= بدأت مجموعة صغيرة من الخبراء السياسيين في التجمع لتناول الغداء بحانة إيطالية صغيرة بالعاصمة الأمريكية واشنطون في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، بدت ألحانه بأضوائها الخافتة غارقة في الهدوء الذي لم يبدده سوى الأصوات الصادرة من هذه المجموعة التي شرعت في العمل بعد أن طلبت البيرة وكان النقاش يدور بشأن كيفية تحقيق انفصال جنوب السودان – المنطقة التي مزقتها الحروب – على الرغم من أن معظم السياسيين الأمريكيين لم يسمعوا بها قط في ذلك الحين. كانت دائرة المهتمين بالقرن الإفريقي بواشنطون في ذلك الوقت صغيرة وسرعان ما أصبح برندرقاست على صلة وثيقة بونتر وبدآ يطلعان الصحفيين على كل التفاصيل ويشجعونهم على تغطية النزاع ووضعهم على اتصال مع المتمردين، ولافتة أن فكرة حملات حقوق الإنسان كانت مختلفة عن اليوم كثيراً ونشأت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايت ووتش مؤخراً وأن القليل من الأمريكيين الذين سمعوا عن جنوب السودان كان بالنسبة لهم "ثقب أسود" بحسب ونتر. الإمبراطور الهارب في ذلك الوقت تقريباً انضم الإمبراطور للمجلس ويطلق لقب الإمبراطور على شاب أثيوبي قدم إلى أمريكا لاجئاً سياسياً عقب هروبه من أثيوبيا ويحكي الإمبراطور تيدي داغني قصته بأن أخاه الذي كان زعيماً للطلاب اعتقل من قبل الحكومة التي يدعمها السوفيت في ذلك الوقت وكان في الرابعة عشرة من عمره عندما اعتقل أخوه وأصبحت أسرته مستهدفة من قبل الحكومة وعرضة للتعذيب وأعدم أخوه عقب ذلك ففي صباح أحد الأيام ارتدى داغني تي شيرت أخته وجينز شقيقه وقال لوالديه في آخر مرة رآهما فيها أني ذاهب إلى البقالة، وعبر داغني الحدود إلى الصومال بمساعدة رجل ادعى أنه والده ووصل إلى جيبوتي وانضم للفارين من نظام منقستو الشيوعي ومنحوا حق اللجوء السياسي بأمريكا، وعندما وصل داغني للولايات المتحدة كان يعمل دوامين فمن الساعة الحادية عشرة صباحاً وحتى السادسة مساءً كان عامل هاتف (يرد على المكالمات)، أما في الفترة المسائية فكان يقف في كشك بالقرب من نصب لينكولن التذكاري، وبحلول العام 1989 حصل على درجة الماجستير والجنسية الأمريكية وعمل بالشؤون الإفريقية في مركز الأبحاث التابع للكونغرس والذي يعتبر ذراع السلطة التشريعية بالولاياتالمتحدة. فتح العين في ذلك العام اصطحب ونتر معه عضوين من الكونغرس خلال زيارته لمناطق المتمردين بالسودان وكانت لهذه الزيارة أثر كبير وقال النائب الجمهوري بولاية فرجينيا فرانك وولف وكان أحد الزائرين أنه لا يزال يتذكر السؤال الذي طرح عليه من قبل امرأة من الدينكا تدعى ريبيكا قالت لي "لماذا تبدون أنتم في الغرب مهتمون بالحيوانات ولكن لا أحد منكم يبدو مهتماً بنا؟" السؤال الذي كان مفاجأة بالنسبة لي وجعلني متعاطفاً جداً تجاه الجنوبيين، مضيفة أن دي سلفا وونتر ودينق رتبوا لاحقاً لزيارة رسمية لواشنطون لوفد من الحركة الشعبية بقيادة قرنق، وكانت هنالك رغبة في ضمان وفد من الجنوب لإعطاء انطباع جيد وعرض منوت بول لاعب فريق غولدن ستيت استئجار عربة ليموزين لإيصال قرنق للكابيتول هيل ولكن ونتر أخبرهم أنها فكرة سيئة، وشرح لهم أنه لا يمكن الذهاب إلى الكابيتول بعربة ليموزين ثم تتكلم عن شعب جائع فتحول الزوار إلى حافلة ركاب قديمة تخرج كتل من الدخان الأسود، مضيفة أن تلك الزيارة شهدت أول لقاء بين قرنق وداغني الذي كون صداقات مكثفة مع عناصر الحركة الشعبية خاصة زعيمها قرنق ووصلت العلاقة بينهما إلى أنهما كانا يتحدثان تلفونيا كل يوم بحسب رواية داغني. ارتياب الامبراطور بدأت المجموعة تؤتي ثمارها في مطلع التسعينات عندما انتدب داغني من موقعه في مركز أبحاث الكونغرس