إن النفط مادة ناضبة وثروة مؤقتة.. فالنفط ليس له دخل منتظم.. ودائماً يأتي عن عمل وانتاج.. فهو مال ناتج عن بيع أصول عينية.. فالأصول الإنتاجية الحقيقية تكمن أساساً في القطاع الزراعي.. بشقيه النباتي والحيواني.. وتابعه التصنيع الزراعي.. رديف الزراعة.. لذا كان الإتجاه العربي إلى الزراعة.. حيث نمت وشمخت الهيئة العربية للإستثمار الزراعي.. كهيئة تعمل في المجال الزراعي.. كشركة مساهمة.. السودان بنسبة تسعة وأربعين والهيئة بنسبة واحد وخمسون.. ومن رحم هذه الهيئة التي تأسست في العام «1982».. كانت شركة أقدي الزراعية.. التي تمددت في أراضي الزراعة الآلية.. بولاية النيل الأزرق بمساحة مئتين وتسع عشر ألف فدان.. مشروع زراعي مطري.. يزرع زهرة الشمس والذرة الرفيعة والشامية والقطن المطري والدخن والسمسم.. ولعمل ثورة في الزراعة.. أقدمت الشركة على إدخال التقانة فكانت الزراعة بدون حرث.. ثورة حقيقية رفعت الإنتاجية عبر التقانة أخذت الخبرات.. فارتفعت الإنتاجية إلى أربعة أضعاف ما كان ينتج.. فالشركة أدخلت أصنافاً جديدة في أقدي سواءً في القطن أو الذرة أو السمسم.. ولها بالمشروع محطة تجارب بحثية.. بل أدخلت محاصيل جديدة.. مثل فول الصويا.. ومعظم العمليات الزراعية تتم عن طريق الآلة.. حتى عملية جنى القطن تتم عبر الحاصدات.. وهذا ما يقلل تكلفة الإنتاج.. ففي الوقت التي تساقطت فيه الشركات الزراعية بالنيل الأزرق.. بقيت أقدي شامخة وثابتة كجبلها الذي يحتضنها.. ففي هذا الموسم تمت زراعة ثلاثة وعشرون الف فدان.. عشرة الف قطن.. عشرة الف ومئتين الف ذرة شامية.. وإحدى عشر الف زهرة شمس.. فمعدل الأمطار الذي زاد على كل معدلات المواسم الماضية.. والتأسيس المبكر والجيد للمحاصيل يبشر بانتاجية عالية.. فدعم الهيئة.. دفع الشركة للتوسع في المساحات.. وبشراكة ذكية لتطوير الزراعة كانت الشراكة بين الحكومة الاتحادية والبرازيل والشركة.. الحكومة بالتمويل والشركة بالارض والبرازيل بالتدريب.. وتقديم الخبرة.. فالكسب كان إدخال فول الصويا والذرة الشامية البرازيلية.. فالبرازيل لا تنتج كرة القدم وحدها.. فقد تفوقت على كثير من الدول في انتاج الذرة الشامية.. وقصب السكر وفول الصويا.. وطبعاً «البن» والقطن.. فالبرازيل بفريق من العلماء الآن في «المزرعة» بأقدي زرعوا القطن والذرة الشامية وزهرة الشمس.. وجعلوا من فيافي أقدي مسكناً.. والشركة أخذت صغار المزارعين في «شركة» الرواد تدريباً ودعماً.. كما أن هناك مركزاً لتدريب الزراعيين بأقدي تقوم به وزارة الزراعة الاتحادية.. ليقوم الزراعيون.. بتقديم المعرفة والرشاد للمزارعين.. إلى جانب أن الشركة لها أيادي على جمعيات المزارعين التعاونية.. فكل التطور الذي تحقق في رفع الإنتاجية كان عبر بوابة الخبرة.. من دول لها السبق في التطور الزراعي.. كجنوب افريقيا على سبيل المثال.. والآن دخل القطن الصيني.. المحور وراثياً إلى أقدي ليهزم الحملة «الإنكشارية» التي قامت عليه من بعض أصحاب الأغراض الخاصة.. عبر الصحافة.. فما كان يثار حوله مجرد تنافس في السوق.. فالقطن المحور يُخرج تجار المبيدات من سوق مدخلات القطن.. حيث