مأساة أطفال الهجن السودانيين في الخليج د. عبدالقادر ورسمه غالب * تفاجأت وأنا أطلع على تقرير صادر من وزارة الداخلية بدولة الأمارات يفيد بإغلاق ملف تعويضات الأطفال "الركبية" في الأمارات وهؤلاء الأطفال أغلبهم من السودان و يليهم أطفال من الباكستان وموريتانيا. ونصيب الأسد من أطفال السودان من منطقة الشرق لوجود الجمال والهجن في هذه المنطقة، والركبية من الأطفال يقومون بما يشبه دور "الجوكي" في سباقات الخيل حيث يعملون كل مقدراتهم وطاقاتهم في قيادة الهجن لإكمال السباق والفوز فيه، مع الفارق في أن الجوكية تجاوزوا سن الرشد وخرجوا من مرحلة الطفولة البريئة المفضلة في "الركبية". ومصدر المفاجأة لي، واعتقد سيشاركني الكثير، أن التقرير يقول أن الأطفال الذين تم تعويضهم من السودان بلغ عددهم 2552 طفلا، نعم، (ألفين وخمسمائة وأثنين وخمسين) ومبلغ التعويض المدفوع قدره 7 ملايين دولار. تخيلوا كل هذا العدد من الأطفال السذج ومن خلفهم عائلاتهم ومن يهمهم أمرهم يتقاسمون 7 مليون دولار فقط. فكم هو نصيب الفرد و كل أسرته؟ وإذا أخذنا من كل أسرة والدة ووالد الطفل فقط فان العدد يصبح 7656... وإذا اكتفينا بهذا الرقم فقط فان المبلغ المدفوع يعتبر فتات الفتات، بل انه لا يساوي زفرة أحد هؤلاء الأطفال الأبرياء وهو يطير في الهواء مع الهجن لتحقيق الفوز وإحضار "الكأس" لصاحب الهجن بل وصاحب الطفل "المربوط" في الهجن حتى لا يقع ومعه يقع التتويج بالكأس، ويا حسرة. خاصة وأن اسم صاحب الهجن الفائز سينشر في وسائل الإعلام ويصبح بطلا أكثر من "شوماخر" بطل سباقات "الفور ملا1" للسيارات. وفقا لكل قوانين العمل المحلية والدولية فان استخدام الأطفال محرم تماما ولا يجوز وكذلك كل الاتفاقيات العالمية لمنظمات العمل واليونيسيف وحقوق الإنسان تحرم الزج بالأطفال في كافة الأعمال وخاصة الأعمال الخطرة والشاقة. وما كان يقوم به هؤلاء الأطفال خفيفي الوزن عديمي اللحم خطر لدرجة فقدان الحياة وفقدان المخ والأعصاب وفقدان الحواس وفقدان الأعضاء التناسلية... وغيره. وبالفعل تعرض كل هؤلاء الأطفال لكل هذه المخاطر وبدرجات عالية جدا وهؤلاء الأطفال لم يجدوا الرأفة أو الرحمة أو حفظ حقوقهم كبشر، بل جميعهم فقد الصحة وفقد المستقبل لأنه ترك الدراسة وترك كنف والديه وعطفهم وتعرض لأخطار تفوق مقدراته الذهنية والجسمانية... وكل هذا من أجل لقيمات ودراهم قليلة لا تكاد تكفي حاجته وحاجة أسرته المكلومة. لقد ظلت هذه السباقات مستمرة لفترة طويلة جدا في دول الخليج وأعتقد أن عدد الأطفال من السودان أكثر مما هو مذكور لأننا كنا نلحظ حضورهم زرافات في كل صباح. وكل هذا العمل يتم لتحقيق نشوة ذاتية لبعض ملاك الهجن ويجلس بجانبهم أطفالهم "حفظهم الله". وبكل المقاييس فان الدراما التي كانت تتم بعيدة تماما عن مشاعر الإنسانية و الرحمة بالأطفال الصغار الزغاب، وبكل أسف لقد ظلت كل المنظمات الدولية المعنية بالأمر في سبات عميق وفي تجاهل مقصود لحقوق أطفالنا ولا أعتقد أن هذا الموقف سيكون كما عليه لو أن الأطفال كانوا من جنسيات أخرى. والمفاجأة الآن أن المنظمات الدولية توافق على هذا التعويض الذي لا يمثل ذرة من المعاناة التي تعرض لها هؤلاء الأطفال الذين تم تهريب بعضهم للقيام بهذه الأعمال الخطرة التي تتم بواسطة أطفال لا يفهموا ولا يستوعبوا خطورة ما يقوموا به خاصة وأنهم يتطلعوا برجفة لدراهم العطايا بعد السباق. والمأساة أن الجهات السودانية الرسمية التي شاركت في ملف التعويضات وافقت وقامت بالتوقيع على قفل الملف. فهل هذا المبلغ البسيط يساوي قيمة الإنسان السوداني في نظركم يا سادة؟ وهل ستساوي هذه الحفنة معاناة هؤلاء الأطفال ومعاناة أسرهم؟ وهل ستعوضهم هذه الحفنة عن الصحة التي فقدوها وعن المشاعر والأعصاب التي طارت؟ وهل سيضمن لهم هذا الفتات حياة سليمة وهانئة بمستقبل كمستقبل أي شخص في عمرهم في مناطقهم؟ وهل يعود ما فات أو يتم نسيانه مقابل هذه الدريهمات؟، وهل وهل؟؟؟. بكل أمانة لقد ظلم هؤلاء الأطفال عندما أخذوا لهذا العمل و هم ليسوا في وضع يمكنهم من استيعاب خطورة ما سيقومون به والآن، و بعد العودة للإنسانية والاعتراف بسوء استغلالهم، أيضا ظلمناهم مرة ثانية عندما لم نقيمهم كبشر وعندما لم نصر على تعويضهم التعويض الكافي. إن المال بالطبع لا يعوضهم ما فقدوه و ما عانوه و ما قاسوه وما شاهدوه أثناء التحليق بالهجن و ما سيعود لذاكرتهم من هذه البلاوي والمآسي، و لكن إذا كان لا بد من اتخاذ المال كمقياس فإننا لم نوفهم الميزان لسوء الكيل... و نقول لمن شارك في هذا أهدرتم الحقوق وبخستم القضية خاصة و أن قضايا تعويض الاستخدام الممنهج للأطفال تدفع فيها أموال طائلة وفق معايير معينة لتعويض ما فات ولتغطية كل حاجات المستقبل و غيره و غيره. و أين أنتم من كل هذا يا سادة، و هل وضعتم نفسكم في مكان هؤلاء الأطفال الضحايا و أسرهم؟ و هل وضعتم اسم البلد الذي تعرض أطفاله لهذا الاستغلال لأنه فقدهم و فقد طاقاتهم...؟ لا أعتقد و الدليل النتيجة المأساوية التي وافقتم عليها، وتم قفل الملف ... و لنا عودة * المستشار القانوني وأستاذ قوانين الأعمال والتجارة بالجامعة الأمريكية البحرين Email: هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته