اللبن مادة غذائية مهمة جداً، يبدأ بها الإنسان حياته منذ أن يُولد.. ولبن الأم من الألبان الكاملة التركيب الغذائي.. ولاتوجد مادة أخرى تشبهها في اكتمال عناصرها إلا مادة«الصمغ العربي» وهي هدية إلهية تشترك مع لبن الأم في محتويات الكالسيوم والمغنسيوم، واحتوائها على عناصر الحيوية اللازمة لبكتيريا الجهاز الهضمي والتي تقوم أساسا بتكسير وهضم الطعام في جسم الإنسان.. والطفل عندما يولد في أول دقائق من حياته يبدأها برضاعة لبن الأم، والذي يذهب مباشرة للامتصاص ويتحول إلى مكونات الجسم الحيوية، وجزء منه يتجه نحو الجزء الأسفل من البطن لكي يعطي الجرعة الأولى المحفزة للبكتريا الحميدة التي تقوم بامتصاص وهضم الغذاء وتعرف علمياً «بالبريبايوتيك». ولعل هذا ما جعل لبن الأم من أحد العناصر المادية التي تجعل الأطفال أخواناً في الرضاعة.. والمعروف من الناحية الشرعية أن حصول طفلين على خمسة رضعات مشبعات متتاليات من أم واحدة يجعلهما أخوانا في الرضاعة ويحرم الزواج بينهما إن كان أحدهما أنثي، بل يجعل أن ما يجوز من علاقات المصاهرة والدم يجوز بعلاقات الرضاعة. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه قد يجوز ما يُعرف«بإرضاع الكبير» وهي فتوى مثيرة للجدل أطلقها قبل عدة أعوام أحد شيوخ الأزهر، لكنه لاقى فيها انتقادا شديدا، حيث قال إنه يجوز إذا أردنا أن تكون الخلوة بين الرجال والنساء في مجال العمل خلوة شرعية، فمن الممكن ممارسة ما يُعرف «بإرضاع الكبير» وتتمثل في حصول الرجل البالغ على خمسة رضعات مشبعات من إحدى السيدات ليتحول إلى ابن لها في الرضاعة، وقد كانت هذه الفتوى مثاراً للجدل وللسخرية؛ حيث ذهب بعضهم مذاهب شتى في الطريقة التي يمكن أن يحصل بها الرجل البالغ على الرضعات من السيدة المراد الخلوة بها خلوة شرعية. على كل حال، ظلّ اللبن مهماً في حياة الإنسان الأول، حيث تحصل عليه من الحيوانات البرية، ثم قام بتأليفها لاحقاً وصنع منها ألباناً بأشكال وألوان وقوام متعدد.. وبزيادة البشر في الكرة الأرضية، ودخول الصناعة ظهرت أنواع كثيرة من الالبان السائلة والصلبة سواء كانت صافية أو مخلوطة مع غيرها.. وكان أن تمت صناعة الألبان الجافة في شكل بدرة بعد حدوث الطفرة الصناعية في مجال البدرة الرزازية، وهو نوع من البدرة ينتج بعد تمرير محلول سائل يحتوي على المواد المذابة في درجات عالية من الحرارة وشفط الهواء وبخار الماء لتبقى البدرة الرزازية. وقد قامت كثير من الدول الصناعية بمحاربة ظاهرة إنتاج الألبان على طريقة التسخين الرزازي أو بطريقة الطرد المركزي، وذلك لأن المواد الصلبة تتعرض إلى الحرق نتيجة لدرجة الحرارة العالية؛ الأمر الذي يفقدها الكثير من الفعالية الغذائية، ويجعلها فقط وكأنها مادة تعطي لوناً أبيضاً عندما يتم تذويبها .. ومن ناحية أخرى فإن بعض المصانع والشركات والمؤسسات التي تقوم بإعداد البدرة الرزازية وتبيعها على أساس انها«لبن بدرة» فهي في حقيقتها عبارة عن مواد لا علاقة لها باللبن مثل النشأ الأبيض، وفول الصويا، وهي عبارة عن مستحلب ليس له أدني علاقة باللبن، ويتم عرضه في الأسواق على أساس انه«لبن بدرة» وبقي أن نقول للسادة المستهلكين إنه على الرغم من اشتهار كثير من الشركات الهولندية بإنتاج اللبن إلا أنه لا يمكن اطلاقا الحصول على لبن بدرة في أي بقالة أو دكان في هولندا، وهو غير معروف اطلاقاً في أسواقهم، واللبن المعروف عندهم هو اللبن السائل فقط، لذا وجب أن ننبه أهلنا في السودان ودول أفريقيا والعالم الثالث والتي ظلت مكباً «للنفايات» الأوربية أن يفهموا أن ذلك الشئ الأبيض المعبأ في أكياس أو في علب حديدية قد لا يكون لبناً، وإنما نوعاً من النشأ الأبيض، وإن كان لبناً فربما يكون فاقد الصلاحية؛ بسبب طول مدة التخزين أو فقدان الصلاحية بسبب الحريق الناتج عن المعاملات الرزازية.. ونخلص إلى أن بعض لبن البدرة ربما كان«ضاراً بالصحة».