لهذا السبب تم دعوة غندور دون غيره من القيادات لماذا اقتحم الشاب السوري الجموع نحو المنصة؟ كيف تصرفت مريم الصادق لتهدئة الحضور وتطييب خاطر غندور؟ ما الذي قاله الترابي في معرض تعليقه على الحادثة؟ لم يمض كثير وقت مساء الأمس حتى سرت الأنباء على نطاق واسع عن الاعتداء على أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني د. إبراهيم غندور بدار حزب الأمة القومي بأم درمان، أثناء مشاركته في فعاليات المهرجان الخطابي لمناصرة الشعب السوري، ولكن الأمور لم تسر كما يجب وحدث ما لا يحمد عقباه مما أدخل منظمي الفعالية في حرج بالغ وصل حد ملاحقة غندور بمنزله ببري منتصف ليلة أمس بغية تقديم الاعتذار له. أصل الحكاية وسط حشد جماهيري ضخم انطلقت ليلة أمس بدار حزب الأمة القومي فعاليات المهرجان الخطابي لمناصرة الشعب السوري في محنته ومايتعرض له من قبل نظام الرئيس بشار الأسد. كانت الأجواء أم درمانية صاخبة، وشهد الشارع المحاذي لدار الأمة حركة مكثفة منذ العصر جراء تدافع الحضور للدار وهي تحمل لافتات عديدة منها مايتعلق بالشأن السوري وأخرى أراد لها البعض أن تكون شأن محلي خالص تحت ذلك الستار خاصة وأن اللقاء سيكون محضوراً من كافة الأقطاب السياسية (حكومة ومعارضة وناشطين). وما أن دخل الليل بدأت القيادات تتوافد إلى دار الأمة، وللمفارقة حضر كل من (المهدي والترابي) بالدار على الرغم من الخلافات التاريخية بين الرجلين لكن يبدو أن الزمان قد مضى بهما وأزال ما في الصدور لاسيما أن الوضع بات يتطلب تحالف الزعيمين في خندق واحد خاصة وأن هدفهما المركزي بات واحداً، وما أن أعلنت المنصة بداية الفعالية، تحسس الجميع مقاعدهم وباتت الجماهير تتفقد قياداتها (كل على هواه) وما أن اطمأنوا بتجمعهم جميعاً في (خط موازٍ) بدأوا في تنفيذ خططهم المتفق عليها من قبل أيام، مع العلم أن دار الأمة ظل لأيام يشهد حركة جماهيرية مكثفة من أعضائه وهم يحملون سخطاً على دور حزبهم، لاسيما تذمرهم الذي وصل حد مطالبتهم بضرورة تصحيح مسار الحزب، الذي افتقد مساره منذ المؤتمر العام السابع للحزب-وفقاً لرؤيتهم-، على كل يوم أمس شكل لتلك الجماهير سانحة طيبة لتحقيق مآربهم وتوضيح رؤيتهم أمام قياداتها الحزبية التي ظلت تتعمد عدم مواجهتهم. بدأت الفعالية بالأغاني الحماسية والأدبيات، وما إن انداحت الحضور مع تلك الأدبيات الشعرية، باتوا يهتفون (تارة لسوريا وتارة لتلك القيادات) التي حضرت وعلى رأسها الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي وزعيم الأمة القومي الإمام الصادق الصديق المهدي والقيادي الاتحادي عثمان عمر الشريف والناطق الرسمي للمؤتمر الوطني البروفيسور إبراهيم غندور.. كان ترتيب البروتكول يقتضي تقديم الأخير أولاً (غندور)، بينما يقدم زعيم الأمة القومي أخيراً بوصفه صاحب الدار. نصب الكمين لكن غندور الذي ذهب إلى دار الأمة لم يكن يدري بأن البعض قد وضع له (شركاً) صعب الفكاك منه، هذه الخطة المحكمة كانت نقيضة للتي تملكت الرجل الذي لم يشعر يوماً ب(الغربة) وهو في الطريق إلى دار الأمة باعتبار أنه يحمل (اسم الأمة) مما يعني أنه يسع الجميع على الرغم من اختلاف الفكر والعقيدة، لكن بمجرد دخوله إلى دار الأمة تصاعدت الهتافات ضده وضد حزبه وحين هم بإلقاء كلمته تصاعدت الهتافات بشكل حاد لدرجة أن حديثه بات غير مسموعٍ على الرغم من أنه يتحدث بمكبر صوت(ساوند سستم)، غير أن حناجر الحشود كانت قوية، لدرجة أن شوشت على حديثه ولكن الرجل لم يأبه كثيراً لتلك الهتافات وواصل حديثه ويقول الأمين العام للهيئة عبدالباقي الظافر ل(السوداني) عن تلك اللحظات أن غندور كان شجاعاً جداً في اعتلاء المنصة رغم ماوصفه الظافر بالعداء الهتافي لافتاً إلى أن الرجل برغم ذلك نزع لسلوك ديمقراطي نشا عليه. وقال غندور خلال مخاطبته الفعالية أن مجيئه لدار حزب الأمة جاء إيماناً منه بالديمقراطية والحرية وقبول الرأي والرأي الآخر، إضافة