هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته تلكم اللبنة هى ( مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان). والصرح المرتجى هو السودان المتسامح الذى يسع الجميع من " دون فرز" بقطع النظر عن ألوانهم وأشكالهم ومعتقداتهم. والصرح فى المعاجم هو القصر وكل بناء عال. ومن جماليات اللغة يقال صرح فلان أى أبان. والتصريح ضد التعريض " وصرّح بما فى نفسه تصريحاً أى أظهره" كما جاء فى معجم الرازى رحمه الله. فكأنما الأمر قد غدا بينأً كما البناء العالي الذى لا تخطؤه العين. وقرظ الأستاذ عباس محمود العقاد كتاباً مترجماً فى الفلسفة عنوانه " قصور الفلسفة" لكنه عاب على المترجم إستخدام كلمة " قصور" لأنها حمالة وجوه فهى جمع قصر أى البناء العالي وهو المراد من عنوان الكتاب وهو مدح لما حواه الكتاب من الأفكار الفلسفية و لكنها بتشديد الصاد هى مصدر الفعل "قصّر" من التقصير وهو نقيض المراد من العنوان لأن الكتاب فى تعظيم الفلسفة وتمجيدها والأوفق أن يجئ العنوان :" صروح الفلسفة", هكذا قال العقاد رحمه الله. وقد ساقني الفضول لزيارة هذا المركز والتعرف على عمله. وهناك إلتقيت بالقانونى الضليع والإنسان الخلوق الدكتور أحمد المفتى مؤسس هذا المركز عام 2005. والدكتور أحمد الذى تقلد أرفع المناصب فى دواوين الدولة لمدى سبع وعشرين سنة مستشاراً بوزارة العدل قبل أن يصبح وكيلاً للوزارة ثم يترك المنصب الحكومي عام 2002 كان قد أعد العديد من الدراسات المتخصصة فى القانون للعديد من الهيئات الدولية والشركات كما كان عضواً فى اللجنة الدائمة لحماية الحريات الصحفية بإتحاد الصحفيين العرب قبل أن يترأس لجنة القضاء على إختطاف النساء والأطفال والتي يرمز إليها باوائل حروفها الإنجليزية .(CEWAC) وأشهد أن تلك اللجنة قد صدت سهاماً سامة عديدة دمغت هذه البلاد بخسيسة إسترقاق البشر وأن تلكم اللجنة لم تلجأ إلى أساليب الإنكار الطنانة الساذجة التى لا يصدقها أحد بل عكفت على دراسة المشكلة ووجدت أن إفرازات الحرب الأهلية قد أدت لأوضاع إستثنائية إستشرى فى كنفها إختطاف النساء والأطفال خاصة على خطوط التماس بين الشمال والجنوب. ورصدت تلك الحالات بإفادات من ذوي المتأثرين بتلك الظاهرة وإستطاعت بالتعاون مع جهات دولية مماثلة من إعادة المختطفين إلى ذويهم. وقد نالت بذلك إحترام العديد من منظمات حقوق الإنسان مثل الهيومان رايتس ووطش وآمنستى إنترناشونال. وفى سجالاتنا مع المسؤولين ووسائل الإعلام فى واشنطن كانت تنال المدح والتقريظ كلما أشرنا إليها. وقد بلغ حظها من التقدير أن دعا مجلس اللوردات رئيسها الدكتور المفتى لمخاطبة المجلس فى مواجهة العضوة فى المجلس البارونا كوكس التى تولت كبر تلك الحملة. ولم أفهم بعد الحكمة فى حل تلك اللجنة عام 2010 ولعل الفراغ الذى تركته فى الساحة قد أغرى من جديد المنظمات التى كانت تسترزق من فرية الرق فى السودان بمعاودة نشاطها مجدداً فى العواصمالغربية كما هو معلوم مستغلة ظروف الحرب فى بعض أجزائه. والمركز كما أفادني الدكتور وكما وجدت فى منشوراته منظمة طوعية غير حكومية ممولة ذاتياً لا يدفع المنتسبون إليها أي إشتراكات او تبرعات أو اغاثات أو إعانات. وقد إعتبر المركز مهمته الأساسية فى إشاعة الوعي بحقوق الإنسان التي أحصاها بسبعة وثلاثين حقاً أطلق عليها "ثورة حقوق الإنسان". ولمزيد من التوضيح جاء فى المنشور رقم (6) ما يلى: " 1- وثيقة حقوق الإنسان هى 37 وافقت عليها الحكومة والمعارضة والمجتمع الدولي. 