كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان، ألفه الشيخ محمد النور بن ضيف الله، وحققه وعلق عليه وقدم له الدكتور يوسف فضل حسن، وصدر عن دار التأليف والترجمة والنشر بجامعة الخرطوم في طبعته الرابعة عام 1992م، وهي الطبعة التي نعتمد عليها في كلمتنا هذه، ونحن نرى أن كتاب الطبقات هذا، من أهم الكتب التي صدرت في السودان إذ هو معبر تمام التعبير عن نبض المجتمع السوداني الديني والفلسفي والنفسي والاجتماعي في حدود حكم الدولة السنارية فيما يسمى بالسودان الشرقي، خاصة وأنه قد حوى غير يسير من خوارق العادات عند من ترجم لهم من العلماء والأولياء والصالحين الذين خطوا خطاً دينياً صوفياً ترجمة شاملة إلى حد كبير، مما يعد منحى إيجابياً له، إضافةإلى نيل من التاريخ (قد نعود له)مما يعدمنحى سلبياً. وتأتي أهميته وخطورته في إيجابيته وسلبيته معاً ونحن في كلمتنا هذه، لسنا بصدد تقويم evaluation كتاب الطبقات بقدر ما نذهب إلى إبراز آرائنا حوله. فمن اللافت للنظر مبدءاً، أن محقق هذا الكتاب د.يوسف فضل حسن، يذهب إلى القول أن النسخة الأصلية منه مفقودة، إذ هرب بها أحدهم إلى الصعيد "ص24". وربما كان "الصعيد" معروفاً في زمان كتابة كتاب الطبقات الذي كان تمامه في البدايات الأولى من النصف الثاني للقرن الثامن عشر في عام 1753م. لكن هذا "الصعيد" ليس معروفاً الآن. وقد كان من المفترض أن يستجلى فاحصوا نسخ كتاب الطبقات هذا قبل وقت طويل. ونحن نرى أن هذا أولى إشكالات هذا الكتاب.. إننا نجد من كتاب الطبقات ثماني نسخز نسخة البريّاب وهي النسخة التي يشير إليها محقق كتاب الطبقات بالحرف "ب"، ونسخة الشيخ أحمد إبراهيم علي بر، ويشار إليها بالحرف "ت"، ونسخة الخليفة محيي الدين خليفة الشيخ خوجلي ورمزها الحرف "خ" ومخطوطة الخليفة أحمد بن الخليفة الأمين خليفة الشيخ خوجلي ورمزها الحرف "د"، ونسخة الشيخ حسب الرسول بأم ضواً بان ورمزها الحرف "ح".. وهي النسخ غير المنشورة. وهناك ثلاث طبعات من هذا الكتاب هي طبعة إبراهيم صديق التي صدرت في العام 1930م ورمزها في كتاب الطبقات الحرف "ق"، وطبعة سليمان داؤود منديل التي صدرت أيضاً في عام 1930م، والتي أخذها عن خلفاء الشيخ خوجلي أبو الجاز، وطبعة ما كمايكل الذي نبّه أولاً لأهمية كتاب الطبقات. والنسخة التي حققها وقدم لها د. يوسف فضل حسن ونشرها هي نسخة البريّاب.. وهناك نسخة لم يستطع محقق كتاب الطبقات الحصول عليها وهي نسخة الشيخ أحمد البدوي الدولابي الكردفاني، ص 24 وثم اختلاف مفرداتي بين هذه النسخ جميعها، وقبل أن نرصدها، فإننا نرى أن الكلمة المفردة ليست معنى مجرداً كما نقرؤه في الدرس المدرسي محصوراً في الكلمة ومعناها. إنما هي "منظومة ثقافية كاملة" بما فيها من ظلال ودلالات. فكلمة "كتاب" مثلاً، إذا قيلت لشخص، فإنه من المفترض أن يذهب إلى أنها لها مؤلِّف، وعنوانها مكتوب على الغلاف، وقد تكون في ضرب من العلوم والمعارف، وهي مجموعة من الأوراق ملتصقة في بعضها، والكتاب يباع وقد يهدي، وهو مفيد في مجاله، ومن الممكن وضعه في مكتبة.. إلخ.. أرايت؟ وهكذا كل كلمة دالة على شيء مهما قلّ، تمتد في ظلال ودلالات. والدكتور يوسف فضل حسن، في دقّته المعروفة وعلميته وقدرته على التحقيق، يورد الترجمة للأولياء والصالحين والعلماء والشعراء ثم يستعرض اختلافات النسخ المختلفة في المفردات التي تكوّن الترجمة، ونحن نقف على مئات المفردات في تلك الترجمات. لكن، حسبنا أن نورد عشر كلمات فقط، لنقف على اختلافاتها ونحكم عليها بمبدأ منظومية الكلمة، ولاشك في أن اختلاف الكلمات من نسخة إلى أخرى، يقود مباشرة إلى تغيّر المنظومة الثقافية التي نقول بها.. نأتي الآن إلى الكلمات العشر. ففي ترجمة الشيخ بر بن عبدالمعبود "ص113" جاءت كلمة كرامات في نسخة الطبقات التي نحن بصددها، لكنها جاءت "كرماً عاماً" في النسختين "خ، د". وفي النسخة التي نعتمد عليها نجد كلمة "الشاذلي" ص"52" وهي في النسخة "ب" تأتي "الشاذلية" وهي الطريقة الصوفية المعروفة، وفي ترجمة الشيخ إدريس ود الأرباب نجد أن سيرته قد شملت "خمسة أبواب" لكنها جاءت "أربعة أبواب" في النسخة "ت". وجاءت كلمة المحس "ص 50" وهي "المحسن" في نسخة أخرى. وكلمة "المغفرة" في النسخة المنشورة "ص53" جاءت "العفو" في نسخة الشيخ أحمد إبراهيم علي بُر الموسومة بالحرف "ت". وكلمة "الملاح" جاءت في النسخة "ق" جاءت "الإدام" في طبعة إبراهيم صديق، وهي من الفصيح كما ترى. وكلمة "الفلفل" وهو ضرب من الأفاوية الحارقة جاءت "المرق" بفتح الميم والراء في طبعة إبراهيم صديق. وكلمة "ناولهم" جاءت "أعطاهم" في نسخة الشيخ حسب الرسول. ولفظ "الوتاب" كلفظ نوبي في النسخة المنشورة جاء "الكوفار" في النسخة "د". ولعلّه من لفظ أهل دنقلا. وكلمة "الجبة" وهي ما يلبس على الثوب عند الرجال جاءت "المحبة" في نسخة أخرى.. وكما رأى القارئ الكريم في عشر الكلمات هذه، فإن الدقة التي عالج بها د. يوسف فضل حسن كتاباً متفرق المناحي ككتاب الطبقات موضع إعجابنا وتقريظنا، ولكن، ما الذي يمكن أن يقال في النسخة الأصلية التي هرب بها أحدهم إلى الصعيد؟ وأين هو الصعيد في يوم الناس هذا؟