قبل فترة تناقلت مجالس الولاية الشمالية، تسريبات حول مغادرة والي الولاية فتحى خليل غاضباً إلى العاصمة الخرطوم، لفشله في تحقيق الوعود التي أطلقها لجماهير الولاية في حملته الانتخابية لاسيما وقوفه على كمية الديون المليارية على الولاية، لكنه عاد مجدداً إلى الولاية بعد تدخل جهات نافذة بالدولة التي تعهدت له (شفاهة) بإيجاد مخرج لمشاكله، لكن تلك الوعود التي أثنت خليل عن تقديم استقالته لم يقبلها مجلس تشريعي الولاية، الذي كشر عن أنيابه تجاه التنفيذيين، ودشن حملته باستجواب ثلاثة وزراء (المالية والزراعة والتخطيط العمراني) حول عدد من القضايا، لكن الوزراء تهربوا من الرد على مساءلة المجلس في جلسة معلنة، مما دعا المجلس للشروع في إجراءات سحب الثقة عنهم، ولم يقفوا عند هذا الحد بل تواترت أنباء عن تقدم العضو عبد الله عبد العزيز شرفي بمقترح لسحب الثقة عن الوالي. تفاصيل الجلسة تفاصيل ماتم في جلسة تشريعي الولاية الشمالية الذي انفردت بنشره (السوداني) أثارت ردود أفعال قوية بالمركز والشمالية، لكن بالمقابل بدأت حملة تشكيك واسعة حول ماتناولته الصحيفة، لكن أحد نواب تشريعي الشمالية فضل حجب اسمه أكد ل(السوداني) صحة ماجاء، وكشف عن تقديم النواب بطلب لاستجواب الوزراء الثلاثة، وتم إخطارهم رسمياً، وأشار إلى أن الاستجواب كان حول عدد من القضايا ولم يقتصر على كهربة المشاريع الزراعية، وقال إن عدم مثول الوزراء جعل الأعضاء يتخذون قراراً بسحب الثقة منهم، مؤكداً أن إجراءات سحب الثقة اكتملت، فقط في انتظار التصويت عليه في الجلسة العادية القادمة المتوقع انعقادها في التاسع من الشهر المقبل وفقاً للائحة المجلس الذي ينص على اتخاذ مثل هذه الإجراءات في جلسة عادية، وأكد المصدر إجماع النواب حول القرار، وقال "حيتم يعني حيتم"، واعتبر عدم حضور الوزراء لعدم امتلاكهم إجابات مقنعة حول فشلهم في أداء مهامهم، غير أن وزير الزراعة عبدالفتاح عبدالله رفض التعليق ل(السوداني) عن دواعي عدم مثوله أمام المجلس، بجانب أسباب وجوده بالخرطوم . وقف التنفيذ أما فيما يتعلق بسحب الثقة عن الوالي قال نفس المصدر إن الاقتراح تم في جلسة مجلسية –أي غير رسمية- مبيناً أن مثل هذه الجلسات تعقد دائماً للتفاكر، وأخذ الآراء حول القضايا لكن لايتم فيها اتخاذ مثل هذه القرارات، وحول ماتم في الجلسة أكد تقدم أحد الأعضاء باقتراح لسحب الثقة عن الوالي، مشيراً إلى أن اقتراح العضو لم يجد تجاوباً كبيراً من الأعضاء، مما أدى إلى عدم تقديمه في الجلسة الرسمية، لكنه عاد وكشف وجود تحركات لبعض الأعضاء لجمع الأصوات لسحب الثقة عن الوالي، وعزا ذلك لفشل حكومته في تحقيق التنمية، لاسيما عجزه في جلب مستثمرين وأموال من الخارج لإنعاش الولاية، مشيراً إلى تذمر مواطني الولاية من حكومتهم لاسيما مطاردتهم للنواب في الأحياء والمناسبات الاجتماعية عن الوعود التي أطلقوها في حملاتهم الانتخابية وقال المصدر "بتنا في وضع محرج مع مواطنينا، وعاجزين تماما عن الرد عليهم"، مشيرا الى أن تحركاتهم الاخيرة وجدت استحسانا لدى الكثير من المواطنين . وحول نفي رئيس مجلس تشريعي الولاية الشمالية –الموجود بالخرطوم- سحب الثقة عن الوزراء الثلاثة، قال ذات المصدر إنهم آثروا الرد على الرئيس تفاديا لحدوث انقسام داخل المجلس –أي بين النواب- الامر الذي سيضعف حملتهم ضد الجهاز التنفيذي . أصل الخلاف لكن في حال التدقيق حول أزمة حكومة الولاية، نجد أنها مواجهة بكثير من العواصف، أكثرها حدة هو الخلاف البائن في صفوف حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي اندلعت شرارته عقب إقالة واليها الأسبق ميرغني صالح وتعيين عادل عوض سليمان، ويومها شهدت الولاية أول تظاهرة احتجاجية احتجاجاً على إعفاء ميرغني صالح، ومن يومها بدأت الخلافات تتمدد داخل أروقة الحزب الحاكم، وحدث انقسام غير معلن في مفاصلة لكنها كانت ظاهرة للمراقبين، وبلغت الأزمة ذروتها في الانتخابات الابريلية السابقة، حينما تمسك أنصار كل من عادل عوض وميرغني صالح بترشيح ممثلها، الامر الذي جعل قيادة الحزب بالمركز للتدخل والاتيان بشخصية توافقية للترشح في منصب الوالي، تفاديا لحدوث انشقاق بالحزب، ووقع الخيار على الوالي الحالي فتحي خليل الذي مثل ترشيحه مفاجأة