2-ثورة حقوق إنسان للحصول سلمياً على تلك الحقوق دون شغب أو عنف أو إرهاب أو تدخل خارجي وحتى لا يستغل الإنتهازيون مطالب الجماهير للوصول للسلطة". وفى حديثى مع الرجل فهمت أن ذلك هو خط المركز الذى يقبل فى عضويته أي مواطن سوداني دون النظر إلى قبيلته أو عقيدته الدينية أو السياسية وأنه لايعترض على حق الأحزاب والنقابات فى أن تسلك ما تشاء وفقاً للحريات المصانة. وذكر أن عضوية المركز بلغت أكثر من 120 ألفاً على إمتداد السودان وله أكثر من ألف فرع وأنه يعمل بطريقة لا مركزية حيث أنه فى مقدور كل أربعين شخصاً أن يكونوا "برلماناً جماهيرياً". وأن هذه المراكز تنفق على نفسها وتدير شؤونها بما ترى وان المركز وفروعه يقدمون الإستشارات القانونية الخاصة بحقوق الإنسان مجاناً. وأكد دكتور المفتى أن أميين كثر قد انضموا لعضوية المركز بعد أن إستوعبوا ال37 حقاً المنصوص عليها كحقوق أساسية لكل فرد. وورد فى ذات المنشور عن علاقة المواطن بالحكومة ما يلى: " الحكم بين الحكومة والمواطن هو صندوق الإنتخابات بشرط أن يقدم كل مرشح برنامج سلام وحقوق إنسان مكتوب ومفصل ويعتمده حزب المرشح." وأكد لي الدكتور نجاعة هذه التجربة فى إشاعة توعية المواطنين بحقوقهم فى إطار السلم والقانون , أن المركز قد تبنى قضية مواطنين يسكنون فى " كمبو" فى مشروع الجزيرة طالبوا بحقهم فى مياه شرب نقية معالجة حيث كانوا يشربون من الترعة , فاستجابت السلطات وزودتهم بمحطتين لتنقية المياه. ذلك كان إستناداً على المادة (12) التى وردت فى المنشور السادس والتى تقول:" ترفع (أية ثورة حقوق المواطنين التى يقودها المركز) مناشدات المواطنين وتصعدها لأعلى الجهات مجاناً". وفى طريقي إلى خارج مكاتب المركز الكائن فى شارع على عبد اللطيف فوجئت بعشرات الشباب فى بهو الإستقبال ينتظرون لقاء المسؤولين فى المركز. ومن فرط إعجابي بهذا العمل الكبير رأيت أن أفرد له مقالتي لهذا الأسبوع لأنه شاهد على أنه فى ظل هذا التوتر السائد هذه الأيام بالإمكان لم شمل السودانيين فى حملة توعية سلمية بحقوقهم فى الحياة الحرة الكريمة التى تليق بالبشر دون إمتهان ينال من تلك الكرامة الممنوحة من الخالق العظيم وبلا تكاليف تذكر. ونسيت أن اذكر ان كل من يتمكن من إضافة أربعين عضواً للمركز يصبح عضواً قيادياً فيه. هذا جهد كبير وعظيم الفائدة لأنه يجمع الناس على المواطنة وحدها ويزيل عبر إحتكاكهم ببعضهم البعض الكثير من الصور النمطية التى تباعد بين الناس وفي خضم ذلك يدركون قيمة التعاون بينهم فى تحقيق مصالحهم رغم الفوارق العرقية والدينية والجهوية وتمتين القيم المشتركة بينهم كمواطنين مصائرهم واحدة كما أن اللامركزية التى يعتمدها المركز تعد درساً مفيداً فى إدارة البلاد ومراناً يرسخ مفاهيمها لدى الناس. نتمنى أن تترسخ هذه المفاهيم في إدارة الخلاف والإختلاف فى ظل الإحترام لحقوقنا المقدسة وحقوق من يخالفوننا الرأى وأن يكون الخلاف والإختلاف معاول للتجويد والبناء لا للتشرذم والهدم والتحية والإجلال للدكتور أحمد المفتى على هذا الإسهام الوطنى المهم.