ماذا قال دكتور جبريل إبراهيم عن مشاركته في مؤتمر مجموعة بنك التنمية الإسلامي بالرياض؟    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    الصليب الأحمر الدولي يعلن مقتل اثنين من سائقيه وإصابة ثلاثة من موظفيه في السودان    انجاز حققته السباحة السودانية فى البطولة الافريقية للكبار فى انغولا – صور    والي الخرطوم يصدر أمر طواريء رقم (2) بتكوين الخلية الامنية    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكرون السودانيون على طاولة التشريح
نشر في سودانيات يوم 29 - 12 - 2011

هذه المقالة الأخيرة عن الصادق المهدي من سلسلة "المفكرون السودانيون على طاولة التشريح" أوقفت نشرها في أغسطس بطلب مني بعد أن أرسلتها للنشر لصحيفة حريات، وكان الدافع أن نعطي السيد الصادق فرصة لكي نرى ماذا سيفعل لهذا الشعب السوداني المخدوع، والذي أنا منه قطعا، فجرت أحداث متلاحقة منذ أغسطس منها دخول ابنه في سنام السلطة السلفية القائمة، ثم تبريرات الصادق المهدي وتلك التجاذبات اللفظية التي تبادلها مع قوى المعارضة لتبرير التزاوج ما بين حزب الأمة القومي والسلطة على قفا الشعب السوداني – إذ لم تقنع تبريرات الصادق المهدي في إبنه معيز السودان ودعك من السودانيين، ثم تلك الجلسة في داره مع الشيخ الترابي وغندور (أمين الأمانة الإعلامية بالمؤتمر الوطني) تضامنا على حسب زعمهم مع انتفاضة "الشعب السوري" مع إنها ليست سوى انتفاضة إجرامية نفذتها الحركات المسلحة السلفية السرورية بدعم قطري إسرائيلي أمريكي تركي غربي!! هذه الجلسة بصدد سوريا في دار الأمة القومي كشفت كيف تفكر هذه القيادات السودانية التي تقود المعارضة (!)، لقد ركبوا جميعا الموجة الإقليمية السلفية التي تدار بلعبة الأموال والمخابرات العربية والغربية والصهيونية، ثم تمرد شباب الأمة الأنصار على موقف قيادته حين قذف غندور بالأحذية وزجاجات المشروبات الفارغة الخ وطالب الشباب بإسقاط النظام السلفي القائم، ثم أخيرا التعديات اللفظية للصادق المهدي على قوى المعارضة كونها معارضة هلامية على حسب لفظه..فاستحق غضبها فنادت بمقاطعة حزب الأمة القومي!!
كل هذه الأحداث أعلاه قد دفعتني لكي أفتح وأعيد صياغة هذه المقالة مجددا. ولقد أضفنا علامة X بجانب الرقم أعلاه لأننا لا نعلم متى تنتهي سلسلة المقالات في تشريح شخص السياسي والمفكر الصادق المهدي التي تحتاج بلا شك إلى كتابة كتب ومجلدات!!
بالرجوع إلى الخلف زمنيا، وقبل أن نحلل تداعيات الموقف السياسي السلبي للصادق المهدي في العقدية السابقة بانحيازه إلى الجلوس على مقعد الاحتياطي لمدة عشرة سنوات وتبنيه وحزبه خيار موقف الانعزال والجلوس على مقاعد المتفرجين – سنتوقف عند بعض النقاط الهامة المستجدة مثل هجومه على الشيعة والتشيع. وقد بينا في المقالة الأولى أن هذا الانعزال يدل على عدم الموهبة الفكرية السياسية (؟) – ولكننا اكتشفنا عاملا إضافيا جديدا سنورده لاحقا بالتفصيل. وبالرغم من مقاطعة حزب الأمة النظام القائم وإلى اليوم كما يبدو ظاهريا، لكن العديد من منسوبي هذا الحزب الكبار دخلوا لعبة البزنز مبكرا مع لوبيات المؤتمر الوطني!! وكما توقعت بدأ بعض الأخوة القراء المحبين للصادق المهدي في مهاجمة مقالتي الأولى بأسلوب غير موضوعي، ويعكس موقفهم المتجني تقمصهم شخص قائدهم – أي التماهي، وقد أفنوا ذواتهم فيه إلى حد إلغاء عقولهم. ولا نشك إنهم ربما أعضاء أو متعاطفين مع حزب الأمة – أو من المعتقدين بعقيدة المهدوية.
