أبادي زامو سفير إثيوبيا بالخرطوم شاهد على الفترة الدموية العصيبة التي سبقت عهد التحرير وحكومة جبهة ال (إي بي آر دي إف) بقيادة ملس زيناوي. آبادي رجل مثقف وودود ويحب السودانيين جدا ... الرجل بالنسبة للإثيوبيين بطل قومي وصورته معلقة في المتحف لأن يده اليسرى مقطوعة من الكتف بالسكين وبدون بنج وفي معسكر خلوي على بعد 30 كيلومترا من (مكلي) عاصمة إقليم التقراي. كان طالبا غض الإهاب يعشق القتال ولقي في ذلك إصابات عديدة وفي عقب معركة ما التهمت الغرغرينا يده بسبب الإصابة وبقى الحل الوحيد هو بتر اليد .... إما أن يموت في البتر أو يموت بالغرغرينا ... أراد الله أن يعيش عشرين سنة وأن يكون سفيرا لبلاده في الخرطوم. السفير السابق جاء للسودان من الصين والسابق كان معتمد العاصمة اديس أببا وهو من الشخصيات التي أسهمت في نهضتها العمرانية وهذه الإختيارات تعني وفق الأعراف الدبلومسية أن إثيوبيا تحترم السودان جدا وتختار له أبطالا وطنيين وكبار المسئولين وشخصيات ناجحة ...! من عجائب وغرائب نجاح التجربة الإثيوبية أنها قامت على أكتاف ثوار ومقاتلين غير نظاميين في مواجهة أحد أعرق الجيوش الإفريقية ... ملس زيناوي كان (طالب طب) غادر مقعده في الجامعة ليقاتل ... ومعظم الوزراء والمسئولين كانوا مقاتلين غير نظاميين وقهروا الجيش النظامي وفككوه ثم أعادوا بنائه. في جلسة لي مع مثقفين إثيوبيين دهمتهم بالسؤال الذي لا يحبونه ... أي شيء في الدنيا فيه خير وشر ... هل هذا صحيح؟! فقالوا نعم! قلت لهم وما هي إيجابيات نظام (الدرق) السابق؟! قالوا لي لا توجد إيجابيات .... ونقضوا الإتفاقية السابقة حول نسبية الخير والشر وهذا من حقهم قطعا لأن التفاهم على هذه القاعدة كان عاما. أعادوا لي الكرة في ملعبي ووجهوا لي السؤال فعانيت صعوبة شديدة في إيجاد أية إيجابيات إذ أن الشيء الوحيد الذي قام به منقستو هو بناء الجيش أو تعزيز قدراته التسليحية بالأسلحة الروسية ولكن هذه الحسنة ضاعت لأن السلاح كله كان موجها للمواطنين والجيران ... كما أن الثوار إضطروا لتفكيك الجيش وبنائه من جديد وقد كانت مهمة صعبة جدا ... ومكلفة جدا ..! الحسنة الثانية هي إهتمام النظام الآفل بقضايا القارة الإفريقية وجهده في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية ولكن هذا الجهد يبدو ضعفه ووهنه عندما تقارنه بما حدث الآن .... ذلك الجهد تمحوه معلومة واحدة وهي أن مقر منظمة الوحدة الإفريقية كان جوار أشد السجون إرهابا للقلوب ... حيث الداخل مفقود والخارج مولود ... ويندر جدا إحتمال الخروج لأن فكرة السجن مقتبسة من سجن سيبريا الروسي حيث يموت الناس بالتعذيب أو بالصقيع ... وتكتمل المعلومة عندما تشاهد المبنى الجديد للإتحاد الإفريقي وهو عبارة عن جبل من الزجاج والحديد والألمونيوم تم إفتتاحه في يناير 2012 ...! عندها فقط تدرك أن النخب التي حدثتني كانت محقة في وصف نظام منقستو بالشر المحض ..!