يحمد كثيراً لوزارة الصحة الإتحادية بأنها تتعامل مع الكثير من الأمور الصحية بشفافية تجعل موضوع مشاركة الآخرين لها سواء أكان ذلك بالرأي أو بالمساعدة أمراً ممكناً، فقبل ذلك تحدث وزير الصحة الإتحادية بحر أبو قردة عن إنتشار البلهارسيا ليس في المناطق المروية فحسب والتي تعتبر تاريخياً بيئة حاضنة لهذا المرض ، ولكنه تحدث عن إنتشار هذا المرض في ولاية الخرطوم وكان واضحاً عندما أقر بأن وزارته لم تستطع مجابهة هذا المرض لوحدها خاصة وأنه لم يدخل ضمن الأمراض التي تصرف عليها منظمة الصحة العالمية، مما يجعل أمر مكافحته والحد من إنتشاره مسئولية مباشرة للحكومة . واليوم هناك حديث أيضاً عن الحمى الصفراء وغيرها كل ذلك يستوجب وضع خطة وتوفير تمويل لمجابهة هذه الأمراض. وبهذا الفهم قد طرحت وزارة الصحة الإتحادية خلال المنبر الإعلامي للوزارة أول أمس جملة من القضايا التي تتطلب الوقوف عندها ومحاولة علاجها، إذ أنه معلوم بالضرورة الصرف على العلاج يكون أضعاف الصرف على الوقاية منها . لذلك يصبح بالضرورة الإهتمام بالمكافحة والوقاية ، فقد ذكر مدير إدارة التخطيط بالوزارة الدكتور زاهر عجب الكثير من القضايا والمشاكل الصحية وهو يستعرض خطة الصحة لهذا العام إذ إنتقد بشدة إرتفاع الإنفاق على الأدوية والذي وصلت نسبته«40%» أربعين بالمائة ووصف هذه النسبة بالمخيفة والتي يتعين مراجعتها.. حديث الدكتور زاهر ربما يشير الى أن الوزارة لم تقم بكل ماهو مطلوب في مسألة الوقاية من الأمراض ومكافحتها قبل إصابة المواطنين بها ، الأمر الذي جعل الصرف على شراء الدواء يفوق كل ما سواه من بنود . وهذا أمر يستوجب المراجعة الدقيقة لتنفيذ كل برامج الوقاية من الأمراض.. وحديثه عن إرتفاع فاتورة الدواء بهذا الشكل يرجعني أيضاً لتصريح سابق لوزير الصحة بولاية الخرطوم البرفسير مامون حميدة وهو ينتقد بشدة ربما بعض زملائه من الأطباء حيث أشار بوضوح الى إرتفاع نسبة الصرف على الأدوية المضادات الحيوية«ANTIBIOTICS»» وذهب أبعد من ذلك عندما قال إن هناك الكثير من المرضى يتكتب لهم روشتة بها مضادات حيوية وهم لايحتاجون لها أصلاً، لذلك طالب وهو وزير للصحة زملائه بالتوقف عند هذه الحالة بهذا الفهم ربما أيضاً إرتفاع تكلفة الدواء ناتجة من زيادة الطلب على المضادات الحيوية رغم أنها لم توظف توظيفاً صحيحاً ووفقاً لحاجة المريض لها . كما قال ذلك شاهد من أهل البيت والتخصص.. هذا يجعلنا نقول أنه لابد من التنسيق الكامل بين المجلس القومي للادوية والسموم وهو يرأسه وزير الصحة الإتحادي وبين الهيئة العامة للإمدادات الطبية والشركات الأُخرى العاملة في مجال إستيراد الدواء يساعد كثيراً في تحديد الإحتاج الحقيقي للدواء من جانب ولترشيد الموادر الشحيحة أصلاً لإستخدامها في بنود أُخرى الصحة بحاجة اليها .. التقرير الرسمي لوزارة الصحة الإتحادية كشف عن عوارات لابد من سترها في بعض الظواهر التي إنتشرت حتى ولو بشكل محدود في المجتمع بغية معرفة أسبابها ومن ثم علاجها حيث كشف عن تدهور المؤشرات الصحية المرتبطة بالتغذية بين الأطفال وأشار إلى إرتفاع معدلات التقزم وسط الأطفال أقل من خمس سنوات نسبة( 35%) وإنتشار الهزال وسوء التغذية وسط الأطفال أيضاً بنسبة (16%) وإرتفاع معدل نقص الوزن إلى (32.2% ) وأشار الى أن هناك (216) حالة وفاة من بين كل مائة ألف أم من السكان.. تلك الظواهر تحتاج لدراسة علمية عميقة يقوم بها ذوو الإختصاص من الأطباء والعاملين في مجال التغذية وطب المجتمع لمعرفة الأسباب الحقيقية قبل أن نبدأ في علاج الظواهر ، فمعرفة المسببات تساعد في تجفيف منابع هذه الظواهر وسيكون ذلك أفضل بالكثير من التفرج على الحالات بعد رصدها.. فقد ظهرت في فترات سابقة أحاديث عن إنتشار أمراض بعينها في ولايات ومناطق بعينها ، ولكن لأننا توقفنا عند هذا الحد فأصبحت تلك الأمراض تتمدد والصرف على أدوية علاجها تزداد كما ظهر في التقرير. فلتعكف وزارة الصحة عبر مختصيها ومن تستعين بهم لمعرفة الأسباب الحقيقية فمعرفة الداء هو نصف العلاج ولنصرف على الوقاية قبل الصرف على العلاج.