كان على القراء الكرام الناقمين علينا أن يقفوا عند النقطة المحورية لهذه المقالات..ولم يفعلوا، لماذا لم يطبق الصادق المهدي اتفاقية الصلح التي وقعها في 26 نوفمبر 1999م، ولماذا رجع للخرطوم متأخرا أي بعد سنة في 23 نوفمبر 2000م، وقد كان هنالك فراغ سياسي كبير وواضح في السلطة السياسية في ذلك الوقت ملأته تلك "الأحزاب الصغيرة" طوال تلك العشرة السنوات 1999-2011م!!
الصيرورة التاريخية والمحصلة السياسية لغياب الصادق وحزبه نجملها في التالي: افتراس هذه الأحزاب الصغيرة الأخضر واليابس وفاز على هذه الأحزاب الصغيرة في سباق الماراثون السياسي نحو قمة السلطة الخط السلفي السروري – المدعوم خارجيا بالأموال، وكذلك دعمته لاحقا بعض اللوبيات الاقتصادية السياسية المهمة من داخل السودان، وما أن حل عام 2004م حتى أعترف رئيس حزب المؤتمر الوطني عمر البشير بالسروريين وسلم ملفهم إلى نائبه علي عثمان محمد طه الذي أخذ ينسق معهم جهرا وسرا ثم فتحوا لهم أبواب السودان مشرعة..في الوقت الذي تطارد أجهزة الأمن القليل من المتشيعين، وتعمل الكليات الجامعية بدعم من الأمن الداخلي في تفكيك الطرق الصوفية!! ونجد كذلك الداعمين للسلفية السرورية التكفيرية ماليا عدد لا يستهان به من قيادات المؤتمر الوطني الرأسمالية ومن أبرزهم الرأسمالي سعود البرير أمين أمانة أصحاب العمل بالمؤتمر الوطني، وأحمد البدوي صاحب شركات أميفارما للمنتجات الطبية، ومحمد الحبيب صاحب شركات ديكور هاوس، والمهندس محمد عبد العزيز شريك في مصانع بوهيات المهندس، ومالك علي دنقلا وهو مهندس مدني ومقاول في ذات الوقت، وكان مالك علي دنقلا يدعم عصام البشير وأزهري التيجاني وهو يملك حق الامتياز في تشييد وبناء العقارات التابعة لوزارة الإرشاد والأوقاف ونفذ بناء مباني الهيئة العامة للحج والعمرة وغيرها من المواقع ...وكذلك بارك رئيس الجمهورية عمر البشير هذا التحالف السلفي مع السروريين التكفيريين، وصمت تيار الشيخ الترابي الذي يسمى الشعبي عن نمو السلفية عموما والتكفيرية خصوصا وقد صمت شيخه الترابي أيضا بالمطلق – والسكوت علامة الرضا!! حتى أصبح السودان بعد عشرة سنوات تقوده بالفعل زمرة هؤلاء السلفيين السروريين التكفيريين.
