فى أمسية رمضانية فى الخامس عشر من الشهر الفضيل, جمعتنا استضافة على مائدة الافطار بدعوة كريمة من المركز الثقافى لشرق السودان وإذاعة ( السلام أف-أم) تحت رعاية من صندوق اعمار الشرق ,شارك فيها لفيف من شباب وشابات روابط طلاب البجا فى الجامعات وأشرف على تنسيق البرنامج الاستاذ أبو على اكلاب والاخ نافع إبراهيم نائب مدير الصندوق ,حيث كان البرنامج على الهواء مباشرة ليؤكد مدى عمق ثقافة السلام فى شرق السودان. وقد تناول البرنامج الإذاعى الكثير من ملامح الثقافة البجاوية والتى ترسخ معاني وقيم السلام فى هذا الجزء المهم من البلاد,حيث استعرض الأخوة المشاركون الكثير من المواضيع حول العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية فى مجتمعات الشرق التى يتولى الاستاذ أبوعلى بث رسالة الشرق الإعلامية والثقافية عبر هذا المركز الذى أصبح منبر من لا منبر له من ابناء الشرق بل لجميع ابناء السودان,وظل يرفد هذه القضية فى عموده الاسبوعي "دبايوا سلام" فى صحيفتنا الغراء "السودانى " يتناول فيها شتى المعارف عن القبائل وتنوعها وعاداتها وتاريخها مما يزيد المعرفة محققا بذلك الهدف من المعنى القرآنى الذى جاء فى قوله تعالى "أنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم "صدق الله العظيم. وبالرغم من الساعات المحدودة للبرنامج الهادف والذى احسن إدارته الأخوة المذيعون وبث فى وقت مسموع فى حينه ,إلا أنه فتح بابا واساعا لإعادة قراءة تاريخ شرق السودان,خاصة لما جاء من حديث عن عادات قبائل البجا السكان الأصليون لاقليم شرق السودان فى انواع الطعام وأسلوب كرم الضيافة الذى يتمسكون به بالرغم من ضيق حالهم وشظف عيشهم وما توارثوه من العادات الكريمة ومنها عادة تسمى "تولكاك"وهى عدم شرب البجاوى حليب لبن انعامه التى قام بحلبها بنفسه قبل ان يشربها شخص آخر قبله؟!وإلا يعاب عليه فعله اذا ما شربها قبل ان يقدمها لشخص آخر أو ضيف عابرسبيل ,إلا أن هذه العادة تكاد تندثر أو اندثرت فعلا خاصة فى المدن وأريافها,ربما يكون هذا هو السبب فى عدم حلب النساء فى البجا,ويعتقد البعض بأن هذه عادة توارثتها القبائل العربية التى إنصهرت مع القبائل البجاوية وذلك قبل الإسلام مثل ربيعة ومضر,كما استمرهذا الانصهار بعد الإسلام حيث جاء أبناء كاهل ورفاعة والعباس وشكري جد الشكرية من العرب الأكثر انصهارا مع القبائل ذات الأصول البجاوية فى شرق السودان, مما يقوي الاعتقاد بأن تلك العادة ترجع لكرم (حاتم الطائى) الذى كان يرسل الرسل للدروب ومسارات العرب الرحل ليستضيف الضيوف بكرمه المشهور لذلك يوجد من زعماء قبائلنا من يسمى ب(درب كاتى) وهو اسم للوزير الحالى فى حكومة البحر الأحمرتمسكا وتخليدا لأمجاد الاجداد الذين رسخوا مثل هذه العادات الأصيلة. وهذه العادات هي التى تؤكد مدى عمق تاريخ هذه المنطقة وأرتباطها بالجزيرة العربية وسكانها من الشعوب القديمة لموقع شرق السودان على الشاطىء الغربى من البحر الاحمر وربما قبل انفلاق البحر,حيث تحكي بعض القصص والروايات بأن البجا القدماء قبل أكثر من أربعة آلاف عام ربما كانوا ينحدرون من الشعوب التى هاجرت من الجزيرة العربية حتى قبل الإسلام فى عهد القرى التى دمرت ربما منذ عهود عاد وثمود قوم صالح والشعوب القديمة الأخرى التى كانت تعيش فى الجزيرة العربية والعالم القديم حسب اعتقاد بعض الباحثين ,كما ذكر فى قصص القرآن الكريم حيث رحل البعض منهم شمالا بعد أن دمرت قراهم عن طريق الشام, وجنوبا عن طريق اليمن بعد إنهيار سد "مأرب"ويروى بأن المجموعة التى رحلت من تلك الشعوب القديمة ومنهم (البجا) الرعاة الشعث الحفاة راكبو الجمال الذين ظلوا يرتحلون عبرالوديان والصحارى وعبر شبه جزيرة سيناء والتى ترجع للكلمة البجاوية (أوسينا) وهى تعنى نبات الحنظل وهو من النباتات صحراوية التى تنمو بكثرة فى الأراضى الصحراوية ,ويقال إنهم عبروا من تلك المنطقة الى وادى النيل ونزلوا عند فرعه فى دمياط فى عهد الفراعنة الذين استغلوهم جنود محاربين معهم ضد الغزاة من الشعوب الأخر ى مثل الهكسوس والبطالسة والرومان وغيرهم حيث نحتت لهم صور ورسومات ورموز بالحروف الهيروغلوفية فى ذلك الزمان,إلا أن البجا لم يستطيعوا وهم الرعاة الرحل التأقلم فى تلك البيئة التى يعيش فيها السكان من المصريين القدماء فى مجتمع أكثر حضارة واستقرارا منهم ويقال أنهم كمجتمع بري لم يعتادوا على أكل السمك والفسيخ والبصل والتوم التى كان يتناولها المصريون القدماء فى طعامهم, فأطلقوا أسم (دمياط ) ب(البيداويت) إي باللغة البجاوية وهى من اللغات الكوشية وكلمة (دمياط) تعني الريحة غير الكريمة ؟!ثم ارتحلوا منها جنوبا مرورا ب(عيذاب) (إى ديب) بالبجاوية وتعنى أرض "الاحواض الخمسة" أو سواكن القديمة كما يسميها السكان المحليون الى أن استقروا فى منطقة سلسلة جبال البحر الأحمر ووديانها بعيدا عن البحر فى بيئة تعيش فيه الحيوانات المفترسة والوحوش الكاسرة التى قاوموها واصطادوا حمير الوحش والماعز البرى واستأنسوا منها البعض وأبادوا الأخري كما حاربوا كل الغزوات التى أتت اليهم من البحر مما جعل حياتهم مهددة افرادا وجماعات عبر القرون لذلك تحيتهم (دبايوا) واعتمدوا فى معيشتهم على أكل الذرة واللحوم والألبان ولم يأكلوا الاسماك إلا فى مجتمعاتهم الحديثة نسبيا التى نتجت من إنصهار قبائل حضرموت وغيرها من اشراف الجزيرة العربية واليمن والحجاز, مما كان له الأثر العظيم فى مجتمعات شرق السودان فى تطورها ومن ثم انصهارهم مع باقي قبائل شمال ووسط السودان على امتداد الضفة الشرقية للنيل وبالتالي هم جزء أصيل من ثقافة وإثنيات السودان القديم والحديث, والمعروف أن كل الجماعات التى ينتهى أسمها بكلمة(آب) مثل الميرفاب00العبدلاب00الرباطاب00 وغيرها لها علاقة ما بالثقافة والإثنية البجاوية فكلمة (آب)ترجع لنسب الأب باللغة البجاوية مثل (آل)عند العرب. هذه الإضاءات والشذرات تعطى الانطباع بضعف هذا المنهج غير العلمى الذى لا يستند للادلة والأسانيد الموضوعية والتاريخية لإثبات هذه الادعاءات والروايات لأنها مهمة لتاريخ السودان,إذن نحن نحتاج لرأى علمائنا الأجلاء أمثال بروفسير يوسف فضل وبروفسيرجعفر