لن يختلف اثنان فى أن واشنطن تولي عناية خاصة للدولة الوليدة فى جنوب السودان ... حتى قبل أن يصبح الجنوب دولة مستقلة كانت مجموعات الضغط المتعددة هناك قد نجحت فى فرض الجنوب على صدر الأجندة الأمريكية .. فما كانت لإدارة تدخل البيت الأبيض ديمقراطية او جمهورية إلا وتؤكد التزامها تجاه الجنوب وحقوقه .. وهذا ما يفسر اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعملية السلام فى جنوب السودان ثم بإجراءات تطبيق اتفاقية السلام الشامل حتى مرحلة الاستفتاء والقبول بنتائجه من قبل الشمال ثم اكتمال قيام دولة الجنوب .! وفى سعيها نحو ترجمة اهتمامها بالجنوب اكتشفت هذه الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن لا سبيل أمامها لتأمين حقوق هذا الجنوب وتأمين استقراره إلا بضمان قدر من الاستقرار النسبي للشمال .. وكان هذا الاكتشاف واحدا من مبررات سياسة الجزرة والعصا التى انتهجتها الإدارة الأمريكية فى أكثر من مناسبة تجاه الخرطوم ... وحين تشدد الإدارة الأمريكية الآن على ضرورة إنهاء مفاوضات أديس أبابا بين السودان وجنوبه باتفاق يحقق الاستقرار فهي لا تتحرك بعيدا عن جندها الرئيسي وهو ضمان حقوق الجنوب وضمان استقراره .. ولكن .. شاءت واشنطن أم أبت فإن طرف التفاوض الثاني سيكون له نصيب من كعكة هذه المفاوضات وسيتم التغاضي عن ذلك طالما كان الهدف الأساسي قد تحقق .. ولا ضير على واشنطن أن ترجىء مواجهتها مع نظام الخرطوم الى مرحلة لاحقة...! إن صح هذا المنطق يصبح من غير المنطقي أن تكون واشنطن قد استدعت قيادات قطاع الشمال لتعقيد سير المفاوضات كما يروج البعض .. بل العكس هو الأرجح .. وهو أن التدخل الأمريكي يهدف لتليين مواقف المتشددين .. بل وإعادة ترتيب الأولويات وأجندة التفاوض بما يحصرها فى قضايا المنطقتين كما يقول رئيس الوساطة ثابومبيكي .. وبالتالي إرجاء قضايا التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان الى مرحلة لاحقة...! ثم يأتي كل هذا مقروءا مع حاجة ملحة لدى الإدارة الديمقراطية بقيادة اوباما والتى تتأهب لخوض اختبار جديد أمام الرأي العام الأمريكي الى إنجاز سياسي ودبلوماسي تقدمه للناخبين .. خاصة بعد الخيبات المتتالية فى آسيا وفى الشام .. الواقع أن الإدارة الأمريكية الحالية قد داهمها عام الانتخابات وهي خالية الوفاض من أي إنجاز ... والمنبر المنعقد فى أديس أبابا الآن بات قريبا من تحقيق نتائج .. فهل تسمح الإدارة الأمريكية لقطاع الشمال بحرمانها من جني ثمار هذه المفاوضات..؟ بالطبع لا ..!بمعنى آخر فاوباما يبدو مصرا على عدم تكرار تجربة مواطنه كارتر مع الطلبة الإيرانيين فى أزمة الرهائن حيث دفع الديمقراطيون الثمن وجنى الجمهوريون الثمار .