فماذا كان يحدث لو دخل الصادق المهدي وحزبه الحكومة حين أصطاد الفيل في جيبوتي في 26 نوفمبر 1999م؟ هل كان ميزان الدولة سيعتدل؟ هل كنا سنرى تاريخا آخر للسودان؟ هل كنا سنرى العبيد فضل المولى يعطي عبد الرحمن الفضل راتب سنتين بأثر رجعي حين عينه نائبا له وأترك صفقة عارف إلى جنب؟ وحقا ماذا جرى لوزير النقل بابكر نهار..هل جن الرجل؟ هل أنطبقت عليه قصة الغنماية مع الكلب فنطق متعجبا من شجاعتها المفاجئة:«الغنماية دي جنّت ولاّ شنو!!»؟ من أين أتت نهار هذه الشجاعة لكي يطلب ملف عبد الرحمن فضل؟ وهل سيطلب ملف سودانير بأكمله؟ نتوقع ذلك. في تقديرنا أن جهة ما أعطت نهار إشارة خضراء داخل المؤتمر الوطني "ترغب" مخلصة في تنظيف الحزب وصورة الحزب الحاكم، وبعد أن أمتص رجل غير شريف والعبيد فضل المولى وشركاه الكويتيين دم سودانير حتى أصيبت بأنيميا حادة، تسعى "البقرة المقدسة" لتعيين مدير شركة عزة كابتن مصطفى الدويحي بديلا للعبيد – ومن إنجازات هذا الأخير سقوط طائرة الشارقة التي تملكها شركة عزة!! فهل يخضعون العبيد فضل المولى للمحاسبة القانونية والإدارية والجنائية كأول الغيث الذي يهطل من سماء سودانير، التي ليس فقط حولها إلى بقرة حلوب حتى نضب ضرعها، بل أيضا مطية لسفراته المكوكية للقاهرة فإحدى زوجات الأربعة، وهي شابة بعمر بناته من الأخريات تدرس في القاهرة – إذا حكم مزاجه لا يمتطي المحليات يمتطى الأيربص A320 السريعة نحو القاهرة، كذلك سفراته الكثيرة لأثيوبيا مرجعها أيضا أن لديه مزرعة خاصة استثمارية في أثيوبيا..وكلها منصرفات خاصة وشخصية يلهفها العبيد تحت دخان مهام أعمال "رسمية" لسودانير، ولم يقتصر اللهف عند قيمة تذاكر السفر المجانية، بل أيضا يحصل العبيد على كل بدلات السفر بشكل كامل من نثريات وإقامة في فنادق خمسة نجوم الخ لذا أمر وزير النقل بابكر نهار قبل أن يسافر العبيد ويضع رجله على أرضية الأيربص A320 عليه أن يتحصل على إذن مسبق من وزارة النقل – من بابكر نهار!!
من هذا المثال أي مثال العبيد فضل المولى..ماذا لو فعل كل وزير سابق ما فعله بابكر نهار وسنتواضع ولا نقول قبل أثنين وعشرين عاما، بل قبل عشرة سنوات مضت – فهي تكفي، فاللوبيات الاقتصادية الإسلامية الفاسدة التي نهبت مداخيل البترول وأموال الشعب السوداني نمت بشكل فطري في العشرة السنوات الأخيرة ..أي حين أحجم الصادق المهدي وحزبه أن ينافسا المؤتمر الوطني بخطة تعيد التوازن للدولة المختلة عام 1999م حين كان عمر الإنقاذ فقط عشرة سنوات!! بينما مشاركة الصادق للحكومة الآن 2011م من عدمها لا معنى لها ولا تغير شيئا – فليس السودان اليوم هو السودان قبل عشرة سنوات، فدولة المؤتمر الوطني اليوم غير قابلة للإصلاح، وثمن كلفة إزالتها أقل بكثير من استمرارها، وعلى المؤتمر الوطني أن يرجع الدولة للشعب السوداني!!
