واضح أننا أمة لا تجيد الجد ولا تجيد الهزل أيضاً... نفتقد الجد والجدية في التصريحات المتواترة عن زعماء الحكومة في كل الشئون، ولا أقول في بعض الأحيان، ولا نجيد الهزل؛ إذ نخلطه باستغفال الغير والحرص على إبراز العضلات، حتى حينما نهزل أو نحاول. قبل أيام طالعنا المسئول المتنفذ في الحكومة د. نافع بتحدٍ ساخر في مجال الجد، حينما دعا المعارضة لمقارعته بالحجة في مناظرة مكشوفة حول الشريعة الإسلامية، بوصفه أحد دعاتها!!!!، في مقابل الدولة المدنية، إنهما ضدان لا يجتمعان... فالشريعة لا تناهض الدولة المدنية، بل هي ركن أساسي فيها.... ذلك لأن الشريعة مبادئ عامة تستنهض الحق والفضيلة والأخلاق، كما أن الدولة المدنية هي رسالة لهذه الأهداف لتوصيلها إلى أركان المجتمع. وعكس الدولة المدنية، الدولة العسكرية، أو فلنقل الدولة الشمولية التي في حالنا نفترض أنها تقوم بعدالة الشريعة... والشريعة في مبتغاها الأسمى هي العدل، هكذا قال ابن القيم الجوزية... فالعدل مبتغى الشريعة، وأيما حكم بالعدل هو حكم بالشريعة. وكنت أنتظر أن يلتقط القفاز أي حزب أو جماعة تؤمن بالإسلام والشريعة وتنازل د. نافع، ما عدا حزب د. الترابي؛ حزب المؤتمر الشعبي؛ لأن د.الترابي لم يمض على قوله أيام تعد على أصابع اليدين، قال: إن تحالفهم مع الأحزاب المدنية تحالف لإسقاط الإنقاذ، ولكنه متمسك بشريعة الإنقاذ... ولا نطلق القول جزافاً، فقد كان د.الترابي على رأس الإنقاذ، ورأينا عدله وانحيازه للحق والفضائل في بيوت الأشباح، وتعذيب المعارضين، بل وتهجير العقول المتفتحة إلى دنياوات البلاد الديمقراطية، أو على الأقل إلى دنياوات لا يُفصل من يُفصل فيها ولا يُعين من يُعين فيها عبر كوادر الجبهة القومية الإسلامية، وهذا قطعاً مخالف لشرائع العدل والتسامح ومحبة الله والإسلام الذي يتسع للجميع ويبسط عدله وتسامحه للجميع.... حزب المؤتمر الشعبي هذا سينافح عن الشريعة؟!.. أية شريعة تقطع أرزاق العباد وتشعل نيران الحرب في أوصال الوطن الواحد، وتعلن الجهاد المقدس ضد أبناء الوطن الواحد؟... وحيث يتحدث الشهداء ويتلون سورة يس في مقابرهم، وحيث تتغير طبائع وقوانين الكون وتنزل القردة لتكتشف الألغام، وحيث تشتغل النار لأيام في مدافع الأعداء؟!. عن ماذا يدافع حزب د. الترابي... وهو يتمسك بذات الشريعة التي ينتهجها المؤتمر الوطني، فيثرى من يثرى من مال الغلابة ويتطاولون في البنيان ويزدادون رفعة وتقرباً من الحكومة، وحيث يتبادل الإخوان مقاعد السلطة منذ ربع قرن كلعبة الكراسي ويترقون إن أخطأوا، ويحسب لهم الثواب إن كرسوا الأموال العامة لمصالحهم الشخصية، ويكممون أفواه البشر؛ وكأن حكمهم حكم إلهي نزل به القرآن أو جاءت به السنة المشرفة... لا تضحكوا او تبتسموا، أيضاً فبقايا حزب الترابي يناظر حزب الترابي حول الشريعة والدولة المدنية، وقد طبقها جوراً وظلماً وبهتاناً وابتعاداً عن صحيح العقيدة والإيمان.. ماذا يقول حزب د. الترابي عن المحرومين والمشردين والمقتولين في الجنوب ودارفور؟.... أي دولة مدنية ديمقراطية يتأذى بها من جربناه وعرفناه؟. اما الدكتور نافع فقد عودنا على العجائب والغرائب وسب وشتم وازدراء آراء الآخرين باسم الشريعة... تُرى متى يجدّ أهل السودان؟... متى يعرفون أن العالم من حولنا قد تغير وتبدل، وسرت في أوصاله معاني الحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية والاندغام المطلق في رقعة اسمها الوطن الحبيب؟ لابد أن خللاً ما في حياتنا السياسية. لابد أن يعالج وبأعجل ما تيسر؛ لأن الطوفان جارف والسيل العرمرم يجتاح المهاد والسدود وكافة العوائق، إن أردتم أن تفتحوا باب المناظرات، فافتحوا أولاً باب الحريات للشعب السوداني الفضل..