نقل الإعلام الإلكتروني بالصورة والصوت ما دار في بعض جلسات النقاش التي سبقت توقيع ما عرف بوثيقة الفجر الجديد بين الجبهة الثورية التي تجمع حركات دارفور المتمردة والرافضة للحل السلمي والتي تثير الحرب الآن في أجزاء متفرقة من دارفور والنيل الأزرق وبين ما يعرف بالتحالف الوطني أو قوى الاجماع الوطني المعارض، والذي يضم عددا من الأحزاب السياسية التي لها حق العمل السلمي بموجب القانون بالداخل، ولكن الوثيقة تشير إلى تحول هذه الأحزاب من العمل السلمي والمعارضة السلمية لتغير نظام الحكام إلى وضع يدها مع الجبهة التي تحمل السلاح ولا تؤمن بالتغيير السلمي وانما بالتغيير الذي تسيل فيه الدماء ويقتل فيه الأبرياء، ثم من بعد تتربع هي على دست الحكم على اشلاء الأبرياء.. ولعل التحالف الذي وقع هذه الوثيقة مع الجبهة الثورية أراد أن يكرر تجربة سابقة مارسها ما كان يعرف بالتجمع الوطني المعارض الذي يتكون من هذه الأحزاب بإستثناء المؤتمر الشعبي الذي كان حتى قبل المفاصلة الشهيرة في عام 1999م عدوا لدودا لكل القوى التي يضع يده الآن على أيديها رغم أن المبادئ هي نفسها، ولكن الذي اختلف أن المؤتمر الشعبي في ذلك الوقت منتصف التسعينات كان هو السلطة الحاكمة وهو الذي يحارب تلك القوى أما الآن فإنه فقد السلطة وجعلته شهوة السلطة وغضبة فقدانها يتحالف مع أعداء الأمس ويوقع معهم الوثيقة في كمبالا، حتى إن جاء رفضه قويا فإن هذا لا يبرر ذهاب ممثليه للتوقيع ، و تجاربه السابقة مع حركة العدل والمساواة ومع الحركة الشعبية بتوقيع مذكرات التفاهم معها رغم حملها للسلاح وغزو الأولى لامدرمان يشير إلى أن توقيعه هذا ليس نشاذا عن ممارسات له سابقة، ولكن ربما محتوى الوثيقة هذه المرة الذي يسعى لتفكيك السودان أرضا وترابا وشعبا، وإقرار علمانية الدولة وتقرير المصير لبعض ولايات السودان تحت مظلة عنصرية وتحت مسميات المناطق المهمشة وقسمتها الضيزى للسلطة التي جعلت من الموقعين أعضاء في مجلس الوزراء المرتقب لمدة أربع سنوات دون تفويض من الشعب، وأعلنت رفضها للنظام الإسلامي وإعلانها لفصل الدين عن الدولة وفوق ذلك تفكيكها للجيش بحيث تكون قوات الجبهة الثورية والحلو وعرمان وعقار هي أساس هذا الجيش، وتفكيها أيضا لجهاز الأمن والمخابرات وللشرطة، يضاف لذلك قسمتها الضيزى، أيضا للثروة والتي بنتها على أساس عنصري يحرم ما يصنفونه مناطق غنية أو غير مهشمة من كل حق أساسي للنظام المتوقع.. تلك المكونات الرئيسية للوثيقة المعنية ببزوغ فجر جديد كانت سببا في تراجع بعض الأحزاب الموقعة عليها واعلانها التبرؤ منها جملة وتفصيلا رغم أن الوقائع جميعها تشير إلى موافقتها عليها حتى ان كانت ضمنيا، بل السؤال الذي يطرح نفسه كيف لحزب سياسي محترم وصاحب تاريخ أن يترك أي من منتسبيه لتوقيع اتفاق خطير بهذه الدرجة ويتعارض مع مبادئ الحزب نفسه دع عنك ضرره على الوطن والمواطن دون تفويض منه وما هي العقوبات المتوقعة لمثل هؤلاء المتفلتين إن جاز لنا أن نصفهم كذلك؟ وهل يشك أي من المتابعين للشأن السياسي بأن يوسف حسين وهو أقدم القيادات الشيوعية على الاطلاق هو خليفة الراحل نقد أن لم تحدث بعض المفاجآت.. هل هناك من يشك في أنه يمثل الحزب الشيوعي ومفوض منه؟؟، على الأحزاب إدانة هذا السلوك إن كانت صادقة كما عليها إدانة الجبهة الثورية نفسها ورفع يدها عن الاعتراف بهذا السلواك الدموي في تغيير النظام، وحينئذ يمكن لهذه الأحزاب أن تقنع مؤيديها قبل غيرهم بصدق تبرؤها من هؤلاء وأولئك. وإن كان من خاتمة لهذا الحديث فهو مستوحي من مضمون الوثيقة ومكان توقيعها والجهة صاحبة الرعاية لها، فقد كان مكان التوقيع كمبالا حيث موسفيني الذي لا يؤمن بالديمقراطية ولا يمارسها وكان المحرض الحقيقي لها هو أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوربي عبر وجودهم الرسمي في يوغندا.. وكانت البنود الواردة فيها هي مشروع الحركة الشعبية سابقا والذي تبنته الجبهة الثورية بعد تأثير ياسر عرمان عليها ووعده لها بأن هناك دعما أوربيا وأمريكيا سوف يأتي من جراء توقيع هذه الوثيقة الغريبة .. ولكن ما هو غريب فعلا هو كيف رضيت الأحزاب الموقعة على الوثيقة بأن تكون قيادتها الجبهة الثورية والواجهات المتعددة التي اتخذها الحزب الشيوعي ليضمن أكبر تمثيل له في الحكومة المرتقبة التي سوف يتم تشكيلها من الذين وقعوا على الوثيقة.. كيف فات كل ذلك على الأحزاب التي تتباهى أمام جماهيرها بالجمهورية الإسلامية وبالدولة الإسلامية؟، إن مثل هذه الوثيقة لا أظن الشعب السوداني سيقبل بأي من بنودها حتى أولئك الذين يعارضون الحكومة.. فهذه الوثيقة وتلك الحكومة ليست بالخيار المطلوب فكيف ستواجه هذه الأحزاب المتحالفة مع الجبهة الثورية جماهيرها قبل أن تواجه الرأي العام؟.