ولكن بشكل مفاجئ أستجد عامل إضافي أثناء كتابة هذه المقالة (أي في أغسطس 2011م)، أتي في علمي وقتها أن الصادق المهدي رمى رمية تكتيكية غاضبة:– لقد هاجم السلفية التكفيرية والشيعة معا!! هذه الرمية ساعدتني كثيرا – لأن محور هذه السلسلة من المقالات تدور حول سيطرة السلفية التكفيرية على جهاز الدولة في السودان – وفي تقديري تقع مسؤولية تشي السلفية على عاتق الصادق المهدي كما شرحنا أعلاه. فهجومه الحالي على السلفية التكفيري قد يكون مبررا وإن جاء مستحيا ومتأخرا ولكن هجومه على الشيعة سخيف وقد أذهلني – خاصة إذا فهمنا أن الشيعة لا تكفر أحدا ولا حتى أهل السنة!! فالإمام السادس لأهل البيت جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام 84-148ه كان يحاور الزنادقة على بعد مترين من الحجر الأسود ولم يكفرهم. بعض هؤلاء الزنادقة كان يسخر في صحن الحرم من حجاج البيت الحرام وحاوروا الإمام جعفر الصادق: بأنهم يتعبدون بحجارة كالوثنيين!! وبالرغم من ذلك لم ينعتهم بالكفر أو أخرجهم من الملة بل كان يحاورهم الحجة بالحجة – طمعا في أوبتهم!!
هذا الهجوم المباغت المتجني على الشيعة من قبل الصادق المهدي أجبرني لكي أعيد ترتيب مقالتي هذه بشكل أفضل – أي ببذل المزيد من البحث في حزب الأمة والصادق المهدي، خاصة فيما يتعلق بالشق الهجومي على الشيعة. وبعد قليل من البحث الجاد أذهلتني المفاجأة، لقد أكتشفت أنني جاهل بل جهول بحزب الأمة الحديث!! وعند لحظة الاكتشاف المذهل مرت بخاطري مقالة كتبتها في السابق بعنوان: "الطبوغرافيا الدينية والسياسية في السودان – فك الاشتباك". تجدها هنا...
http://www.sudanyiat.net/articles.php?action=show&id=91
وكتبتها إعجابا بالمهدية أي بالثورة الأم بعد قراءتي لكتاب قيم عنها!! وفي الحق كانت تلك المقالة رمية من غير رامي ودون أن تقصد جرحت المقالة أيديولوجية حزب الأمة الحديثة التي كنت أجهلها– ونختصرها بالتالي: الصادق المهدي يؤمن ويروج "باستحياء" وبخفية أن جده هو المهدي الحقيقي الذي بشر به الرسول (ص). أليست هذه مفاجأة ضخمة؟ بينما تخيلت أنا بسذاجة أن مقالتي تلك نجحت في "فك الاشتباك" ما بين مهدينا السوداني والمهدي الحقيقي، وأعتقدت ببراءة أنني قد ساهمت مساهمة جيدة برفع الحرج عن حزب الأمة!! الآن زال عجبي أن يلتزم المحسوبين على الأنصار الصمت حول مقالة "فك الاشتباك".
أليس هجوم الصادق المهدي المباغت على الشيعة بمصادفة غريبة التوقيت؟ لقد كشف لي هذا الهجوم كثيرا من الألغاز التي تحيط بشخصية الصادق المهدي ومواقفه السياسية الحالية وفي السابق، على الأقل بالنسبة لي. ثم لا أعتقد أن هنالك سودانيا أو مسلما سوى الصادق المهدي وبعض أنصار حزب الأمة يؤمنون أن محمد أحمد "المهدي" السوداني، هو المهدي الحقيقي المنتظر!!
