مع مطلع العام الدراسي الجديد، قرأت إعلاناً على صفحة كاملة في أكثر من صحيفة نشر في الأسبوع الماضي وهو عبارة عن دعوة لعدد من الخيرين والمؤسسات ورجال الأعمال للإسهام في مشروع إفطار تلميذ والذي بدأ العام الماضي. وكشف عن الوجه الآخر للمأساة .وفي الواقع شهدت الفترة الماضية حديثاً كثيراً عن غياب وجبة تلاميذ المدارس ،وبمعنى أصح الإفطار الصباحي الذي يتناوله التلاميذ الصغار في المدارس. وذلك على خلفية دراسات وتصريحات متعددة تناولت هذا الموضوع من زوايا مختلفة ،والواقع أن الموضوع يستحق أكثر من تسليط الضوء عليه فهويكشف جانباً من المأساة التي تعيشها الكثير من الأسر السودانية، ولايخفى عليكم أن أغلب البيوت تخلت عن وجبة الغداء ودمجتها مع العشاء ،حيث يتناول السودانيون ما تعورف عليه شعبياً" بالغشاء"! ويبقى الوضع صعباً عندما يرتبط بالأطفال الذين يحتاجون للغذاء بشكل دائم لأنهم في مرحلة بناء ،وعندما "كانت البلد بخيرها" كما يقولون كانت الحكومة ملتزمة بتوفير وجبة غذائية ، سواء في شكل مواد تموينية أم في شكل وجبة فورية يتم تناولها أثناء "فسحة الفطور"ويتذكر الجميع توزيع العدس والفول والسمن والجبنة وغير ذلك من المواد الغذائية ،ولم يكن الفقر يومها يمشي على ساقين! ولم نكن في حاجة لاعترافات رسمية حول هذا الموضوع ،لأن جوع التلاميذ ليس من الأمور السرية وغالبية الأسر السودانية تعاني من "جدولة" مصاريف الفطور اليومية وتحتاج إلى ما يشبه الإعجاز لتفادي العجز في هذه الميزانية. وتضيف الأوضاع الاقتصادية المتردية والتي تزداد يوماً بعد يوم، سطراً جديداً في هذه المعاناة. ويشدد المختصون في الأغذية أهمية وجبة الفطور، ولا تخفى علينا أهمية هذه الوجبة بالنسبة لكل فرد عموماً وعند الطفل على وجه الخصوص, لأنها تزوده بالطاقة التي تمكنه من تتبع الدروس الصباحية, ونتيجة لغياب هذه الوجبة يحس الطفل بالجوع الشديد قرب الظهيرة مما يفقده تركيزه ونشاطه ويوتر أعصابه, الأمر الذي يلغي الفائدة نهائياً من ذهابه للمدرسة. ومن محتويات وجبة الإفطار المثالية للأطفال التركيز على السكريات المعقدة المتوفرة فى الخبز , وكذلك على كوب من الحليب. مع الحرص على إعطاء الطفل غذاءً متوازناً بقية اليوم والذي يجب أن يتضمن العناصر الغذائية من جميع المجموعات الغذائية مثل (الخبز والحبوب , الفواكه , الخضروات , اللحوم ومنتجاتها , الحليب ومنتجاته) وذلك لإمداده بالطاقة اللازمة للقيام بكافة الأنشطة اليومية . لكننا لا نطالب بمثل هذه الوجبة في الظروف الحالية فنصبح مثل تلك الملكة التي تساءلت مندهشة عن سر احتجاج الناس فقيل لها "جيعانين" فقالت "مايأكلو جاتوه" والقصة معروفة ،لكن نطالب بالإسراع في حل هذه المشكلة و الخطوة الأولى هي الاعتراف بهذا الواقع المرير، ثم التعاون المشترك بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، وكل أطياف المجتمع السوداني. ومعلوم مسؤولية وجدية الحكومة هي الأساس في هذا المشروع ويبقى" العار"ضخماً إذا علمنا أن تكلفة الحد الأدنى من وجبة التلميذ لاتتجاوز الستين قرشا!