إلى علمه بأن الدار وأهلها يحترمون الرأي والرأي الآخر، مشدداً على أنه أتى للوقوف مسانداً للشعب السوري وليس متحدثاً عن الحكومة، مؤكداً مساندته لكل الثورات العربية، وأضاف أن الحوار سيظل هو الحل لكافة الإشكالات، ورد غندور علي الهاتفين ضده بأن هناك الملايين يقفون ضد موقفهم، وأضاف موجهاً حديثه إلى دعاة الثورة بأن الثورات عندما تنطلق تنطلق من الشعب وتابع: وإذا انطلقت من الشعب نحن سنكون معها" وقال إن الثورات لا تحتاج إلى قائد سياسي، وأوضح أن الثورة إذا انطلقت سنكون أول من يقودها، وقال إن حزبه مع الشعب السوري في خندق واحد وضد البطش والقتل والتنكيل وأضاف أن حزبه مع الحوار معرباً عن تطلعه لشعب واحد متماسك، وأردف "أن الهرجلة والغوغائية لا تحل قضايا البلاد". اندفاع الشاب ومضى الرجل في كلمته في تلك الأثناء حتى اندفع أحد الشباب السوريين الذين زينوا المهرجان بالمشاركة في تنظيمه وحضوره اندفع نحو الإمام الصادق المهدي وفي إشارات يفهم منها طلبه من الإمام الوقوف لتهدئة المحتجين كان الإمام بذات الإشارات التي يفهم منها تجاهل الأمر (ربما لحسابات متعلقة بجماهيره) وحين أصر الشاب السوري وألح بإشاراته وقف الإمام ملوحاً للجماهير وراجياً منهم التوقف عن هتافاتهم العدائية تجاه الرجل ولكن خاب مسعاه إذ إن الهتاف اشتد على الرجل الذي كان في ذلك التوقيت قد اختتم كلمته بعبارات "لا إله إلا الله عليها نبقى وعليها نموت وعليها نلقى الله) وفي طريق عودته إلى مقعده ( جوار الصادق المهدي) تم حصبه بعدد من الطوبات، وعدد من قوارير المياه) –وفقاً لشهود عيان تحدثوا ل(السوداني بعد الحادثة)-مما جعل غندور يتصرف بطريقة مكنته من تفادي حصب الحاضرين برغم تأكيدات الهيئة بأن ماحدث بتفلتات مجموعة صغيرة جداً لاتمثل الهيئة بأي حال ... في تلك الأثناء والحجارة تنهال على الرجل تدخل (عدد من حراس حزب الأمة) في ثوانٍ معدودة وتم إخلاؤه من دار حزب الأمة عبر البوابة الشرقية التي لا تستخدم إلا للضيوف والقيادات في العادة لأنها تطل على شارع جانبي . بدوره أعرب غندور في حديث ل(السوداني) عن أسفه للحادث مشيراً إلى أن هتافاً بدأ يتردد ضده منذ لحظة وصوله إلى مقر الندوة وقال إن أصوات الهتافات أخذت في الازدياد عقب مواصلته الحديث دون أن يأبه لتلك الهتافات الأمر الذي جعل عدداً من المشاركين يقذفونه بالحجارة، مؤكدأ سلامته وعدم إصابته بأي أذى ووصف غندور السلوك بأنه يعبر عن كثير من الهمجية وعدم الاحترام . المنصورة تستنكر في تلك المناخات الملبدة بغيوم الغضب والتعصب اندفعت القيادية بحزب الأمة القومي د. مريم الصادق المهدي للمنصة وقالت باقتضاب مخاطبة الحشود ( الله أكبر ولله الحمد ... الله أكبر ولله الحمد ... متاسفين لما حصل، ومن دخل دار الأمة فهو آمن) لكن يبدو أن مقولتها (عفى عنها الزمن) ومضت قائلة إن ما حدث لا يشبه حزب الأمة وعاتبت المعتدين من الجمهور ثم تحدثت عن إدانتها لما حدث ورفضها الصريح لتلك السلوكيات وقالت إن الجميع ضيوفاً بدار الأمة وإن تغيير النظام لايتم بتلك الطريقة وبالاعتداء على الضيوف. وشددت مريم على أن ضيوفهم في الدور معززين مكرمين، واعتذرت لما حدث لغندور بوصفه ضيفهم في الدار. ثوب الترابي قبل تقديم الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي ألقى شاعر قصيدة حماسية زادت من حرارة الأجواء على الرغم من رياح الشتاء الباردة التي لم تسهم في تهدئة المحتجين، وما أن أتاح ضابط المنصة الفرصة للأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي اندفع المحتجون للمرة ثانية بترديد الهتافات، غير أن الترابي أدان سلوك المحتجين التي حصبت غندور، وإن كانت تلك الإدانة خرجت منه بطريقة غير مباشرة إلا أنها مثلت علامة فارقة في حديث الرجل واستلفتت انتباه الحاضرين باعتبار أن الرجل معروف بعنفه اللفظي تجاه قيادات المؤتمر الوطني التي يضمر لها عداءً بائناً منذ الانشطار المدوي