لذا عندما هاجم الصادق المهدي الشيعة – فذلك ليس لأن وجودهم في السودان في زعمه قد يدفع السلفيين لكي يزرعوا شوارع الخرطوم بالمتفجرات وسيصنعون دورة من العنف على غرار العراق كما قال الصادق المهدي بحدة الخ – بل أحرى به أن يقول أن الشيعة تاريخيا هم ترياق السلفية الحشوية التكفيرية، وأئمتهم هم أساس الدين وحبله وصراطه المستقيم!! أدبيات أهل البيت عليهم السلام تقول على الخصوص أن المهدي المنتظر حي يرزق وهو في غيبة كبرى وسيظهر فجأة في وقت ما حين يعم الأرض الظلم والفساد، عقيدة الشيعة في المهدي المنتظر نفاها الشيخ الترابي وأنكرها بعقله وهو لا يؤمن بالمهدوية، وقد أعتبرها خرافة مثل "خرافة" المسيحيين في انتظارهم رجعة السيد المسيح، ولذلك فمن تحصيل الحاصل فلن يؤمن الترابي بأن عظيمنا المجاهد محمد أحمد المهدي بالمهدي المنتظر!! ولم نره يوما ينطقها حرصا على مشاعر أصهاره!! كذلك الشيخ الترابي لا يعتقد وقد صرح بالفم المليان أن المراغنة ليسوا من أهل البيت أي ليسوا من الأشراف – وفي هذه صدق. لذا "فالسيدان" لا يثقان في الدكتور الترابي مطلقا، ليس لأنه غير أهل للثقة، بل لتناقض الرؤى الفكرية والمصالح!! فثورة الإنقاذ أحد وظائفها الصامتة هو نفي ونقض عقيدتي السيدين هكذا خطط الترابي، وبما أنني أؤمن أن انقسام الإسلاميين في ديسمبر 1999م هي مسرحية نفذتها القيادة العليا (لا يتعدون ثلاثة أشخاص) بينما لا يدرك ولا حتى أصحاب "مذكرة العشرة" هذا السر، لذا في تكتيك واستراتيجية الشيخ الترابي الذي يقود "الجميع" بخفية قبول السلفية "النشطة" في العشرة سنوات الأخيرة كرقم فاعل في المجتمع السوداني حتى يضرب عصفورين بحجر، أولها: بأسلوب الإغراق أي "الطوفان السلفي" تنهي شقشقة السلفيين للترابي طائفية السيدين اللتين أخرتا السودان وعطلتا من تقدمه، والثاني: لابد أن يدجن الأمن السوداني هؤلاء السلفيين المبرمجين سعوديا، تماما كما تغير أو تعيد برمجة جينات البكتيريا قليلا لكي تصنع لك الأنسولين بدلا من العبوات التفجيرية!! ولكن مع الأسف فالذي لم يحسبه أو يتخيله الشيخ الترابي مع مسرحية الانقسام أن الإسلاميين قد يخذلونه ويستفردون بالثروة والجاه، فطغت كفة السلفيين الخ، وهم في نظر الشيخ الترابي مخلصين ولكنهم ضيقو الأفق..فقط، وأغمض عينه كونهم خوارج من الدرجة الأولى!! في المقالة التالية سنضع الشيخ الترابي على طاولة التشريح، وسنكشف أخطر حوار صحفي أجراه وقد كشف فيه بشكل نادر طريقة تفكيره، سنحلله ونضعه على طاولة التشريح وسنفك طلاسمه التي عجزوا فكها، وسننتقد أسلوبه التجريدي للقضية الإسلامية لهروبه من تسمية المسميات باسمها، وسنفسر لماذا يسقط كل المفكرين الإسلاميين الجيدين مثل الشيخ الترابي في ربكة التجريد والتعالي التاريخي، بينما يسقط الأقل موهبة فكرية في الإنشاء والتطنيب لنفس الأسباب!!