إلى اللجنة الفرعية لممثلي إفريقيا بالبيت الأبيض حيث بدأ في بناء حلفاء من أجل قضية الجنوب، مشيرة إلى أن السيناتور الديمقراطي السابق هاري جونسون الذي كان يرأس اللجنة الفرعية قال "من المفترض أن يكون العاملون بالكونغرس محايدين إلا أن سر تحيز تيد للجنوبيين ذاع فقد كان يرتاب في حكومة السودان ومن ثم أصبحت أنا أكثر ارتياباً"، مضيفة أن تيد داغني اعترف "لقد دفعت بالظرف كثيراً" ففي العام 1993 على سبيل المثال وضع داغني قرار للكونغرس الأمريكي يفيد بأن "جنوب السودان له الحق في تقرير المصير" ودفع داغني بالقرار لرئيسه في اللجنة الفرعية جونسون الذي اطلع عليه ومن ثم عرضه على زملائه بالكونغرس وكان القرار غير ملزم ولكنهم وافقوا عليه بالإجماع وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها أي جزء من أجزاء إدارة الولاياتالمتحدة بحق الجنوبيين في تحديد علاقتهم بالحكومة السودانية، وبحلول منتصف التسعينات كان الرجال الخمسة (داغني، دينق، دي سلفا، برندرقاست، ونتر) يجتمعون في أوتيلوا وقد أطلق علي برندرقاست لقب (أن ويتنق) لأنه كان يحب أن يتحدي الأمبراطور وأطلق علي دينق "الدبلوماسي" لأنه الأقل حدة في المجموعة بينما ظل دي سلفا علي الرغم من أنه الأخطر بينهم دون لقب، وقالت الكاتبة إن مجموعتها أجمعت على احترامها لقرنق فقد اعترف أعضاء المجلس بارتكاب مقاتلي الحركة الشعبية لجرائم مروعة ويقولون إن مناقشات حادة كانت بينهم وبين قرنق وكانوا ينتقدونه بشدة إلا أنهم لم يشكوا في أنهم يقفون إلى الجانب الصواب، وقال ونتر "إن لديك هؤلا الرجال المدربين جيداً بالخرطوم والذين يعتبرون هم القتلة ولا يحافظون علي اتفاق" "كيف يمكنك التعامل معهم على قدم المساواة"، وأشارت هاميلتون إلى أن الأزمات في الصومال وروندا حظيتا بإهتمام الولاياتالمتحدة في أفريقيا ولكن جنوب السودان سرعان ما حصد الاهتمام عندما بدأت منظمة التضامن المسيحي الدولية برنامجاً مثيراً للجدل يسمى "فدية الرقيق" عندما بدأت المنظمة الناشطة في مجال حقوق الإنسان ومقرها زيرح تدفع لتجار الرقيق من أجل حرية الجنوبيين الذين يتم أسرهم من قبل المليشيات المدعومة من حكومة الشمال - وفقاً للكاتبة، وانضم لبعثة التضامن المسيحي الصحفيون والقساوسة من الطائفة الإنجيلية السوداء فشاعت قصص "العبودية الحديثة" التي انتشرت في التجمعات الكنسية ووسائل الإعلام الأمريكية، مضيفة أن شبكة داغني عززت من حلفاء جنوب السودان بالكونغرس الأمريكي وقامت بتنظيم رحلات لأعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون بما في ذلك النائب الجمهوري تينيسي فيرست والنائب الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي دونالد باين، وكان لرؤية الأثر المدمر للحرب على البشرية أثر في نمو شكوك المشرعين في حكومة الخرطوم وكانت لرؤية موظفي مستشفى ريفي بجنوب السودان يفرون للكهوف المجاورة خلال العمليات التي تشنها الحكومة أثر كبير، وقال فيرست "عندما أسأل نفسي لماذا؟ لا أجد إجابة سوى أن حكومة الخرطوم تهدف إلى إشاعة الإرهاب"، ولإحداث تغيير حقيقي كان لابد للسلطة التنفيذية من الوصول للخارج وكان هذا صعباً طالما كانت وزارة الخارجية مهتمة بالحفاظ على علاقة جيدة مع الخرطوم، وأشارت الكاتبة إلى أنه في العام 1993 اعتبرت الولاياتالمتحدة أن هنالك علاقة بين تفجير سيارة ملغومة في مركز التجارة العالمية بنيويورك والسعودي ذي الأصول الإسلامية أسامة بن لادن الذي يعيش في السودان فأضافت بذلك السودان إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقدم مؤتمر بجامعة برينستون عن الصومال فرصة للقاء وكان من بين المتحدثين سوزان رايس