هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته تطرقنا في الحلقة السابقة من تناولنا للمستندات التي حصلت عليها (السوداني) والتي تتعلق بالخلافات على الحدود بين السودان ودولة جنوب السودان (الشمال والجنوب سابقا)، وقطعا فالخلافات وتطاول التفاوض حول القضايا العالقة مردها إلى التعقيدات التي تلازم عملية ترسيم الحدود والتداخلات الأمنية، ومن المعلوم أن الحدود بين الدولتين عقب الانفصال وقيام الدولة الجديدة فرضت على اللجنة الفنية لترسيم حدود الأول من يناير عام 1956م بين السودان وجنوبه إعادة تقسيم تلك الحدود إلى قطاعات رئيسية وفرعية تبدأ على امتداد الخط من افريقيا الوسطى غرباً حتى اثيوبيا شرقاً بطول (2175) كيلو متراً، يقول الكثيرون إن التجارب تقول إن عدم حسم قضايا الحدود الدولية في حينه يمثل قنابل موقوتة لنزاع متطاول، ويستشهدون بالعديد من النماذج الدولية التي خاضت فيها الدول الحروب الطاحنة بسبب قضايا الحدود، ومن بين ذلك أنموذج (اثيوبيا – ارتريا) اللتين جرى فيهما استفتاء لتقرير المصير، وربما ما يشير إلى استعصاء إيجاد حلول لقضايا الحدود بين السودان وجنوب السودان عبر جولات التفاوض المختلفة بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا هو ترابط قضايا الحدود مع التعقيدات الأمنية بين الدولتين. تفاصيل منطقة الخلاف الثانية.. جبل المقينص تناولنا في الجزء السابق تفاصيل الخلاف حول منطقة جودة، وفي هذه الجزئية نتناول بقية المناطق المختلف حولها ونبدأ بالمنطقة الخلافية الثانية وهي منطقة جبل المقينص التي قسمت بحسب مستندات اللجنة الفنية لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب التابعة لرئاسة الجمهورية إلى عدة محاور حيث حمل المحور الأول التعريف بالمنطقة والمعالم الرئيسة فيها، وتناول موقع منطقة جبل المقينص الجغرافي، حيث ورد في المستندات والخرط الخاصة باللجنة أن المنطقة محل الخلاف تقع في الحدود بين النيل الأبيض وأعالي النيل عند الضفة الغربية للنيل الأبيض، ويحدها من الشمال خط عرض (12) شمالا ومن الجنوب خط العرض (1⁄256-11) شمالا ومن الشرق النيل ومن الغرب جنوب كردفان، فيما حددت الوثائق أن المعالم الرئيسة في المنطقة تتمثل في مدينة وجبل المقينص في أقصى غرب المنطقة وقرية الكويك في أقصى الشرق مع النيل ومشاريع المقينص للزراعة الآلية ومشاريع الطيارة للزراعة الآلية ومشروع الكويك المروي، وحددت المستندات مساحة منطقة شمال المقينص ب(425 كلم مربع). بينما تناول المحور الثاني من المستندات والخرائط الخاصة بلجنة ترسيم الحدود تحديد حجم الخلاف (مساحة وأبعاد المنطقة)، حيث وصف الحدود في المنطقة بأنها عبارة عن خط مستقيم وأفقي (بمعنى أنه يمكن تحديده بخط عرض واحد) طرفه الشرقي عند قرية الكويك مع النيل الأبيض, والطرف الآخر يقع عند جبل المقينص، وذكرت الخرائط والمستندات أن طول المنطقة المختلف حولها يبلغ (70) كلم بعرض (6) كلم وأن مساحتها تشمل (400) كلم مربع، وبحسب مستندات لجنة ترسيم الحدود فإن ممثل ولاية النيل الأبيض وأعضاء من اللجنة يرون أن الحدود عند خط العرض (1⁄2 56 11) بينما يرى ممثل وأعضاء آخرون بولاية أعالي النيل أن الحدود عند خط العرض (12) شمال. منطقة كاكا.. الغازيتة تتحدث نقطة الخلاف الثالثة بحسب الخرائط والمستندات الخاصة بلجنة ترسيم الحدود بين السودان وجنوب السودان (الشمال والجنوب سابقا) حددت بأنها منطقة كاكا، التي وضعت اللجنة فيها مستندات وخرط نشرت في غازيتة تعود لعام 1923 نقلت بموجبها كاكا إلى مديرية جبال النوبة، أما الغازيتة الأخرى التي تعود لعام 1929م، فقد أكدت تبعية كاكا لمركز شرق الجبال بعد اندماج مديرية جبال النوبة في كردفان. وقد ورد نص الغازيتة الآتي: "اندماج مديريتي كردفان وجبال النوبة.. وليكن معلوما للجميع أن مديرية جبال النوية ستندمج في مديرية كردفان منذ أول يناير سنة 1929م وسيشار