الروايات الشفاهية للقادمين من مصر تقول أن الشارع المصري تنفس الصعداء وأن عامة المواطنين بدأت روح التفاؤل تدب فيهم من جديد. بالرغم من وجود (هواجس) وخلافات حول أداء القسم الرئاسي وإصرار المعتصمين في ميدان التحرير على البقاء حتى يضمنوا إلغاء الإعلان الدستوري المكمل والذي يسمونه (المكبل) للرئيس ولكن الشعور العام في مصر أن الرئاسة حسمت لصالح محمد مرسي وأن النظام السابق وفلوله صاروا في ذمة التاريخ. سجلت البورصة المصرية إرتفاعا تاريخيا لم يحدث لها طيلة الفترة السابقة والسبب واضح جدا، هو الإستقرار المتوقع أن يحدث بعد وصول الثورة إلى غاياتها الأساسية وهي إسقاط نظام مبارك وتأسيس حكم دستوري ديموقراطي. حتى الآن ... لا يوجد دستور ولا يوجد برلمان وهنالك الكثير من الامور معلقة ولكن تم حسم أهم شيء في وجدان المواطن المصري وهو (الريّس) ... المصريون شعب لا يعرف الفوضى ولا ينامون ملء جفونهم بدون (ريّس) .... موضوع المؤسسية والديموقراطية والشفافية وغيرها من النظم أو المباديء أوالشعارات لا قيمة لها بدون (ريّس) ... إنه الشعب الذي حكمه الفراعنة سبعة آلاف سنة وحكمه الأمويون والعباسيون والفاطميون ثم العثمانيون ومحمد علي باشا إلى أن توارثته السلالة المالكة التي أطاحت بها ثورة يوليو وتعاقب عليه محمد نجيب ثم ناصر ثم السادات ثم مبارك الذي هو الآن في فراش العلّة ومحبس الذلّة. الفراغ الذي عاشه المصريون لمدة عام ونصف بعد سقوط مبارك يمكن أن يدعى بجدارة (زمن التيه) في التاريخ المصري الحديث. ومن الملاحظ أن عدد الذين صوتوا للرئيس محمد مرسي في الجولة الأولى بضعة ملايين ولكن في جولة الإعادة تجاوز ال 13 مليونا بالرغم من ضعف الإقبال. وهذا يعني أن من صوت لمرسي في المرة الاولى كانوا هم (الإخوان المسلمين) ومؤيدو الطرح الإسلامي ولكن في المرة الثانية كانوا من عدة تيارات سياسية ومن عامة الشعب بمختلف قطاعاته أي أن هنالك علمانيين وتقدميين ومثقفين غير منتمين للتيار الإسلامي صوتوا لمرسي وكانوا هم سبب نجاحه. والسبب واضح أيضا .... هم كمصريين لا يريدون البقاء بلا رئيس ... ولا يريدون رئيسا من النظام السابق ..! الحديث عن إستقالة مرسي من جماعة الإخوان ومن حزب الحرية والعدالة حديث لا قيمة له لأن الجميع يعلم أن ترشيحه تم بتكليف من الإخوان وإستقالته جزء من التكليف وعودته للجماعة جزء من التكليف أيضا. أضف إلى هذا أن الجماعة هي التي تقود الحراك في الشارع الأمر الذي يضمن لمحمد مرسي رئاسته التي يمكن أن تلغيها (المحكمة الدستورية) بجرة قلم كما ألغت البرلمان وصار نوابه يفترشون الأرض في ميدان التحرير. مرسي كان لاعب الإحتياط في الكنبة ولكن إسقاط لجنة الإنتخابات للمرشح خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة دفع به للهجوم وجعله (راس حربة) ثم أحرز الهدف في اللحظة التي فقد فيها مبارك وعيه وأحال النائب العام أوراق مخالفه أحمد شفيق للمحكمة بتهمة (تبديد المال العام) إنها إرادة الله.