مختبئا خلف نظارة سوداء ضخمة بعض الشي، دلف المخلوع حسني مبارك الى قاعة المحكمة على سريره النقال في انتظار النطق بالحكم. نطق القاضي احمد رفعت بالحكم بعد خطبة عصماء ظن الجميع بقسوة العقوبات التي ستتلى عقبها لكن القاضي خيب ظن الملايين واشعل ميادين التحرير مرة اخرى. نال مبارك حكما بالسجن المؤبد كما هو معروف ونال نجلاه علاء وجمال البراءة ، للحق بدا الرجل متماسكا لحظة نطق القاضي بالحكم لم تصدر عنه أية ردة فعل ظاهرية. تمسك وتجلد وكأن الامر لا يعنيه ، لكنه سريعا ما باح بما كان يختزن من حزن وخوف وغضب ومكابرة الخ الخ. بعد دقائق من انتهاء محاكمة القرن كما وصفت ،عاد المخلوع الى المروحية ظانا ان وجهتها ستكون المركز الطبي العالمي كما تعود حيث كان يهنأ بخدمة خمس نجوم وكأنه لا يزال رئيسا. لكن هيهات فثمة وضع قانوني جديد انتقل بموجبه من مرحلة المتهم الذي يحق له تلقي العلاج في أي مكان الى مذنب محكوم ليس له الا السجن. اكتشف مبارك نفسه في سجن طرة الضخم بعد رحلة استغرقت ربع ساعة عبرت خلالها المروحية اجواء القاهرة التي كانت تلملم اطراف غضبها ورفضها للاحكام الصادرة للتو بحقه ونجليه ووزير داخليته وستة من كبار مساعدي الوزير. بدأ مبارك يجهش بالبكاء ودخل في حالة من الهياج الهستيري مرددا "حسبي الله ونعم الوكيل ظلموني" " يا راجل قول حاجة غير دي" . ثم "ركب المخلوع رأسه" ورفض النزول من المروحية واحتاج طاقمه الطبي ساعتين لاقناعة بالنزول بعد ان ساءت حالته الصحية وحمل فورا الى غرفة الانعاش التي اعدت على احدث من يكون داخل السجن. موقف يتوافق مع ما راج من انباء حول محاولته الانتحار في مرات سابقة اعتمادا على الادوية حسب ما نشر في احدى الصحف البريطانية. مؤكد ان مبارك لم يزر سجن طرة طوال سنوات رئاسته الثلاثين ولم يفعل والسجن مجرد نزل لخصومه من مختلف التيارات السياسية لا يعنيه ما يواجهون من ذل ومهانة . "دارت الدوائر" وسيكون امام مبارك مزيد من الوقت ليتعرف على السجن ويتأمل في تصاريف القدر . واول حقيقة سيكتشفها انه وسع سجن طره سئ السمعة بنفسه مثلما بنى قاعة اكاديمية الشرطة التي استضافت محاكمته. صناع التاريخ لا يملكون حق مراجعته او رفضه ،هم يضعونه اكيد لكنهم يفقدون كل شئ في لحظة فارقة. انها حقا محاكمه القرن رغم هزال الاحكام الصادرة عنها. يكفي المصريين انهم وفروا للرجل محاكمة عادلة لم يسحلوه كالقذافي ولم "يجرجروه" امام القضاء العسكري كما فعل هو بكثيرين منهم. ماذا انت قائل في حكم التاريخ يا مبارك بعيدا عن البكاء والغضب والاصرار على قراءة التاريخ من اضيق زواياه؟.