وبالعكس من الشيعة، فشيوخ الدين السنة بطول تاريخهم أي منذ أربعة عشرة قرنا لا يهتمون كثيرا بقضية المهدوية (طالما هو طبعا من نسل فاطمة!!) وتقول الأدبيات الحديثية السنية إنه سيأتي في آخر الزمان، والكتب السنية رغم ذلك مليئة بإشارات كيفية خروجه، وكيف يحدث وماذا يفعل الخ إذن ما نود قوله باختصار هو أن أدبيات المهدوية لدى السنة والشيعة تنسف عقيدة الصادق المهدي التي تزعم بأن جده محمد أحمد هو المهدي الحقيقي المنتظر!! حجة الصادق واعتقاده في جده صاغها في قوله الضعيف: أنه لا معنى ثم لا فائدة كأن يظهر المهدي الحقيقي في آخر الزمان – هذه هي كل حجته العقلية!! وهي حجة سقيمة تدلل إنه لم يفهم الحكمة الإلهية الكامنة لظهوره آخر الزمان عليه السلام، ولم يفهم سنة الله في الابتلاء الذي يستمر وحتى ظهور المهدي الذي يشي باقتراب الساعة (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا الخ). فحتى ظهوره عليه السلام عجل الله من فرج آل محمد يعتبر ابتلاء، سيؤمن به السعيد ويقاتل معه ويشقى به الشقي ويحاربه!! أما كون المهدي المنتظر حيا في غيبة فهذا معلوم، فالله تعالى لا يترك الأرض أبدا خالية من من يكون فيها حجة على الخلائق!! فعلوم أئمة أهل البيت وشيعتهم وأدبياتهم إذن بالمجموع تمثل خطرا على عقيدة (وأيديولوجية) الصادق المهدي الدينية الجديدة القديمة.
هذا الكشف أن الصادق المهدي يُنظِّر ويروج بتكتم وبخفية أن جده محمد أحمد هو المهدي الحقيقي يعتبر نقطة جديدة بالنسبة لي. الصادق المهدي إذن لا يحب الشيعة والتشيع والمتشيعين..لهذا السبب لا غير – أي من موقع التناقض العقيدي!! هذا الاكتشاف أجبرنا كأن نعيد كتابة مقالنا هذا من جديد لأنه اكتشاف خطير في فكر الرجل. ولنعد لموضوعونا الأصلي، ونقول:
لعلنا ابتداءا نذكر مجددا، إن الهدف الأساسي من سلسلة هذه المقالات هو البحث عن الفكرة السياسية التي حملها الصادق المهدي في عقله في نهاية عام 1999م، ودفعته لكي يرجع عائدا متأخرا بسنة بعد المصالحة الجيبوتية، ثم أجلسته عشرة سنوات في الخرطوم متفرجا - عدا نشاطه الصحفي في منزله!! بلا شك جلوسه عشرة سنوات على مقاعد المتفرجين ومعه حزبه صنع فراغا في ساحة الدولة ملأه السلفيون – وكان معلوما أن الشيخ الترابي وتياره قد اقصوا بالكامل أو هكذا صار بدءا من نهاية عام 1999م، بينما الميرغني أعتصم بالقاهرة وتشرذم حزبه إلى قطع متناصرة!!
إذن التفسير السياسي الجديد الإضافي في هذه المقالة تتبعا لظاهرة جلوس الصادق المهدي متفرجا لعقد من الزمان سينبني بشكل مغاير عن المقالة الأولى وبالتحديد سيتمحور المقال سياسيا من هنا وصاعدا على عقيدته التي أكتشفتها أخيرا بصدد المهدوية!!
وفحوى هذا التفسير السياسي الجديد أن الصادق المهدي لم يرغب في المغامرة كأن يدخل مشاركا السلطة القائمة نهاية عام 1999م ويشتبك معها أو مع السلفيين داخليا في عراك سياسي لصالح الشعب السوداني خوفا من أن تنهد بنية أيدلوجيته الدينية – أي عقيدته الدينية الهشة في المهدوية، لقد فضل الحفاظ على عقيدته التي تقول أن جده هو المهدي الحقيقي!! وأتضح لي أن هذه العقيدة أي أن محمد أحمد "المهدي" هو المهدي الحقيقي هي قضية هامة ومحورية في عقل الصادق المهدي وأهم لديه من قضية الشعب السوداني، لأن هذه العقيدة هي التي تربط مكونات نسيج هذه البنية الطائفية التي يتزعمها وتساهم في تماسكها وتماسك كيان حزب الأمة السياسي الذي يعتمد على الأنصار – إذا ضعفت هذه العقيدة تمزق نسيج الأنصار وحزب الأمة السياسي إلى قطع متناثرة!! فك الارتباط هذا...الديني العقيدي السياسي هو أيضا يمثل إشكالية في مكان آخر، لم يرغب نظام آل سعود في التسعينيات كأن يفك ارتباطه السياسي عبر المحاصصة مع عقيدة آل الشيخ الدينية (حفدة محمد عبد الوهاب)، وإذا فك هذا الارتباط المحاصصي -تحت ضغط الرغبة الأمريكية في التسعينيات- سيؤدي لا محالة إلى تداعى النظام السعودي السياسي وإنهياره!! لذا رفض آل سعود فك الارتباط المحاصصي مع آل الشيخ.
