بنفس القدر الذى تجيد فيه الحكومة السودانية الحديث عن استعدادها لمحاربة الفساد وضرب المفسدين بيد من حديد وانزال العقوبات الرادعة على المعتدين على المال العام، فان القواعد الشعبية المجتمعية السودانية تبادل الحكومة السودانية الحديث عن الفساد والمفسدين وتقدم بنيات سماعية وتروى روايات لايخلو بعضها من التضخيم من باب " وما آفة الاخبار الارواتها " وتتحدث هذه القواعد عن الفساد بالارقام والآسماء والتفاصيل المملة. يقينى ان الفساد حالة انسانية تدخل من حيث المبدأ فى دائرة التصرفات الشخصية ولكن سرعان ماتتحول الى دائرة التصرفات المؤسسية اذا ماوجدت العوامل المساعدة للانتقال واذا ماتوفر لها المناخ والبيئة الصالحة... ومالحديث الذى تتناقله قطاعات واسعة من المواطنين الا محاولة لكشف الفساد وتعرية المفسدين برغم مايعترى الحديث من عدم دقة فى نقل المعلومة وارقام حجم الفساد وارقام اشخاص المفسدين. كان الاجدى بالدولة ان تسعى لمكافحة الفساد واجتثاث أسبابه الجذرية وتقديم خيارات حلول لتجنبه ولردع اى مفسد محتمل وهذا يتأتى بتقوية اذرع الرقابة على المال العام من خلال التدقيق فى إنفاذ القوانين المالية والمحاسبية وتنشيط وتفعيل قانون الثراء الحرام والمشبوه وتقديم وفحص اقرارات إبراء الذمة لكبار المسئولين وكل المسئولين الذين تقع تحت تصرفهم الرسمى عهد وأمانات مالية وإعطاء ديوان المراجعة العامة المزيد من الصلاحيات ليس لكشف التجاوزات والمخالفات المالية فحسب بل اعطائه سلطة التعرف على مكامن الخلل وابداء الملاحظات الأولية لازالة اية شبهة تجاوزات مالية قبل ان يستفحل أمر فسادها... بالمناسبة أين آلية مكافحة الفساد التى شكلتها رئاسة الجمهورية فمنذ اعفاء الدكتور ابوقناية لم نسمع عنها شيئاً اللهم الا اذا كانت حالة الاعفاء هذه تعنى تصفية الآلية نفسها؟ ان إرساء مبادئ المحاسبة وسيادة حكم القانون وعدم استغلال النفوذ والمحاباة يمثل المصير لدولة القانون والحكم الراشد والذى أصبح واحدة من مطلوبات الدولة العصرية والتى يبدو ان حكومة جمهورية جنوب السودان قد إستوعبتها. وفى تقديرى ان جوبا قدمت للخرطوم " درس عصر" بشكل ضمنى حيث أصدر الرئيس الجنوب سودانى الفريق أول سلفاكير ميارديت قراراً رئاسياً الاسبوع الماضى قضى بموجبه باحالة الوزيرين دينق الور وزير رئاسة مجلس الوزراء وكوستا مانبى وزير المالية بشبهة التورط فى تجاوزات مالية تتعلق بمبلغ دولارى مليارى ...وبالطبع فان المتهم برئ حتى تثبت ادانته ولكن الشاهد ان مجرد الشبهة جعلت حصافة الرئيس الجنوب سودانى تتخذ القرار السليم وفى هذا اشارة ضمنية مهمة وهى لا كبير على القانون عندهم... اما عندنا فالحكاية فصولها طويلة لكنها تنتهى بعبارة " خلوه ده زولنا" او بعبارة الدكتور على الحاج الشهيرة " خلو الطابق مستور".