حين يكتشف السيد وزير المالية فجأة أن ميزانيته بها عجز كبير يقنع بل يدفع حزبه والحكومة الى اتخاذ القرارات والإجراءات المالية الصعبة والمدمرة فى آن واحد للاقتصاد الوطني والتى تلقي بمزيد من الأعباء المعيشية التى تقصم ظهر المواطن الصابر الذى لا تمكنه الحكومة القابضة على جميع مفاصل السلطة بالقوة من المشاركة الحقيقية فى صناعة القرار الاقتصادي والسياسي والوطني السليم فيزداد الحال سوءاً على سوء. وأيضا اكتشف ناشرو الصحف بعد سبات طويل وتحرك سلحفائي قاصر (أن الأوضاع الاقتصادية التى تعيشها الصحف منذ شهور قد بلغت مرحلة خطيرة تدفعهم لزيادة سعر الصحيفة الى جنيهين)!! فى هذه الحالة يكون الاثنان معا أي وزير المالية وحكومته وناشرو الصحف قد وقعوا فى خطأ كبير حين يعتمدون الحل السهل المباشر ويلقون عبء أخطائهم على المواطنين والقراء المساكين فيرفعون الأسعار دون أن يوجدوا بدائل أخرى بمزيد من الجهد والتفكير السليم والسياسات الأوفق والأقل ضررا. عايشت كناشر صحفي منذ العام 1985 الطرق والقرارات التى يلجأ إليها الناشرون لسد العجز بين إيرادات الصحف ومصروفاتها والتى تتركز أساسا فى زيادة سعر الصحيفة وكنت دائما رافضا لزيادة السعر دون البدائل الأخرى ولكن كنت أواجه بضغوط شديدة من إخواني الناشرين فأستجيب حينا وأرفض حينا آخر وكانت حجتي دائما أن القارئ السوداني مظلوم وقد وقف مع الصحافة السودانية منذ بواكير نشأتها فالأفضل ألا نرهقه بزيادة السعر وظللت أردد نظريتي التى لا أحيد عنها وهى ( أن تكلفة إصدار الصحف وربح معقول يجعلها تتطور دائما وتتجدد وتستطيع أن ترفع من مستواها ومستوى الصحفيين يجب ألا يقع على القارئ الضعيف ذي الدخل المحدود المهدود بل يجب أن يتحملها الغني المستفيد من انتشار الصحف ألا وهو المعلن سواء كانت الحكومة أو الشركة أيا كان تخصصها المالي والخدمي والصناعي والتجاري.. الخ). ذلك أنه كلما كان سعر الصحيفة قليلا كلما ازداد عدد قرائها وبالتالي استفاد المعلن من انتشارها الواسع فى كل قطاعات المجتمع وأتذكر كيف كنا كطلاب نشتري الصحف بسعر زهيد. قلت ذلك كثيرا وما زلت مقتنعا بنظريتي هذه بل بدأت فى فرض زيادة سعر الإعلانات منذ أن أعدت صحيفة الرأي العام للوجود مرة أخرى عام 1997 ولكن للأسف والأسف الشديد يحدث دائما من الناشرين ما يعرقل هذه النظرية فيكون أول ضحاياها القارئ فتدفع الصحف لزيادة أسعارها ولذلك أسباب كثيرة مؤسفة لا أود أن أتطرق إليها فأنكأ الجراح الصحفية.. صحيح أن حكومة السودان لديها نظرية سوداوية تجاه الصحف خاصة المستقلة عنها فلا تريد مساعدتها بل تدميرها وتدعم صحفها – وصحفييها – الموالية لها بالاشتراكات والإعلانات وتضرب الصحف والصحفيين المستقلين تحت الحزام وهذه نظرة قاصرة وممعنة فى التخلف... وصحيح أن المجلس القومي للصحافة هو مجلس أقرب لمجلس جباية ولا يحمي الصحف والصحفيين من التغول عليهم من جهات حكومية نافذة ..لا يحرك ساكنا ولا يدفع ضررا ولا يستقيل حفظا لكرامته حين لا يستجاب له..( هل يصدق القارئ الكريم أن تكلفة إنشاء مؤسسة صحفية مع رسوم إصدار صحيفة عند مجلس الصحافة يكلف حوالي أربعين ألف جنيه بالجديد مع رسوم تجديد سنوية كبيرة ومرهقة والصحف تخسر فى حين يسدد الراغب فى سجل المستوردين والمصدرين بوزارة التجارة والذى يربح المليارات رسوم تسجيل مبلغ ألف جنيه فقط!!) هذا غير رسوم أخرى على استيراد الورق وخلافه يفرضها المجلس. ثم هناك الحكومة ترفض دعم مجلس الصحافة أو سحب الجمارك والآن مزيدا من الرسوم والضرائب الجمركية وضرائب أرباح الأعمال وغيرها!! أما اتحاد الصحفيين فحدث ولا حرج!! أيها الناشرون الذين صدّروا بيانهم أمس بعبارة قوية وصادقة، أقول لكم وكيف تكون لنا صحافة قوية بلسان وقلم مبين وضمير حي ونحن معشر الناشرين والصحفيين ننتقد الحكومة فى إجراءاتها الاقتصادية الخاطئة ونحن نجاريها فى أخطائها ونرهق قراءنا الصعفاء كما هى ترهق شعبها ولا نفكر فى الحلول الأوفق؟