بالمجموع: يعتبر فقه وأدبيات أئمة آهل البيت الإسلامية هي لاغية وبل نافية لعقيدة (أيديولوجية) الصادق المهدي في العقيدة المهدوية وتمثل خطرا عليها – فالعقيدة التي تشبه الأيديولوجية دائما ترفض إخضاع نفسها للبحث والنقد لأنها غالبا هي منحولة!!
وفي تقديري الجازم، هذا الاكتشاف المتأخر من قبلي – وربما كان قطعا معلوما لغيري، كون الصادق المهدي يعتقد أن جده هو المهدي الحقيقي وترويجه وتنظيره في هذا الاتجاه، يفسر بجدارة الحالة السياسية الهلامية التي يعيشها كل من الصادق المهدي وحزبه الذي لا يأخذ أبعاد حزب بالمعني السياسي الصدامي الحقيقي - حفاظا على البنية الطائفية من التهلكة. وضربة نظام جعفر النميري الاشتراكي وقتها للجزيرة أبا ماثلة للأذهان وهي في اتجاه ضرب هذه العقيدة. لذلك كل أو بعض القيادات العليا على المستوى الأول والكثير من المستوى الثاني وكافة أعضاء حزب الأمة ليسوا مطالبين في أية مرحلة ما بالعمل السياسي الصدامي المحترف الجاد محافظة على البناء الطائفي، فلديهم القناعات والوقت الكافي لكي يدخلوا في عمليات البزنز من خلف الكواليس مع لوبيات المؤتمر الوطني الاقتصادية منذ منتصف التسعينيات. ولم يشمر الصادق المهدي وكريماته في الصدام السياسي اللفظي إلا حين سقطت أسنان حكم الإنقاذ، ومع ذلك وزع الأدوار على طريقة البنق بونق، فالكريمات الحبيبات ينادين بسقوط النظام، بينما الأب يقول: تعقلوا..فالإصلاح والصلح خير!! وبهذا التكتيك يطمح الصادق المهدي أن يتعب رقبة الدكتور نافع ما أن يتابع كرة البنق بونق حتى "تتعسم" رقبته ويقدم المزيد من التنازلات لصالح الطائفية!!
لذا بالمجموع يجب ألا نغتر بما يطرحه الصادق المهدي في عام 2011م من فرضيات ونظريات سياسية واقتصادية لحل الأزمة السودانية والموقف من النظام القائم، فهو يقف وحزبه منذ ديسمبر 1999م في المنطقة الرمادية ولا يغادرها، ويجيد الدوران حول نفسه بشتى التعبيرات والتخريجات اللفظية – للمحافظة على عقيدة المهدوية التي يبني صرحها في دائرته الداخلية ويروج لها باستحياء، كما المحافظة على بنية الأنصار وتماسكها!! كذلك ألا نغتر بكريمات الصادق المهدي المحترمات الناشطات صحفيا..سياسيا الخ، مع احترامي لهن الشديد، فهن يشبعن ذواتهم فكريا وسياسيا عبر إبداء رأيهن أو آرائهن - وهذا من حقهن، ولكن يجب أن ندرك بكفاءة أن القرار السياسي لحزب الأمة هو في يد الصادق المهدي لا غيره!!
