لم يكن السيد محمد يوسف ادم والى ولاية كسلا موفقاً في تشكيل أعضاء حكومته الأخيرة بعد تقليص عدد الوزارات وجل الوزراء في الحكومة الجديدة من الحرس القديم والمقصود بهذه التسمية كبار الوزراء والمسؤولين الذين شبّوا وشابوا في العمل السياسي ولا يريدون التزحزح من مناصبهم كي يعطوا الجيل الصاعد من السياسيين فرصة للنهوض بالولاية. وما زال السيد الوالي يعمل على تدوير الشخصيات المستهلكة التي إنتهى عمرها التشغيلي ، حيث ثبت بالملموس العلمي والعملي، أن النخبة السياسية الحالية ليست مبدعة ولا خلاقة ، ولم تترك بصمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية طيلة السنوات الماضية ، لكنها نعاج مستأنسه بيد الوالي ورئيس المجلس التشريعي بالولاية. ظلت الاتهامات تلاحق والي الولاية ورئيس المجلس التشريعي الذي تفشت في عهده التعيينات على أسس ومعايير قبلية ، وهو ما يعمق مخاوف الاتكال على حكومة الولاية لتحقيق العدالة والانصاف وتطبيق القانون والشفافية في التعيينات الحكومية ، و يبدو أن الأزمة الجهوية تسربت بعمق إلى مؤسسات حكومة ولاية كسلا ، وأنها باتت أشبه بتصفية الحسابات والمحسوبيات لغياب الرقابة والعدالة على تعيينات المواقع العليا في حكومة الولاية، ومن المضحك المبكي وفود الادارات الأهلية وهي تقدم الشكر والعرفان لرئيس المجلس التشريعي لاختيار أحد أبنائهم في موقع وزير أو مدير عام ، فبدلاً من الكفاءة أصبحت النظرة الجهوية الضيقة هي المعيار الأوحد في اختيار الوزراء والمناصب العليا بحكومة ولاية كسلا. ولعل المفهوم الذى بموجبه تشكلت تلك الحكومة وتوزعت وفقه المناصب كان أشبه بتوزيع الأسلاب والغنائم، فكل القوى السياسية المشاركة فيها سواء أكانت حزبية أو جهوية .. كان يعنيها الخروج بأكبر قدر من المغانم .. وغاب تماماً الهم الوطنى وتوارت الآمال ، لذلك لا عجب أن معظم من تم ترشيحهم إلى وزراء في حكومة الولاية يفتقرون إلى الحد الأدنى من التأهيل المطلوب الذى يواكب حساسية ودقة الظرف الوطنى الذي تعيشه البلاد. فكيف لمواطن بسيط أن يستوعب إستبدال وزير الصحة الذي يحمل درجة الدكتوراة في الجراحة العامة والذي أثبت جدارته في أداء وظيفته بوزير أخر خريج قانون ، ظهر تخبطه في أول قرار يتخذه بفصل أفضل الكوادر المهنية بالوزارة نتيجة لتصفية حسابات بالوكالة ..!! وكيف للشارع الكسلاوي أن يستوعب إعادة وزير إلى موقعه بعد أن باع معظم أراضي الولاية بحجة الاستثمار وحصد المليارات التي أودعت في حسابات خاصة مما أدى إلى استقالة وزير المالية آنذاك..!! إنها لعبة مكشوفة وسخيفة لا يمكن أن تنطلي على أحد ولا أعتقد أن مثل هذه الهمروجات المبتذلة يمكن أن تنجح في تلميع وزراء الحكومة. الطريقة التي تم بها اختيار حكومة الولاية تمثل سابقة خطيرة من شأنها ان تحدث شرخا اجتماعياً كبيراً بالمجتمع الكسلاوي حيث تم تشكيل الحكومة الأخيرة على أسس قبلية بحته وليس على اسس المعايير والكفاءة ، وبالفعل عبرت عدد من القبائل عن بالغ امتعاضها من تجاوزها وعدم اشراكها في حكومة الولاية ، فيما ترى قبائل اخرى أنه قد تم تحجيم دورها وأنها لم تتحصل على مناصب مقارنة مع قبائل أخرى حظيت بمناصب دستورية اكثر. وهذا الأمر سيعمق الجراح بين مكونات النسيج الاجتماعي وسيؤدى إلى قتل الشعور الوطني. كان الامل معقوداً على حكومة ستفتح الباب أمام مشاركة الجيل الصاعد من السياسيين والكفاءات الوطنية لكن ذلك الأمل قُتل قبل أن يرى النور من خلال تلك الديناصورات التي بقت في المناصب لعقود طويلة ماذا قدم هؤلاء لكي يبقوا في مناصبهم لعقدين من الزمن؟؟ ما هو معيار بقائهم..؟ وما هي الخدمات التي قدموها للمجتمع ، لن نجد انجازا واقعيا تم تحقيقه ، ولن نجد جوابا شافيا عن بقاء احدهم في منصبه لأكثر مما ينبغي ..؟ واضح أن حكومة الولاية تتورط في أزمة جديدة قد تضاف الى بقية الأزمات التي تعاني منها ، فالأشياء جميعها تدل على أن العدالة في توزيع المناصب مفقودة ، و أن نهج الشللية هو ما يحكم مؤسسات السلطة في ولاية كسلا..!! الحق، أننا بحاجة الى نخبة قدوة ،إلى رجال ميدان، الى عمليين انقياء ،قلوبهم لابطونهم على مدينة كسلا ،رجال من طراز مختلف عما هو في السوق ، ليكونوا حجر الاساس لبناء مدينة معاصرة. فمشكلتنا ابتداءً في النخبة نفسها ، وليس معها.لانها تحتكر موارد الحكومة ، وتعيش معزولة في قصورها ،لها مناطقها المستقلة ، ولها طقوسها وعاداتها وتقاليدها الخاصة ، فيما المواطن اصبح غريباً في مدينته ، جُلّ همه حفظ ماء وجهه من "الشحدة" بعد سرقة الجمل بما حمل، وايجاد مساحة قبر ليختم حياته بكرامة ، بعد الاستيلاء على كامل أراضي الولاية.