تأجلت الجولة الرابعة من إجتماعات اللجنة الأمنية المشتركة بين السودان ودولة الجنوب الى منتصف الشهر القادم من العام الجديد بعد فشل صاحب أعمال اللجنة في جولتيها في كل من جوبا والخرطوم بعد تأخير استمر أكثر من شهرين.. شهدت تلك الفترة أحداث مختلفة وتصريحات متباينة من أطراف حكومة دولة الجنوب وأقول أطراف مختلفة لأنه للأسف دول الجنوب وفي قضاياها المعلقة مع حكومة السودان لم تعد تتحدث بلسان واحد ولا بموقف واحد ولا برؤية واحدة .. ربما يعبر ذلك عن وجود تيارات متعددة منها ما هو منتمي تماماً للجيش الشعبي ويتحدث بلسان المحارب كما هو حال باقان أموم ومنها من ينتمي لمنطقة أبيي ويمارس رفضه لأي حلول مطروحة تؤمن لأبناء أبيي من المسيرية حقوقهم المنصوص عليها قانوناً والمثبتة تاريخياً، ويمثل هؤلاء لوكا بيونق ودينق ألور وإدوارد لينو، ومنها من ينتمي للولايات الجنوبية المتاخمة لحدود السودان ويرفض تماماً التحدث عن ترسيم الحدود وفقاً لخريطة السودان في عام استقلاله 1956م والذي نحتفل بذكراه هذه الأيام، وهذا الإحتفال يحتم علينا ألا نفرط في أي شبر في خريطة السودان التي تسلمناها في يناير 1956م، فهؤلاء الآخيرين في ولاية شمال بحر الغزال وعلى رأسهم واليها يتمسكون بمنطقة الميل «14» وسماحة وغيرها الأمر الذي يتعارض مع أي حلول مطروحة وإن كان من إنتماء أخير داخل حكومة الجنوب من تيارات فهم اولئك الذين يعرفون أنفسهم بقطاع الشمال داخل الحركة حتى بعد إنفصال الجنوب وإلقاء ما يسمى بقطاع الجنوب داخل المؤتمر الوطني وذهاب أعضائه الى دولتهم الوليدة ليؤسسوا ما يتناسب مع حكومتهم من حزب أو تيار أو الإندماج كلياً في جسم الحركة الشعبية، وقد فعلوا بالفعل كما هو الحال مثل علي تميم فرتاك ورياك قاي وغيرهم ، وإن المتمسكين بما يسمى بقطاع الشمال مازالوا يثيرون الكثير من المشاكل والتمرد ليس لحكومة السودان، وإنما حتى لدولة الجنوب مثل عرمان وعقار والحلو، فهؤلاء مازالوا يتمسكون بضرورة دعم دولة الجنوب لهم ومازالوا لا يريدون إلقاء السلاح والتفاوض باعتبارهم من أبناء منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والتفاوض مع حكومة السودان، ولكنهم استمرأوا التمرد والدعم الخارجي والبحث عن السلطة بالشكل الذي يرونه هم لا بالطريقة التي يفرضها الواقع، لذلك نجدهم يحاربون أهلهم ويقتلون الأبرياء من النساء والأطفال ويعطلون مسيرة التنمية في الولايتين ولا كاسب أو منتصر في هذه المعركة سوى أعداء السودان وأعداء أهله .. أشرت الى هذه التيارات المتباينة في الأفكار وفي الأهداف والمطامع داخل دولة الجنوب لأدلل على ما يقوده باقان أموم من تيار هدام لكل إتفاق وتيار يسعى لخلق الأزمات واستحداث المشاكل، وآخر دليل على ذلك التناقض الواضح في التصريحات التي أدلى بها بعد جولة المفاوضات الأخيرة في أديس بشأن الترتيبات الامنية، إذ قال باقان لوكالة رويترز إن المفاوضات قد إنهارت وعزى ذلك لتمسك حكومة السودان بأشياء يراها مستحيلة ويعني فك الارتباط بين حكومته والفرقتين التاسعة والعاشرة في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان، ويرى أيضاً أي حديث عن دعم حكومته للجبهة الثورية إنما حديث تنقصه الدقة مع العلم بأن هناك تقريراً منشوراً من داخل حكومة الجنوب وقياداتها العسكرية بأنهم قدموا دعماً لوجستياً وعسكرياً لحركات دارفور وحدوده بتفاصيله المختلفة الأمر الذي يجعل شهادتهم في هذا الموضوع غير مجروحة وثبت تناقض دولة الجنوب وتباين وجهات نظر قياداتها وفقاً لمصلحة كل جهة أو فئة أو تيار سياسي أو قبلي بداخلها .. نقول ذلك لأن الفريق عبدالرحيم محمد حسين رئيس الجانب السوداني قد أدلى بتصريحات ايجابية حول الجولة الاخيرة، وأنها لأول مرة اعترفت بوجود ارتباط، وتم الاتفاق على تحديد آليات فك هذا الارتباط وأن الجولة القادمة في يناير ستكون لحسم موضوع الترتيبات الأمنية نهائياً .. نأمل ألا يكون وزير الدفاع ورئيس الجانب السوداني متفائلاً أكثر مما يجب كما نأمل ألا يكون ما تمّ هو رغبة الجانب السوداني فقط كما يقول بذلك باقان ومجموعته.. إن هذه الخطوة تتطلب المزيد من الضغط من جانب الآلية الأفريقية على حكومة الجنوب للالتزام بها وأن الميقات الزمني الذي حدد لاستئناف المفاوضات يجب أن يسبقه عمل دؤوب ومتواصل لتكون المفاوضات اعتماداً فقط لما تم الاتفاق عليه حتى يفرغ الطرفان لانفاذ بقية الاتفاقيات الثماني التي قطعاً ستكون فائدتها لدولة الجنوب أكبر مما تناوله دولة السودان نظراً لنوع الاتفاقيات التي وقعت ولحاجة دولة الجنوب لجوار آمن ومفيد..؟