يوم الرحيل: إنتقل إلى الأمجاد السمائية الأستاذ المحترم والقانوني الضليع إدوارد رياض سكلا، كان هذا في فجر يوم الجمعة 8/6/2012م، وشيَّعه جمع كبير من رجال الدولة ورجال القانون، وإمتلأت بهم كنيسة السيدة العذراء، تلك الكاتدرائية التاريخية التي شهدت مولد الأستاذ طفلاً وشيعته رجلاً محترماً كبيراً كان يسير دوماً في موكب الكبار، وتقدم كل زملائه وصار محامياً عاماً للدولة، مؤكداً جدارة الأقباط مشدداً على أن المسلمين لا يعهدون بشئونهم سوى للأقباط المخلصين الأوفياء، وكما عاش الإسلام كله يعطي أمانة المال للأقباط، هكذا أيضاً أعطاهم أن يكونوا هم المسئولين عن حقوق الدولة، فلقد كان أدوارد محامياً عاماً لحكومة السودان، أدى عمله بكل أمانة حتى كملت أيامه في خدمة الحكومة، ولكن الحكومة لم تستغن عن خبرته الثرة، فقد أعطته عضوية مجلس الصحافة والمطبوعات، وحمل مع صديقه المخلص بروفسور علي شمو وزر الصحافة وهموم الصحفيين، كما إختارته الحكومة عضواً في المفوضية القومية للشئون القانونية وعاش علامة عالماً في القانون المدني، وقد بدأ عمله القانوني بعد تخرجه من كلية القانون جامعة القاهرة فرع الخرطوم في عام 1961م، وبعدها قدم نفسه للنائب العام، وعاش في هذا الديوان قانونياً بارعاً، يقدم الفتاوي القانونية، وقد تبرع متطوعاً لأن يكون المستشار القانوني لكنيسته القبطية في الخرطوم وأم درمان، فكان هو المستشار الأوحد لشئون الكنيسة القبطية التي تحمل هموم قبيلة أقباط السودان. وعندما ترك العالم إلى العالم الآخر، لم يكن غريباً أن تركته هي إبن هو المهندس كامل، وإبن آخر هو الصيدلاني ناصر، وإبنة حنون رقيقة طيبة هي مريم صاحبة الإسم الجميل الذي يحبه مسلمو السودان كما يعشقه مسيحيوه، وتركته أيضاً هي مجموعة كتب قانونية لأشهر الفتاوي، وكتاب في الإدارة. موكب التشييع: كان موكب التشييع موكباً مهيباً وقوراً، وإذا كان الموت لا قلب له ولا أحشاء، فإن الموت بالنسبة للمؤمن هو إنتقال إلى العالم الآخر، عالم الأحياء لأن الله إله إبراهيم وإسحق ويعقوب ليس إله أموات بل إله أحياء، ولأن الذين رحلوا عنا إلى العالم الآخر ليسوا أمواتاً بل هم أحياء عند ربهم يرزقون. والموت هو طريق الأرض كلها، انه طريق لا عودة منه لأنه التقاء بالله في حياة الأبد، لقد صور الحكماء القدماء الموت بصورة مؤلمة حيث صوروه رجلاًً شجاعاً باطشاً، يقف على عمود عال متشحاً بالسواد، عيناه محجوبة بستر غليظ لكي لا يرى، أذناه مغلقتان بالرصاص لكي لا يسمع، على رأسه إكليل من مر الأفستين، في إحدي يديه قوس وفي الأخري منجل وبطنه بلا قلب ولا أحشاء، ولكن هذا الموت بالنسبة للمؤمن ليس سوى جسر يعبر به إلى الآخرة الصالحة. وفي كلمات العزاء قال عنه نقيب المحامين الدكتور عبد الرحمن الخليفة كلاماً حلواً جميلاً وذكر أيام زمالته له في النائب العام وكيف كان إدوارد مثالياً محترماً فاهماً علامة عالماً في القانون. وتحدث عنه المحامي العام الأستاذ صلاح أبو زيد وهو خير خلف لأعظم سلف، وذكر فضائله الروحية وحلوله للمشاكل القانونية، وكيف كان يحق الحق، وقال عنه الأب الدكتور فيلوثاوس فرج: المرء في الدنيا خيال يسري وينسخه الزوال فإذا أرتدى ثوب الكمال ربحت تجارة كسبه ولقد ربحت تجارة إدوارد، وحقق الأرباح الروحية المطلوبة وكان هو:- الهاديء جداً عندما ينفعل الآخرون المملوء حكمة عندما يندفع الآخرون كان الوديع المتواضع وسط جيل متكبر كان الطيب الصادق بين شعب سوداني طيب وصادق وكان إدوارد ملتفاً نعشه بعلم السودان، هكذا محاط بكل أبناء الوطن، الذين أجلهم وأحبوه وخدمهم فأكرموه. كان له ..... وقار القضاء وبراءة الأطفال ورجولة الرجال ونور الأبرار وعندما جاء النائب الأول علي عثمان محمد طه، وهو زميل له في سلك القضاء، قال في إتضاع إن إدوارد وهنري يمثلان جبل الأساتذة بالنسبة إليه، وأكد هذا الأستاذ عبد الباسط سبدرات الذي جاء يعزي مرافقاً للنائب الأول. هكذا ودعت كنيسة العذراء وودع فيها المحامون والقضاء هذا القبطي الوديع الذي عاش مقتدياً بمسيحه، وديعاً كوداعته، نقياً كنقائه، طاهراً في مثل شفافيته، فإلى راحة السماء حتى نلقاك يا أدوارد في موكب القيامة العظيم.