على صعيد آخر، ونقصد الشيخ الترابي وإذا ما كان يعتقد أن الجد "محمد أحمد" هو المهدي الحقيقي..يعتبر سؤال مشروع وكبير. فبتتبع عقيدة وأقوال الشيخ الترابي وأفكاره في المهدي الحقيقي قطعا لا يؤمن به، فهل يمكن أن يؤمن بعقيدة الصادق المهدي في جده؟ الجواب كلا. وربما تناقش الرجلان معا في خلواتهما الخاصة، وهذا يفسر العداء الفكري المتين بينهما إلى حد القطيعة السياسية من وقت لآخر والسعي لإقصاء الآخر دون ذكر الأسباب الحقيقية. وكلنا نذكر قولة الصادق في الترابي: الراسب ماسك قلم يصحح!! فقرصه الشيخ الترابي في القاهرة وفيما معناه: الكبار ما دايرين يعملوا لتغيير النظام، ومنتظرين غيرهم يقوم بهذه المهمة!! ومعنى كلام الشيخ الترابي الإشاري إنه يعلم علم اليقين أن الصادق المهدي يميل للمحافظة على إديولوجيته العقيدية والمحافظة على بنية طائفته من الانهيار لذا لا يغامر بتعريضها للتفتت إذا لعب كرأس حربة في عملية تغيير سياسي حقيقي كبير ضد السلفيين، فالسلفية البيضاء والسلفية السرورية فعلا يعتقدون بعقيدة أبن تيمية الحراني وحده لا شريك له ولا يستبدلونها بعقيدة أحد حتى ولو ظهر المهدي الحقيقي نفسه عليه السلام – فما بالك بعقيدة حول محمد أحمد المهدي!!
هذه هي أهم النقاط الإضافية التي أدخلناها في صلب مقالنا الأصلي بعد اكتشافي عقيدة السيد الصادق في المهدوية. وعليه أرجو ألا أسمع من القراء كلاما من نوع هذا تحليل سياسي لا يرقى إلى العمل الفكري. (فالموقف السياسي) (للصادق المهدي) قطعا يعبر أو يفشي عن مخبؤ الرؤية الفكرية لصاحبها. فما يخفيه السيد الصادق فكريا ولا يستطيع قوله صراحة يفشيه سلوكه السياسي أو موقفه السياسي، والموقف السياسي هو سلوك يرتكز على أرضية فكرية أو رؤية فكرية، شئنا أو أبينا.
فرجوعه للسودان متأخرا بعد عام من مصالحة جيبوتي ثم جلوسه عشرة سنوات على مقاعد المتفرجين يجب ألا يمر بدون محاسبة سياسية كمرور الكرام!! إضافة إلى عقلية رجل اللوبي الاقتصادي، فعقيدته الجديدة في جده تفسر بشكل أفضل الانعزالية التي ضربها على نفسه وحزبه سعيا للمحافظة على بنية العقيدة المهدوية من الانهيار أو الركون للحذر حتى لا تتلقى ضربة بشكل ما!! وعلى هذا الميراث العقائدي يراهن الصادق المهدي كأن يطيل من عمر امتيازاته وامتيازات أسرته التي تحصلتها بواسطة الحكم البريطاني الذي تعمد أن يعطيها لهم حتى لا يقودوا ثورة أخرى – فقامت من منطقة الحلاويين!! ولكننا يجب ألا ننسى أن نتيجة هذا التأخير أو هذا الغياب الطويل للصادق المهدي وحزبه بالمجموع أتاح للسلفيين أن يسيطروا على الساحة السياسية أو الدولة السودانية بالكامل – وصاحبت هذه السيطرة نمو ظاهرات غريبة عن تقاليد الشعب السوداني يصعب إبطالها لاحقا!!
للمقالة بقية...ثم نتفرغ بعدها للشيخ الترابي!!
شوقي إبراهيم عثمان
(كاتب) و (محلل سياسي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.