للحركة الإسلامية لاسيما سخريته المعهودة عليهم، حديث الترابي لم يعجب الكثيرين الذين أرادوا منه (نفخ) الحكومة بحدته المعهودة، لكن الرجل استمسك بالهدوء والتلطيف. وعزا البعض ذلك للعلاقة الجيدة التى تربط بين الترابي وغندور. المفارقة كانت في حديث رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي الذي لم يشر لما حدث من (قريب أوبعيد)، ويبدو أن المهدي يدرك جيداً مواقف الجماهير، بدوره كشف المهدي عن إعلان ميثاق وطني لما أسماه الخلاص الوطني خلال الفترة المقبلة، ومن ثم تقدم بشكره لما وصفهم بالطغاة لتوحيدهم للشعوب ضدهم وتابع " المصائب تجمع المصادمين ". ويبدو أن الجماهير التي احتشدت أمس بدار الأمة حاولت أن تصفي حساباتها مع القيادات، بيد أنها لم تكتفِ بالهجوم ضد غندور فحسب، بل أن القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل-المحسوب لتيار المشاركة- عثمان عمر الشريف لم يسلم أيضاً من سخط الجماهير التي هتفت ضده بكل عنف أثناء مخاطبته الفعالية وهتفت (لاوفاق مع النفاق) وكأنما أرادت أن توصل له رأيها حول المشاركة في الحكومة. زيارة الهيئة من جهة أخرى قال الأمين العام للهيئة الشعبية السودانية لمناصرة الشعب السوري عبدالباقي الظافرل(السوداني) أنهم دعوا غندورلانه رجل وسطي ومقبول جداً ومتسامح ولديه الشجاعة ويستجيب للمبادرات مهما كان بها من منعطفات" كانت تلك عبارة التي استبقها باعتذار رسمي باسم الهيئة لما حدث من اعتداء على القيادي بالمؤتمر الوطني والنقابي العمالي العالمي ابراهيم احمد عبدالعزيز غندور الذي تعرض مساء أمس لحصب بالحجارة أثناء مشاركته في مهرجان للمناصرة اعدته الهيئة بدار حزب الامة القومي. واضاف الظافر ان الاسباب التي جعلتهم يدعون غندور دون غيره من قيادات المؤتمر الوطني ان الرجل يحمل صفة نقابية وانه كذلك ناطقا رسمياً باسم حزبه بجانب أنه ايضاً رجل معهود بوسطيته وعدم تشدده لاسيما انه مقبول جداً ومتسامح جداً ولديه الشجاعة ويستجيب للمبادرات مهما كان بها من منعطفات، مختتماً حديثه بالقول ( هذا ماجعلنا نختاره دون غيره من قيادات حزبه). في ذات الأثناء الذي كان يتحدث فيه الظافر ل(السوداني) كان هو في طريقه لمنزل البروفيسور إبراهيم غندور للاعتذار له رسمياً في معية القيادية بحزب الامة القومي وتحالف قوى الاجماع الوطني المعارض د. مريم الصادق المهدي التي ربما ذهبت الى هناك للاعتذار الرسمي بإسم حزبها بجانب رئيس تنظيم –حشد-البروفيسور مصطفى إدريس بالاضافة الى رئيس حزب الوسط د. يوسف الكودة . بدوره استقبل غندور وفد الهيئة بكل (ود واحترام)، التي بدورها قدمت له اعتذاراً رسمياً عما حدث، بالمقابل أكد غندور قبوله لاعتذارهم مبينا مساندته للهيئة الى حين انجلاء الأزمة السورية، في الأثناء أعلنت الهيئة عزمها إصدار بيان حول الحادث اليوم بغية إدانة سلوك المحتجين. وفى كل الاحوال يمكن القول أن دعوة الهيئة الشعبية لمناصرة الشعب السوري لم تنتبه لحالة الاحتقان التى يعاني منها المشهد السياسي عموما، واروقة حزب الامة خصوصا بعد مشاركة نجل المهدي فى الحكومة وتصعيد الاوضاع، وفى هذا السياق لابد من الاشارة الى ان القيادات السياسية التى لم تجتمع على المصالح السودانية وتضع قاسما مشتركا للخروج من ازمات السودان، لا يمكن لها ان تتفق على قضية خارجية فى ظل تعقيدات لا تنتهي بين مكونات الهيئة التى سعت للجمع بين اشتات الحكومة والمعارضة على صعيد جبهة واحدة وهو ما لم يحدث ويبدو ان الحادثة ستجعله لن يحدث. وكيفما كان الامر فان الحادثة تعيد للاذهان ما تتعرض له القيادات السياسية من عنف جماهيري، خاصة اذا كانت فى سدة الحكم، وهو ما يقود للتساؤل حول الاجراءات الامنية التى سيتم اتخاذها فى مقبل الايام خاصة فى الفعاليات الجماهيرية والتى يمكن ان تصل فى حالة تفاقم حالة الاحتقان السياسي لمرحلة المنصة المضادة للرصاص كما كان يفعل الرئيس المخلوع حسني مبارك.