وقبيل أن تلفح سموم الأزمة الاقتصادية وجه السودان بقليل كان هنالك مسؤول اقتصادي كبير يسند ظهره الى مقعده الفخيم ويقول إن الاقتصاد السوداني معصوم من الاهتزاز وبعيد عن الصدمات بسبب إسلاميته ( إسلامية الاقتصاد ) ، كان هذا قبل أن تنزع نيفاشا دربات البترول عن وريد الاقتصاد السوداني بالطبع. ليس هذا وحسب بل ومنذ صعود الحركة الاسلامية الى الحكم بدأت تضخ الى مناهج التعليم بالجامعات كثيرا من المؤلفات الخاصة بمفهوم الاقتصاد الاسلامي ، كنا ندرس فى جامعة الخرطوم أن أهم فواصل الاقتصاد الاسلامي وبقية المناهج الاقتصادية هو ابتعاد الاقتصاد الناطق بالشهادتين عن التعاملات والمعاملات الربوية سواءً كانت فى إطار معاملة الأفراد أو النظم السياسية الحاكمة ، ساعدهم أيضا على ذلك اعتماد الدولة على مانحين آخرين غير المانحين الاوربيين والامريكيين كالصناديق العربية والاسلامية وغيرها ، حتى أن السيد الرئيس وعلى ما أذكر قد هاجم بعض صيغ التمويل المعروفة والمتداولة فى معظم البنوك السودانية ووصفها يوم ذاك بغير الإسلامية. من المعروف أن الاقتصاد وممارسته الفعلية وحقائقه المغروزة على الأرض تختلف كثيرا عن التهويمات والتخيلات الفكرية النظرية ، الاقتصاد العملى يأخذ كل مايكتب عنه ويضعه تحت رجليه ويمضي غير آبه ويترك المنظرين يجرون خلفه قاذفين بتخيلاتهم وراء ظهورهم ، نعم الاقتصاد ووقائعه الحقة هو المرآة التى لا تكذب ولا تجمل وجه أحد. وواحدة من المحكات الفكرية والمضايق الذهنية التى أعيت ترتيبات الاسلاميين هو النحت فى صخرة الاقتصاد لإخراج صورة مقربة لاقتصاد إسلامي بحت ولكن فى كل مرة يتضح أن الصورة بها كثير من المفارقات الواقعية وغارقة فى تصورات غير حقيقية وهذه واحدة من أعتى تعقيدات وتحديات فكر الإسلام السياسي. قبل أيام رفع نواب البرلمان الإسلامي السوداني ( راجعوا البرنامج الانتخابي لرمز الشجرة الذى يمثله السادة النواب ) للموافقة على تمويل ربوي لإقامة سدود مائية توفر المياه لمناطق الشريط الحدودي مع دولة الجنوب ، أيادي النواب عادت من الفضاء بالسلامة بعد أن مررت المشروع بسلام ولكن رجلا منهم لم يفت عليه أن يصف حالة الإعياء الذهني والنفسي وهو يشاهد البرلمان يمرر ذلك القانون ، إنه السيد الزبير أحمد الحسن رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالبرلمان عندما نهض يتحدث والكاميرا التلفزيونية تلتقط وجه غازي صلاح الدين أحد ركائز التفكير فى الحركة الإسلامية يضع خده على يده والسيد الزبير يكمل شكواه بأنه يشعر بالإعياء ويحس وكأنه يأكل فى ميتة !! ثم لاينسى الرجل أن يقذف بكرة المسؤولية عن ذاك فى وجه وزير المالة والجهاز التنفيذي، المدهش أن السيد الزبير فاته أن ينتبه الى أن الذى قاله قد يدخل فى باب أسلمة المشروع إذا أثبت (حالة الاضطرار التى تبيح أكل الميتة ) ولكن ماذا إذا أخذ الأفراد والمؤسسات بسابقة البرلمان وغرقوا فى المعاملات الربوية ؟ هل يدفعون بذات الدفع أمام القضاء وهم يمسحون أفواههم متأففين بأكل الميتة ؟