ميرغنى وغيرهم من علماء السودان لاعادة كتابة تاريخ السودان حتى نصل الى النتيجة المطلوبة وهى (التعارف) الذى حثنا عليه ديننا الحنيف, لكى نحقق السلام المنشود بعد أن نضع له الأرضية الصحيحة لثقافة السلام ولتمكين مبدأ السلام الذى يحتاج له السودان فى هذه الحقبة من تاريخه الذى يتهدد فيه كيانه ووجوده,وذلك خوفا بأن السودان (يكون أو لا يكون) بعد ان فشلت الوحدة مع جنوب السودان, والتى تغنينا لها كثيرا لا سيما وأن سياسات التجريب والاتفاقيات المكررة والفيدرالية المترهلة التى تقوم على المحاصصات القبلية وسياسة إقتسام غنائم الثروة والسلطة فى الدولة لمن يحمل السلاح , لم ولن توفر السلام أوالاستقرارالمطلوب حتى اليوم. وبهذه المناسبة سجلنا أشادة تاريخية لاتفاقية سلام الشرق ومنطقة الشرق عموما لأنها هى الوحيدة التى لم تخرق أو تعود الحرب فيها مرة أخرى وهذا يؤكد مدى صدق ووفاء أهل الشرق الأصلاء فى كلمتهم واخلاصهم 00إلا أنه (لا تسلم الجرة00 كل مرة 00)لأن مظالم أهل الشرق لم تنته وما زال اهلها يهيمون على وجوههم بدون استيعاب, مما يشكل (خميرة للتمرد) فى هذا الجزء المهم من السودان,لذلك يدور الحديث فى منتدياتهم ومجتمعات الشرق الممتدة فى الساحل والجبل والنهر والتى تئن بالشكوى بعض قبائله التى لم تحظ بالمشاركة والتي إنتشر وسط شبابها الشعور بمرارة الظلم التى مازالت فى نفوسهم,حيث إنبرى (أدروب) يسخر بأسلوبه المعروف عن حظهم العاثر الذى جعل مشاريعهم الزراعية فاشلة ما دون مشاريع السودان الأخرى! 00فالميناء أصبح عبارة عن مرسى تعبر به البضائع الى الموانىء الجافة فى الخرطوم وأصبح مصير عمال الشحن والتفريغ مجهولا ,وخط السكة الحديد الممتد الى كسلا صار الخط الميت الوحيد فى الإقليبم00وتوصيل مياه النيل أضحى حلما بعيد المنال واكتفى أهل بورتسودان بشرب المياه السياحية!! وحتى دار الرياضة التى كانوا يأملون باستعراض ألعابهم الشعبية وتراثهم الفنى فيها بالعاصمة القومية 00وجودها عبارة عن حوش مشلع00 عديم الموارد والميزانيات وذلك بالإشارة الى (المدينة الرياضية) اما الولد الوحيد القروه أهله بعد شق الانفس عاطل و قاعد بدون عمل عشان ما عنده شهادة ميلاد أوواسطة ؟! هذه الأحاديث والململة هى الاسطوانة المسموعة هذه الأيام بين أهل الشرق وهى ململة يمكن ان تتطور وتنفجرمع مرور الايام , مالم نتدارك الأمر ونراجع ميزان العدالة الإجتماعية والتنمية الحقيقية والتمييز الإيجابى لأبناء الشرق, و ذلك بالقراءة الجديدة لتاريخنا السياسى والادارى والتى يمكن أن تساعدنا لكى نصل الى السلام الحقيقى 00لأن كلمة دبايوا تعنى الأمن أولا00وعندما يلقى لك البجاوى تحية السلام ( دبايوا) يقصد الأطمئنان عليك بسؤاله(00 هل أنت فى أمن وأمان؟00هذا معنى دقيق للسلام فبدون أمن لا يتحقق السلام ولا تنمية بدون سلام,وهو الأمر الذى يتمسك به مفاوضونا فى أديس أبابا ولهذا السبب ربط" ميثاق الأممالمتحدة "بين الأمن والسلم الدوليين00وفى الختام00نقول للجميع(دبايوا سلام) 00 وكل عام وأنتم بخير 00 عثمان أحمد فقراي