لأهل المنطقة، بجانب إقناع ميرغني صالح بعدم الترشح، لكن ربما ان الحل لم يرضِ صالح وأنصاره، مما دعاه للترشح مستقلا منافسا لمرشح المؤتمر الوطني، وجاءت نتيجة الانتخابات صادمة لمناصري صالح عقب إعلان خسارته، ومن يومها بات أنصاره يترقبون أخطاء الوالي الجديد للهجوم عليه بحدة . نفق مظلم وبمجرد وصول فتحي خليل الشمالية، بدأت بعض الاصوات تجاهر بنقده، على شاكلة (عدم خبرته في العمل التنفيذي، بعده عن الولاية جغرافياً، غير لصيق بقضاياها)، تلك المواجهات جعلت خليل غير راغب في الاستمرار في حكم الولاية، وظل موجودا بصورة شبه دائمة بالخرطوم، لبحث مخرج له من النفق المظلم الذي وضع فيه بجانب إيجاد دعم مالي لتسيير الولاية . فالناظر لأداء حكومة خليل يجد أنها عجزت عن إقناع المواطن بتقديم خدمات تنعكس على حياته اليومية وتحقيق حلمهم، وربما لعبت ظروف البلاد الاقتصادية دورا كبيرا في هذه الناحية، باعتبار أن خليل جاء إلى الولاية في نهاية عهد (الدولة البترولية)، وباتت حكومته تعتمد على المواطن في تسيير شؤونها بدلاً من تقديم الخدمات له، كسائر الولايات الأخرى. صراف آلي فشل حكومة الشمالية في تحقيق التنمية وضعها في حرج بالغ مع مواطن الولاية، وبات مواطنو الولاية يتبادلون (النكات) عن حكومته، وظلت هواتفهم النقالة لاتخلو من نكتة عن حكومة خليل، وعجزها عن تسيير دفة الولاية، هذا الوضع علق عليه الكاتب بصحيفة (السوداني) الطاهر ساتي قائلا: أداء حكومة خليل بالشمالية طوال السنوات الفائتة لم يتجاوز أداء (أي صراف آلي)، بحيث تكتفي باستلام أموال الفصل الأول من الخزينة المركزية ثم تصرفها على المعلمين وبقية العاملين، و(خلاص)، فالمتابع لتليفزيون الولاية الشمالية لايجد أي نشاط لوالي الولاية سوى زياراته المتكررة للمناطق وزعاماتها، وربما لم تلتقط عدسة كاميرا التليفزيون المحلي للولاية في القريب صورة للوالي وهو يمسك ب(مقص) لافتتاح أي مشروع خدمي. عقد مقارنة وعلى الرغم من كل تلك الإخفاقات نجد أن حكومة خليل حققت إنجازاً واضحاً في ملف كهربة المشاريع الزراعية على الرغم من الإجراءات البيروقراطية التي لازمتها، والأموال الضخمة التي فرضتها على المواطنين، وفي هذا الاتجاه يقول المزارع ب(بخور أرقو) محسن عبدالرازق شريف، في الماضي كنا نعاني كثيراً من شراء الجازولين، لكن عقب كهربة المشاريع الزراعية باتت الزراعة سهلة للغاية، وعقد محسن في حديث ل(السوداني) مقارنة مابين الزراعة بالكهرباء والجازولين وقال في الماضي كنا نصرف أموالاً ضخمة لشراء الجازولين لدرجة أن إنتاجنا بالكامل كان يذهب لسداد مديونيتنا، أما اليوم الزراعة باتت سهلة و(الكهرباء رخيصة). بيد أن محسن انتقد عدم إكمال مشروع الكهرباء وقال بعض المشاريع الزراعية إلى الآن لم يتم ربطها بالكهرباء، واستدل ب(المترات) الواقعة في مشروع خور أرقو، وأشار إلى عزوف عدد من المزارعين عن الزراعة جراء التكلفة الباهظة للتشغيل بالجازولين . ديون متراكمة وفي حال التفحيص في إمكانيات الولاية الشمالية نجدها فقيرة للحد البعيد، لاسيما أنها تعتمد بشكل أساسي على (المواطن)، ولم يستطع والي الولاية وحكومته ابتكار سبل جديدة لمد خزينة الولاية بالأموال، وبالرغم من الفقر الذي تشهده الولاية نجد أن الولاية عليها ديون ضخمة قدر قيمتها ب(102) مليار جنية بالقديم، تلك الديون الضخمة من مخلفات الحكومات السابقة، وبات الوالي الجديد مطارداً من مناديب الشركات والجهات الدائنة، على الرغم من أن خليل كان على علم بكل تلك المشاكل، لكنه ربما وجد وعوداً من المركز بالدعم، لكنه ربما دعم (شفهي) ويبدو أن قيادة حزبه المركزية لم تفِ بما وعدت وتركت الرجل يخوض المعركة لوحده. تلك الأوضاع المأساوية أحدثت شللا كاملا في مرافق حكومة الولاية، لدرجة انعدام أموال التسيير، وتناقلت أنباء غير رسمية عن توقف محطة الاذاعة المحلية بدنقلا لشهر كامل لعدم تمكن هيئة الاذاعة والتليفزيون في توفير مبلغ لشراء الكهرباء، مما أدى إلى توقفها. على كل فإن والي الولاية وأعضاء حكومته في مواجهة عصيبة أمام الجهاز التشريعي الذي يترصدهم والقوى السياسية المعارضة التي ظلت تترصد خطواتهم للكيد، ومن المواطن المنتظر لحلول ناجعة تنشله من الفقر، وتحوله من كائن مستهلك إلى كائن منتج.