إليها باسم مديرية كردفان.. ويجب أن تعنون جميع المكاتبات الخاصة بمركز الرئاسة إلى مدير مديرية كردفان بالأبيض". وقد تضمن الغازيتة كذلك توزيع المراكز الخاصة بمديرية كردفان التي كانت عاصمتها الأبيض، وفقا لما هو منشور في صورة الغازيته. أما المحور الثالث وفقا للخرط والمستندات الخاصة بلجنة ترسيم الحدود التابعة لرئاسة الجمهورية، التي تتعلق بمنطقة كاكا فإن التحليل القانوني والفني للمستندات والخرائط، قد تحدث عن غازيتة 1923 التي قال إنها تنص نصا صريحا على تبعية مدينة كاكا لكردفان، وأن غازيتة 1929 وبعد مضي 6 سنوات تؤكد أن مدينة كاكا ما تزال تابعة لكردفان، ولذلك تتمسك لجنة التفاوض مع الجنوب في مفاوضات اديس ابابا بالمستندات التي تنشرها (السوداني) وتقول فيها اللجنة إنه لم يصدر أي منشور لاحق يقول بإعادتها إلى أعالي النيل قبل عام (1956م), خلافا لمدينة تنجا والموردة التي نقلت إلى كردفان في عام 1923 وأعيدت لأعالي النيل في 1929. بينما تشير المستندات التي تنشرها "السوداني" ووفقا للتحليل الموضوع عليها إلى أن لائحة أعمال اللجنة (لجنة ترسيم الحدود المشتركة بين الشمال والجنوب) تنص على اتفاق الأطراف أن المنشور الصادر في الجريدة الرسمية أقوى حجية ويعلو على الخرائط التي تخالفه، وتتمسك اللجنة بأن القول إن تنجا هي الموردة الوارد ذكرها في غازيتة 1929م قول غير صحيح وتستدل بأن نفس الغازيتة أكدت تبعية كاكا لكردفان. وفي ذات المستندات ينص المحور الرابع على رؤية ممثل جنوب كردفان وفقا للمستندات الرسمية المتمثلة في الغازيتات الصادرة في عامي 1923م و 1929م تؤكد تبعية كاكا لجنوب كردفان, وتتمسك المستندات بأن على اللجنة أن تؤيد ضم المنطقة إلى جنوب كردفان وفقا للمعايير التي حددتها في لائحة أعمالها. منطقة حفرة النحاس وكفياكنجي عرفت المستندات في المحور الأول بالمنطقة ومعالمها الرئيسية حيث حددت أولا الموقع وذكرت أن المنطقة محل الخلاف تقع في الحدود بين كردفان وأعالي النيل عند الجانب الغربي للنيل الأبيض، وتقع في منتصف القطاع الحدودي (أعالي النيل - جنوب كردفان) الذي يبلغ طوله (350) كلم, وتسكنها قبائل سليم والشلك وأولاد حميد، وتتميز بالنشاط الاقتصادي الأبرز المتمثل في إنتاج الصمغ العربي وصيد الأسماك والرعي. أما المعالم الرئيسة في المنطقة فتعد مدينة كاكا على النيل الأبيض هي الأبرز وتقع أقصى جنوب مقاطعة مانج الحالية وشمال مدينة كدوك. نقطة أخيرة أما المحور الثاني وفقا للمستندات والخرائط فقد اشتمل على التعريف بالمستندات والخرائط التي تغطي منطقة كاكا التي تبدأ بغازيتة عام 1923م وبموجبها نقلت المدينة، بجانب غازيتة عام 1929م التي تؤكد أن كاكا كانت وما زالت تابعة لكردفان. متغيرات في طريق التفاوض للمتابع لمسار المفاوضات بين السودان ودولة جنوب السودان يلحظ أن ثمة متغيرات طرأت على مواقف وطريقة إدارة الطرفين للملفات العالقة بينهما، وبدا واضحا أن الوفد الحكومي المفاوض الذي يترأس لجنته السياسية إدريس محمد عبد القادر، ولجنته الأمنية وزير الدفاع الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين قد عاد إلى اديس اببا مجددا برؤى مختلفة عن الجولة السابقة، حيث أطبقت الأطراف ولم تتحدث عن تقييم الجولة الحالية ربما بغرض الرغبة في التفحص وقراءة مواقف الجنوب المستجدة خلال الجولة الأخيرة، وفي المقابل يبدو واضحا أن التحكيم الدولي هو الطريق المتجدد الذي تسعى حكومة الجنوب السير عبره إلى نهايات للتفاوض المتطاول معها في اديس ابابا، وربما مرد ذلك الثقة التي يتمتع بها الجنوب في علاقاته الدولية التي يعول عليها كثيرا من خلال مساندة أصدقائه له عبر قرارات مجلس الأمن المرتقبة حال فشل الطرفين في حسم قضايا الحدود والقضايا الأمنية خلال المهلة الممنوحة لهما وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2046) التي تنتهي عمليا في الثاني من أغسطس المقبل.