لردح من الزمان، والمرأة السودانية حبيسة دارها، أغلقت عليها كل الأبواب، والمنافذ، وهي قابعة ومنزوية في ركن قصي بعيداً عن عيون الفضلاء من خلق الله وأنظار زوار الدار، أمضت المرأة عهوداً قاتمة حالكة السواد، لم تحظ بالإنغماس في المجتمع الخارجي، وكانت مكبلة بأغلال تقاليدنا وعاداتنا وهي تؤدي دوراً محدوداً داخل خدرها المظلم، بدأت قيود هذا الحبس الإجباري، والظلمة الداكنة، تنقشع رويداً رويداًَ حتى أشفق على حالها عمنا الشيخ بابكر بدري يوم انشأ أول مدرسة لتعليم البنات بمدينة رفاعة عام 1907م، ورغم عزوف الآباء عن السماح لفلذات أكبادهم للإلتحاق بركب المعرفة، لم تتوقف الإنطلاقة فألحق شيخنا بلفيف من بنات أسرته بالمدرسة والتى كانت النواة الأولى، والنافذة التى أطلت منها المرأة السودانية حتى يسطع ضؤها، وتعلو مكانتها، ولتلحق بركب الجنس الآخر، بعد أن إقتحمت دور العلم، ونالت حظها منه، حتى أصبحت في سباق ماراثوني مع النصف الآخر، ثم تولدت عبقرية المرأة، فأنجبت للوطن عمالقة ونجوماً تلألأت في سمائه الرحب: د.خالدة زاهر، د.فاطمة طالب، د.سعاد الفاتح، فاطمة أحمد إبراهيم، نفيسة أحمد الأمين، نفيسة المليك، آمال عباس وغيرهن ممن حجبت الذاكرة المرهقة ذكرهن، ثم تلت هذا العقد الفريد، أجيال تلو أجيال من القامات والشوامخ، ومن جيل اليوم، جاءتنا الإنقاذ بإحداهن، وزيرة دولة بالتربية والتعليم، وذلك بعد أن نثرت كنانتها وعجمت عيدانها فوجدتها الأصلب والاقوى، فرمت به أهم مرفق للدولة فكان خيار خيارها في السيدة سعاد عبد الرازق محمد سعيد التى تم تعيينها اليوم وزيرة كاملة الدسم للتربية والتعليم، لأدائها المتميز فأستبشر كل من عرف قدرها ومكانتها وانفرجت أساريرنا نحن أعضاء المنتدي التربوي السوداني لهذا الإختيار الموفق قال تعالي(إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) في العام المنصرم تم لنا مع سعاد لقاء تفاكيري وهي وزيرة دولة للتعليم، يوم طرح لها الأستاذ يوسف عبد الله المغربي رئيس المنتدى أهداف المنتدى التربوي السوداني، وأنشطته التربوية داخل العاصمة القومية وخارجها، وما يقدمه من مشورة، ومقترحات بناءة وافكار معتقة بالخبرة، وقالت عندئذ "لقد إطمأن قلبي على مسيرة التعليم ببلادي التى تضم إلى صدرها هذا الكنز الثمين من الخبراء والمهمومين بالشأن التربوي وبهؤلاء سنتجاوز التحدي القاسي، وستسهل المهمة الشاقة" الأخت سعاد أقول لك صادقاً نحن أعضاء هذا المنتدى التربوي سنكون معك على متن سفينة الإصلاح التربوي التعليمي، لنحقق سوياً تعليماً جيد النوعية تنفيذا لقرارات مؤتمر داكار، وسيكون معين خبرتنا نهلاَََ عذباً لن ينضب، ولن يبخل على الوطن بمواصلته لإكمال رسالته المقدسة التى عزم على إنجازها، ولا نبغي غير الجزاء الأوفي من عند الله العلي القدير، أختي سعاد عرفنا فيك يوم لقائك معنا حرصك على إشهار سلاحك للقضاء على كل ما يعترض طريق العملية التعليمية حتى تسمو وتزدهر. وقد كان حديثك لنا يومذاك ممتعاً سلساً مسؤولاً مؤسساً ومرتباًَ ومترعاً بالآراء والأفكار العلمية التى إنسابت من ذاكرة يقظة بكرة، تديرها شحنة من الذكاء الفطري المتوقد، وتلهبها مشاعر حماسة ريفية متدفقة، هنيئاً لك بهذه النعمة (وعين الحسود فيها عود) ونحن نستقبل في أعقاب هذا الشهر مؤتمر التعليم العام، التى كنت تنادين به إصلاحاً وتقويماً للتعليم، نحن في هذا المرفق التطوعي على ثقة، وقلوبنا تفيض تفاؤلاً وأملاً أخضر بنجاح المؤتمر، وسنجني ثمرات طيبات بعد التفاكر في قضايا التعليم والتى نلخصها في تمويل التعليم, السلم التعليمي، تنقيح المناهج، الكتاب المدرسي، تأهيل وتدريب المعلم، ومتابعة أدائه بشتى الوسائل، البيئة المدرسية، مشاركة المجتمع والأسرة، الرسوم المدرسية، الزي المدرسي، وقضايا أخرى. ونحن لا ننسى تلك اللوحة المضيئة التى عطرت بها الأرجاء يوم لقائنا بك بمقرنا، وكنت قد سطرت عليها هذه الكلمات المشرقات: الوفاء- الأمل- الصدق- الإصرار- التفاؤل- الثقة- الاخلاص- وحتماً ستصبح لك هذه الإشراقات عضداً ونبراساً لنهجك، وفلسفتك، وسياستك لقيادة مسيرة التعليم بالبلاد.. وفقك الله وسدد خطاك، والنجاح حليفك بمشيئة الله. حسين الخليفة الحسن خبير تربوي