استاد المصارعة.. تشابك السياسة والرياضة!! تقرير: صباح أحمد عند الوقوف عند دلالات التوقيت فإن ذلك يعني ربط الحدث بالتاريخ، ولعل ذلك كان حاضرا بقوة عند اختيار ولاية الخرطوم لتاريخ الثلاثين من يونيو كموعد درجت الحكومة السودانية وحزبها المؤتمر الوطني الاحتفال به سنوياً ضمن أعياد ثورة الإنقاذ الوطني التي جاءت بانقلاب عسكري في ذلك التاريخ، حيث قامت حكومة ولاية الخرطوم بافتتاح إستاد اتحاد المصارعة السوداني بمحلية شرق النيل في منطقة الحاج يوسف كأكبر حدث رياضي بالولاية وكأول استاد من نوعه بالسودان حيث تم ذلك وسط حضور رسمي وشعبي تقدمه مساعد رئيس الجمهورية، نجل الصادق المهدي العقيد ركن عبد الرحمن، ووزير الشباب والرياضة الاتحادي الفاتح تاج السر ووالي الخرطوم د.عبد الرحمن الخضر وبعض شاغلي المناصب الدستورية من الوزراء والمستشارين والمعتمدين بالولاية وعدد من المهتمين بالشأن الرياضي وألعاب القوى. مرور ذكرى وبالطبع فإن الحدث الرياضي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن مجريات الأحداث السياسية بالبلاد حيث تتداخل في السودان القضايا وتتشابك الى درجة بعيدة للغاية فيكفي فقط أن المناسبة جمعت الحبيب عبد الرحمن المهدي بالوالي عبد الرحمن الخضر كرمزية للحركة إسلامية، أو قل للمؤتمر الوطني بجانب الوزير الفاتح تاج السر من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل مع حضور عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني اللواء متقاعد ابراهيم نايل ايدام وهو أيضا رجل مصارع وملاكم ولعب في اتحاد القوى وكان من أبرز نجوم فرع الرياضة العسكري كما شغل من قبل منصب وزير الشباب والرياضة. المناسبة قطعا كانت تظاهرة رياضية في ثوب سياسي قومي، ولعل حضور رئيس اتحاد المصارعة السوداني القطب الهلالي المعروف صلاح إدريس مثل ايضا علامة بارزه، لكن الطريف ان الحدث الرياضي – السياسي تزامن الاحتفال به مع مرور الذكرى ال23 لقيام الانقاذ في 30 يونيو الذي صادف تاريخ الاحتفال لكن دون الإشارة الى أن المناسبة التي تنظمها ولاية الخرطوم تتزامن مع الحدث. مهمش سوداني الدلالات السياسية التي تحملها أسماء وألقاب بعض المصارعين في الحاج يوسف مثل (النهب المسلح) و (الدفاع الشعبي) و (الطلقة النارية) و (المُهمش)، مثلت جانبا آخر من الطرفة والدلالات التي تعني الكثير عند الوقوف عندها ودراسة محتواها وأسبابها، وعلى ذكر التهميش ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن رئيس الجبهة الثورية الديمقراطية، الحاكم السابق لولاية النيل الازرق مالك عقار يعد واحدا من أشهر أبطال المصارعة التي بدأ ممارستها منذ الصغر.. وعودا على بدء ..فإن مساعد رئيس الجمهورية عبد الرحمن الصادق المهدي هو نفسه رجل رياضي اشتهر بممارسة رياضة الركض أو الجري وهو ما يعرف عند العسكريين ب(بالبيادة) والفروسية ويعد عبد الرحمن الصادق من أميز من يمارسون لعبة سباق الخيل والهجن بجانب هواياته الرياضية الأخرى كلعبة القولف والجودو، هذا بجانب ان غالبية رؤساء الأندية الرياضية لهم انتماءات سياسية خاصة على مستوى أندية القمة (الهلال – المريخ) وتعد انتخابات الأندية مثل الانتخابات السياسية التي تتنافس عليها الأحزاب والقوى السياسية وفي كثير من الأحيان تدار الحملات والمعارك الانتخابية للأندية من مقار الأحزاب السياسية. مخاطبة جماهير وبالعودة الى الفعالية الرياضية محل