لا حاجة للقطن المحور للمبيدات.. وأنا شخصياً وقفت على مزارع القطن المحور في أقدي.. حيث تأكدت من نجاح هذا الصنف من الأقطان.. فأقول لمزارعي القطن في المشاريع المروية.. لا تصدقوا تجار المبيدات.. فأقدي كشركة زراعية استطاعت تغيير وجه المنطقة من حيث العمران.. والخدمات ودفع مستوى المزارع مهنياً.. فالشركة إلى جانب القطن المحور الصيني.. زرعت قطن متوسط التيلة كصنف حامد ومساحات من الذرة صنف ود احمد.. وهجين استرالي وغيره من الأصناف.. بمساحة عشرة الاف ومئتين الف فدان.. وتبشر بإنتاجية عالية تفوق كل التقديرات.. فهذا الجهد الذي ورائه الهيئة العربية.. هذا المارد العربي الذي فجر ثورة عربية زراعية.. ورائه جنود يقفون في ثغور في شركة أقدي.. المهندس الزراعي عمر مرزوق وسليمان شقيري ومحمد يوسف وعلي خليل وجنود آخرون في المزارع.. فالشركة تمددت خدماتها في أقدي للنهوض بالانسان.. حيث قدمت خدماتها لعشرة الاف نسمة.. (حفائر بلاستيكية) لحصاد المياه.. مستشفى وكهرباء بالمجان لاهل أقدي تعمل بمولدات.. ونادي للشباب.. وملاعب للرياضة.. ودعماً ثابتاً للقابلات.. وأئمة المساجد.. ومولدات كهربائية لخلاوي القران الكريم .. ودعم المدارس ومنازل للمعلمين.. وخدمات للعجزة والمسنين.. وطريق «ردمية» من الدمازين إلى أقدي.. بطول ثلاثين كيلو متراً.. وطرق داخل المشروع.. ويمكننا أن نقول إن «أقدي» دولة للزراعة المتطورة.. تفتح الطريق لإحداث تنمية زراعية في وطننا العربي.. تنمية مستدامة تكون بديلا للثروات المؤقتة.. ولا سيما وأن أقدي أصبحت المحطة الرئيسية لتوطين التقانة الزراعية في السودان.. وفي البلاد العربية.. فالتقانة ركزت راياتها في أقدي.. بدخول الآليات الزراعية والمدخلات والتجارب البحثية.. والتقاوى المحسنة والخبرات العلمية المتعددة.. سواءً من استراليا أو جنوب افريقيا .. أو البرازيل فالخبرات العلمية تنزلت على أقدي.. (مولود) الهيئة العربية.. الذي شب وقوى عوده واستغلظ ساقه شجرة ثابتة وفرعها في السماء.. ومن بركات هذا الموسم الزراعي الناجح .. تفتحت أمامه أبواب الأسواق.. وفعلاً كما قال لي أحد الأصدقاء.. نحن السودانيين لدينا سبعة أرواح.. فموارد هذا السودان حمته من كل الأزمات.. الحروب.. الحصار الاقتصادي.. الإستهداف السياسي.. فكلما حاولوا قتله لم يفلحوا.. انسانه.. وموارده المائية وأراضيه الزراعية.. ومناخاته المتعددة.. وكنوزه الأرضية من معادن ونفط وغاز.. وغابات.. وبحاره وفوق تلك إيمان شعبه برب رحيم كريم.. هو المعطي وهو القاهر.. فلا سلطان إلا سلطانه.. وأنا «أحوم» داخل مشروع أقدي تيقنت أن هذا البلد الطيب.. هو فعلاً سلة غذاء عالمنا العربي.. بل سلة للعالم أجمع.. وانه مشروع الأمن الغذائي العربي.. فلا مخرج لأمتنا من النفق المظلم إلا بالإتجاه إلى الإستثمار الزراعي في السودان.. فمهما كانت هناك صعوبات فهناك مقومات للتنمية الزراعية.. فهنا سبعة أرواح وسبعة أبواب للتنمية الزراعية.. فمن أي مكان دخل العرب.. تكون النهضة الزراعية ويكون الإنعتاق سطوة أعداء الأمة.. فكلوا وأشربوا.. بلدة طيبة ورب غفور.. فأدخلوها بسلامٍ آمنين..!!