سارة فتاة جميلة بغير تكلف، أنيقة رغم بساطة ملابسها، معطاءة وكريمة، هادئة رغم الصخب الذي يدور حولها وبسمعتها. جاءت من مدينة وسطية لتدرس الجامعة، أقامت شهورها الأولى عند أقاربها، وبعد فترة انتقلت لسكن فاخر للطالبات، كانت أكثر الطالبات نشاطاً وتعاوناً، نادراً ما تجدها غاضبة أو متوترة. سكنت مع صديقتي بغرفة واحدة، وكنت أزورهما أحياناً، فترحب بي وتكرمني أكثر من التي حضرت لأجلها. عرفت أنها الإبنة الكبرى لوالدتها التي تعمل بمطعم إحدى الوزارات، وأنها انقطعت عن الدراسة 4 سنوات ثم عادت إليها. والدها تركهم ليرضي زوجته الثانية. بعد حكايتها اندهشت كيف لها أن تسكن بهذا المكان الفاخر، الذي تسكن به بنات الأثرياء والمهاجرين. وبعد فترة قصيرة أخبرتني صديقتي عن تركها غرفة سارة، لأن الأخريات حذروها منها، أوجعني كلامهم، خاصة رأي بعض المبتذلات عنها. وبزيارة ثانية وجدتها بوجهي سلمت عليها بشوق، وسألتها عن حالها ودراستها اكتفت بالقول (الحمد لله) . وبعد سنة ونصف، ذهبت إلى سيدة ثرية لأسلمها أمانة مرسلة من أحد أقاربها، فوجدت ببيتها سارة، استغربت لوجودها، ولأن السيدة أرستقراطية، قالت لى إنها مديرة منزلي، ومسؤولة عن كل ما فيه، لأنني كثيرة السفر وزوجي يعمل بالخارج. لم أقرأ الخجل بوجهها، وعدت إلى ما قالوه عنها، تلك المظلومة من اللواتي لا يساوين شعرة من رأسها. وبعد مكالمات بيننا عرفت أنها كانت تعمل طباخة لدى أسرة أمدرمانية، وبعد فترة تعرفت على السيدة الثرية، وعملت معها خادمة وطباخة ومربية أطفال، إلى أن أصبحت سيدة البيت الفعلية. وأكملت دراستها والآن تعمل بشركة طيران مشهورة، واستأجرت بيتاً صغيراً ومعها أخوانها وأختها وجميعهم يعملون ويدرسون. وهذه رسالة من واقع هذا البلد، لكل من يجعل من البنات موضوعاً للغمز والثرثرة، لأن بعضهن لا يرضين الذلة والخضوع لرغبات الآخرين، وأثبتن أنهن أقوى من كل الألسنة والطعنات والابتذال. وسارة تعيش بيننا بكل رضاء و كبرياء.