الحديث فإن الاحتفال يأتي في ظل مناخ سياسي متشابك وبمشهد بالغ التعقيد حيث أطلقت القوى المعارضة في يوم الاحتفال وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي رسائل الهواتف السيارة ما تعارف على تسميته ب(جمعة لحس الكوع) كبداية لانطلاقة الاجتجاجات الشعبية وتسيير المظاهرات والمواكب الجماهيرية المعارضة للحكم والسلطة وهذا ما لفت له السيد المساعد عبد الرحمن المهدي خلال مخاطبته للحفل الجماهيري بالحاج يوسف أن حق التعبير والتظاهر مشروع ومتاح لكن التخريب واللجوء لتدمير المنشآت ممنوع. لكن السؤال هو عن الاهتمام المتعاظم من قبل الحكومة للعبة المصارعة بل وإقدامها على تأسيس الاتحاد والاستاد كأول استاد مختص بالمصارعة على مستوى السودان ثم إعلان دعمها السخي للاتحاد في ختام الموسم بمبلغ مالي تجاوز ال(10) ملايين جنيه تقاسمه الوالي مع بقية الوزراء والدستوريين، ومن الواضح أن الحكومة انتبهت مؤخرا لأهمية اللعبة التي كانت محصورة في مناطق جنوب كردفان فقط ثم انتقلت مع تدفق أبناء جبال النوبة نحو العاصمة القومية واستقرارهم بالخرطوم حيث بدأوا في ممارسة المصارعة في نطاق ضيق ثم توسعت في عدة مناطق بالخرطوم كان أشهرها منطقة الحاج يوسف بالقرب من سوق ( 6 ) كل يوم فأصبح للعبة نجوما ينافسون حتى في المحافل الدولية _مثل دورة الألعاب الأولمبية في سيول _ ومعجبين ومشجعين وروادا يتدافعون لمشاهدة المصارعين في الحلبة مثلما يشاهد جمهور ال(WWE) نجومه في إحدى حلبات الصراع بكاليفورنيا أو نيويويورك وهو اهتمام تجاوز الحدود الجغرافية للولايات المتحدةالامريكية ليلقي بظلاله حتى على سكان العالم العربي والاسلامي خاصة عندنا في السودان فمن منا لا يعرف نجوم المصارعة أمثال ( جون سينا – بق شو – باتستا – والافعي راندي أورتن – وتربل اتش – وشون مايكل والشيطان كين والزنجي الضخم مارك هنري) بل وصل الأمر بنا الى أن بعض شبابنا بدأ مؤخرا في ارتداء لبسة أو فانلة سوداء عليها شعار فريق (نكسس) الذي يشبهه جمهور المصارعة بالمشاغبين أو المهرجين حيث يعملون على (تخريب) المباريات أو يتم الاعتراف بهم كفريق ضمن فرق (الرو) أو (WWE) كشرط لإيقاف عمليات التخريب وبالفعل نالوا الاعتراف وأصبحوا يشاركون في المباريات والمنافسات.. كما أن كثيرا من أطفالنا يرتدون فانلات عليها صورة (جون سينا) وبعضهم يشتري الشنط المدرسية وعليها صورة (جون سينا) أو (راندي أورتن). وبعد هذا نجد أن الاجابة من قبل الحكومة على سؤالنا باهتمامها بالمصارعة يعود الى حب كثير من السودانيين لهذه اللعبة التي بدأت تنافس كثيرا من البرامج الأكثر مشاهدة مثل الافلام العربية والمسلسلات التركية والدراما السورية لتأتي المصارعة في مقدمة البرامج التلفزيزنية المرغوبة ولهذا حاولت الحكومة توظيف هذا الاهتمام لصالحها في وقت تحاصرها فيه عدة تحديات داخلية وخارجية في مقدمتها الازمة الاقتصادية والارتفاع الجنوني لأسعار السلع وما سبقه من رفع الدعم عن المحروقات وما ترتب عليه من تزايد الغلاء الطاحن تلي ذلك قيام الاحتجاجات الشعبية فهل تريد الحكومة وبهذه الاحتفالية صرف الأنظار عن تلك التحديات أو لتحقيق مكسب وإنجاز سياسي ورياضي جديد حيث لم يتبق لها غير دعوة النجم العالمي (جون سينا) للحضور للخرطوم لتشريف الاحتفال بافتتاح أول إستاد للعبة المصارعة بالقرب من سوق ( 6 ) بالحاج يوسف (الوحدة ). وهو يقول لنا (You say me)؟ !! ..