وكانت باحثة شابة كسبت النفوذ في وزارة الخارجية الأمريكية كإحدى كبار مديري الشؤون الإفريقية، استقلت رايس وداغني القطار إلى واشنطون معاً في رحلة استغرقت أربع ساعات تحدثا خلالها عن سياسة الولاياتالمتحدة بشأن إفريقيا وسرعان ما أصبحت رايس عضواً غير رسمي بالمجلس تحضر أحياناً للغداء بمطعم أوتيلو، وأشارت الكاتبة إلى أن رايس سفيرة الولاياتالمتحدة حالياً لدى الأممالمتحدة رفضت التعليق على هذا المقال، وأضافت الكاتبة أن برندرقاست اجتمع أيضاً مع رايس في المؤتمر وقال لها " إن الخرطوم مشوهة جداً بحيث لا يمكن إصلاحها" – وجهة النظر – التي تبناها المتمردون الجنوبيون لفترة طويلة، مضيفة أن رايس نجحت في حث إدارة كلينتون على فرض عقوبات شاملة على السودان وحظر أي شركة أو أفراد من القيام بأعمال تجارية بالسودان وأصبح هذا التحول في موقف المسؤولين الأمريكيين أقرب إلى المجلس. سم في الدسم وقبل أواخر التسعينات فإن أمريكا لم تكن تقدم المساعدات الإنسانية للجنوب فحسب ولكن أيضاً البعثات والتدريب بحسب الكاتبة، لافتة إلى أن أكثر من (20) مليون دولار من المعدات العسكرية كانت ترسل إلى أوغندا وأثيوبيا وأرتريا التي كانت جميعها تدعم الحركة الشعبية، وقال برندرقاست في مقابلة "إن الفكرة كانت مساعدة هذه الدول في المنطقة على تغيير النظام لقد كان أمرهم وليس نحن"، مشيرة إلى أنه كان من الصعوبة تغيير النظام بالخرطوم ويرجع الفضل لأنابيب النفط التي بناها الصينيون لضخ النفط عبر البحر الأحمر والذي بدأ في العام 1999 وكان مصدراً جديداً للخرطوم لتمويل القتال، وفي العام 2001 انضم للمجلس نائب الأمبراطور أريك ريفي أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية سميث ولم يكن لدى ريفي خلفية عن السودان في ذلك الحين، ولكنه عقب حضوره محاضرة قدمها ونتر في الكلية وقراءته حول أوضاع جنوب السودان انضم للمجلس بل صار يكتب بغزارة ونشر مئات التقارير ومقالات الرأي المثيرة للغضب الأخلاقي ضد الخرطوم، وعندما تقلد جورج دبليو بوش مقاليد الحكم غادرت رايس وبرندرقاست إلى مؤسسة (ثينك تانك) تاركين مستشار وكالة التنمية الدولية دي سلفا والباحث بالكونغرس داغني في المعركة ولكن على الرغم من ذلك أصبحت قضية المجلس هي قضية البيت الأبيض، وفي يومه الثاني في مكتبه الرئاسي وجه بوش كبار مسؤولي البيت الأبيض بوضع حد للحرب في السودان. وأشارت الكاتبة إلى أن بوش رفض التعليق على الأسباب التي قادته للاهتمام بالسودان ولكن أحد داعميه من المسيحيين الإنجيليين توسل إليه لتبني القضية وكان هنالك شعور بالقلق إزاء اضطهاد المسيحيين بدولة الجنوب، وكان القس فرانكلين جراهام واحداً من الإنجيليين ذوي النفوذ.. قد دفع الرئيس المقبل للاهتمام بالسودان خلال اجتماعهم على الإفطار بولاية فلوريدا قبل يومين من الانتخابات الرئاسية، وفي ظل المطالب من قبل الجماعات الدينية عين بوش السيناتور السابق جون دانفورث ليكون مبعوثه للسودان وأوكل إليه مهام المساعدة في تذليل المفاوضات الجارية بين الشمال والجنوب. وجدت الجماعات الإنجيلية أن الصحفيين وصلوا إلى الأبواب على حين غرة فقالت المتحدثة باسم التحالف الوزاري في ميدلاند – مسقط رأس بوش بميدلاند بولاية تكساس – ديبورا فايك: "إن الناس يحبون سماع ما يرغبون في قوله". وأشارت الكاتبة إلى أن فايك بدأت العمل مع سفارة السودان وتوجهت إلى الخرطوم للاجتماع بمن تعتقد أنهم معتدلون – الخطوة – التي لم تقنع أعضاء المجلس الذين وصفوها "بالسذاجة" وقال ريفي الملقب بنائب الامبراطور "أنها لا تدري ما كانت تفعله"، ولكن فايك من جانبها رفضت الانتقادات وقالت "إنها ليست لها أجندة أو أغراض شخصية".