع الحزبين الكبيرين للدخول للتشكيلة الحكومية أمر لا شك يتعلق بالقراءة ربما الموضوعية للحالة السياسية السودانية فبعد جهد كبير بذله لإضعاف قوة غريميه وهو الجهد الذي أفلح فيه لحد كبير، يدرك الآن الحزب الحاكم أن دخول الرموز السياسية التاريخية ممثلة في حزبي الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني أمر مهم للوصول للشكل والوصفة المطلوبة للعبور بالمرحلة إلى بر الأمان خاصة مع تصاعد رياح الربيع العربي الذي ظل ينتقل بأحداثه بسرعة البرق من دولة إلى أخرى ومن (دار إلى دار ومن زنقة إلى زنقة) تماماً كامتداد مياه الطوفان ولا عاصم من أمر الله، وربما كانت هذه بالفعل حكمة وتعاملا ذكيا قارئا بفطنة ويقظة للمسرح السياسي خاصة بعد النجاح في إشراك الزعيم محمد عثمان الميرغني وحزبه وطائفته الدينية في التشكيلة الجديدة وأيضاً بعد إجلاس نجل الصادق المهدي نفسه على أحد المقاعد المخصصة لمساعدي رئيس الجمهورية بالرغم من عدم الوصول مع المهدي حتى الآن لاتفاق مماثل للمشاركة الكاملة بمثل ما حدث مع زعيم الحزب الاتحادي إلا أن ذلك كله لن يلغي ما رسخ في الأذهان من نعت الإسلاميين لهذين الحزبين الكبيرين بالطائفية البغيضة التي يجب أن تزال وتحارب من أجل واقع جديد لممارسة الحكم بعيداً عن أهواء ومزاجات البيت الختمي والبيت المهدي وهي عبارات أصبحت بترديدها المتكرر نصا ثابتا في أدبيات (الإنقاذيين) الذين لا يزالون يحكمون والذين أعلنوا مراراً أن المناطق التاريخية والمعاقل التاريخية والولاء التاريخي الذي كان يتمتع به (المهدويون والختميون) قد انتهى وانهار لصالح الفقه السياسي الإنقاذي (في وقت سابق) والوطني (الآن)، وهذه الحقيقة قد لا تفيد الآن في شيء بل إن عرضها يبدو ساذجاً قياساً بأصل الممارسة السياسية التي توجهها المصالح وتصوغها المواقف الراهنة، إلا أن الأمر يبدو مختلفاً تماماً بالنسبة إلى جماهير الحركة الإسلامية التي ظلت تعاني منذ فترة ليست بالقصيرة معاناة بالغة وهي تعايش حالتها الانقسامية الحادة وترقب انهيار برامجها أمام أعينها الواحد تلو الآخر سواءً على مستوى التطبيق الأشمل للشرع الإسلامي في دولة يحسبون على من يحكمونها ويقودونها أو على مستوى البرنامج الاقتصادي أو الاجتماعي المعلن من قبل من يحسبون إليهم من المتنفذين وأصحاب القرار في حكومتهم الإسلامية (ربما قسراً بإرادة من يصنفون المسرح السياسي بالبلاد) حتى إذا استعصم هؤلاء بالبرنامج السياسي على تقلباته باعتباره أملاً لا ينقطع جاء نجلا السيدين الصادق والميرغني ليعلنا أنهما وطائفتاهما وكياناهما جزء أصيل وأساسي من مستقبل قادم مع نفي قاطع لانتهاء دورهما ودور حزبيهما وطائفتيهما وكأنك يا (محمد أحمد ما غزيت) هذا هو الإحباط الذي شعرت به جماهير الحركة الإسلامية الحائرة لا زالت بين القصر والمنشية، وفبل أن (نبحث عن الترابي) وهذا هو فهمي المركزي في كل ما يحدث خاصة عند حدوث الأحداث الكبيرة والمنعطفات الخطيرة، دوماً أقول: (ابحثوا عن الترابي)، فلنبحث هنا عن الصادق المهدي أولاً، أين يقف مما يحدث؟ الموقف المعلن للرجل أنه يقف على أربعة شروط طرحها للمشاركة: الاتفاق على إعلان دستوري يتجاوز أزمة دستور 2005م الذي كما قال يبغضه ويكرهه في انتظار التواضع على مسودة الدستور الدائم، وقضية المحكمة الجنائية والتعامل معها (وهو أمر يبدو غامضاً في فحواه من جانب السيد الإمام)، هذا بجانب القوانين والحريات هذه شروط الصادق للمشاركة التي أعلن انسداد أفق التفاهم فيها مع المؤتمر الوطني معلناً قبوله المشاركة في قضايا وطنية أخرى كإيجاد حل لقضايا الرحل ومعضلة النفط (كما أسماها) بين الجنوب والشمال والشريك الصيني بجانب قضية المياه بين دول الحوض وأثيوبيا، موقف منطقي وإن كان فيه من الروح الأكاديمي أكثر من الروح السياسي الذي طالب به هو نفسه واصفاً (من على شاشة التلفزيون القومي في حوار مشترك مع الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل السبت الماضي على واجهة الأستاذ أحمد البلال الطيب) من يقفل باب الحوار (بالتجم أو الدمك)، ولكن الغريب وغير المنطقي أن يحاول المهدي إقناع الناس بأن مشاركة نجله عبد الرحمن وتعيينه مساعداً للرئيس جاء فقط هامش حرية (أبوية) وهامش حرية (تنظيمية) كما قال. وهامش حرية أبوية يمكن هضمها ولو بعسر وصعوبة مع قليل من (الحلبة وكثير من الحرجل والنعناع)، ولكن كيف هو هامش الحرية التنظيمية هذه يا سيادة الإمام؟ (الولد قد السلك) كما يقول أهل الجيش وفي الفقه التنظيمي المتبع حتى في أدبيات حزب الأمة أسس التعامل مع هذه الحالة معروفة وواضحة، ولكنك تعود لتستدرك أن عبد الرحمن الآن خارج دائرة الحزب والالتزام التنظيمي وأنه الآن فقط عقيد في الجيش السوداني! إذاً كان يمكن للحكومة اختيار أي عقيد آخر من الجيش ليكون أحد مساعدي رئيس الجمهورية. شيء عجيب وهل يحتاج من هو خارج التنظيم أصلاً لهامش حرية تنظيمية؟ ما هذا التناقض؟ ولكن المدهش بحق في حديث الصادق الأخير للتلفزيون ما جاء على لسانه وهو يتحدث عن ابنه (مساعد رئيس الجمهورية الجديد) أنه شرع في وقت سابق لتلغيم العاصمة الخرطوم بكاملها وعندما أعطاه الأستاذ أحمد البلال الفرصة للتراجع عن ذلك قائلاً له (إن الأمر كان في إطار التفكير والتخطيط فقط أليس كذلك؟) ركل الإمام الفرصة وعاد ليؤكد أن ابنه عبد الرحمن بالفعل كان قد لغم العاصمة وأنه شخصياً أي الصادق المهدي بنفسه منعه عن ذلك شيء عجيب وغريب، هل حدث هذا بالفعل أم أن الصادق رمى بهذا الحديث لأشياء أخرى ربما يشير بعضها لتدهور حاد في علاقة الأب بالابن للحد الذي يدفعه لإلقاء تهمة خطيرة كهذه عليه، تهمة ربما تدفع الشعب السوداني لتشكيل صورة جديدة وغير طيبة بالمرة تجاه نجله المقرب إليه؟ ترى لماذا أقدم الصادق على ذلك مؤكداً أن هذا التفكير الحاد جزء أصيل من طريقة تفكير ابنه لمعالجة ومناهضة الوضع خلال تلك الأيام التي كان فيها عبد الرحمن المهدي قائداً لجبش حزب الأمة؟ شيء ستكشفه حتماً الأيام القادمة. ولكن لنعد للترابي و(ابحثوا عن الترابي) ووفقاً لما يؤمن به شخصي الضعيف بشأن (مسرحية الانشقاق الكاذب بين الوطني والشعبي) فقد كان حدسي يشعرني بأن الرجل سيقدم على تصرف حاد حال الإعلان عن دخول الميرغني والمهدي حكومة الوطني في شراكة سياسية، ذلك من ظني الذي يكاد يصل حد اليقين أن الرجل يخطط ليحكم هكذا مطلقاً ويعارض هكذا مطلقاً في آن واحد بحيث يظل الوطني قابضاً على الحكم من الداخل والشعبي على المعارضة من الخارج (وهذا أمر كبير وطويل ذهبنا فيه دائماً بعيدا بعيداً) إلا أن الصادق لم يدخل الحكومة فدفع بولده ليكون لآل المهدي وجود رغم أنف الصادق المهدي وقد كان إلا أن ما سيظل يقلق الترابي وفقاً لفرضيتي الخاصة هذه هو منازعة المهدي للترابي خلال المرحلة المقبلة فيما بتصل بكرسي المعارضة، هل سيسلم المهدي في لحظة قادمة ويضع كلتا قدميه على سفينة الوطني والميرغني التي ستبحر لا شك في أمواج متلاطمة أم سيصمد ليكون أقرب لخيارات التغيير إذا ما هبت نسائم الربيع العربي على الخرطوم وهو هنا (أي الصادق المهدي) يرى خصمه اللدود المخادع حسن الترابي على الرصيف ينتظر إبحار السفينة ولا يحاول مطلقاً اللحاق بها، وقد تعلم الصادق عبر تجارب عديدة أن يكون منتبهاً بكل حواسه لما يتفوه به أو حتى يومىء به الترابي خاصة عند اللحظات الحرجة والمواقف الفاصلة ومن يعلم فربما تعلم الرجل أكثر عن الترابي وحيله السياسية لدرجة تدفعه الآن للدفع بابنه عبد الرحمن ليكون جزءًا من الحكومة ويظل هو بالخارج مع المعارضة وبالقرب من غريمه الداهية (الترابي) حتى إذا هبت الرياح ركب معه أمواج الجماهير المنادية بالتغيير والربيع السوداني، وحتما عبد الرحمن مغفور له إذا ما تاب من بعد وعاد لآل المهدي تائباً وربما ظافراً من يدري أنها سيناريوهات الأقدار القادمة؟ أما الشيخ حسن الترابي وبافتراض حدوث أسوأ ما يتوقعه وينتظره بوقوع ما حدث في المنطقة العربية من ربيع عربي فسيتيح له تصدره المعارضة آنذاك النجاة بحركته وحزبه بمثل ما خرج به في أوقات سابقة كان أشهرها عقب انتفاضة أبريل الشهيرة عندما تحول الإسلاميون بفضله من خانة السدنة المساندين والمشاركين مع النظام المايوي البائد إلى أحد أركان الحكم الديمقراطي الجديد. نعم إنها سيناريوهات الشيخ حسن.