جاءت صحف الأمس، وهي تحمل تعليقات الكثير من الزملاء حول«العمليات الجراحية» التي قيل إنها تم إجراؤها في عدد تسعة وسبعين نعجة كانت محشورة ضمن آلاف الخرفان وفي طريقها الى التصدير.. وبالطبع كان الكثيرون يحتجون على تصدير الإناث من النعاج بصفة عامة، وعلى إجراء عمليات جراحية لبعضها وتحويلها الى ذكور حتى تجد طريقها الى تفادي الحظر المضروب على تصدير النعاج.. وقالت الأخبار، إن «ناس الميناء» لاحظوا أن الخرفان التي أجريت لها العملية، كانت تبول على طريقة الإناث بحيث تفتح رجليها الخلفيتين، وهو أمر لا يحتاج له الذكر- الخروف- لأنه يتبول «طوالي» و«عديل كده».. والأمر يقودنا الى الأسباب التي تجعل القائمين على أمر الثروة الحيوانية في بلادنا يصدرون أوامرهم بمنع ذبح الإناث وتصديرها.. ويقفز الى أذهاننا أن هؤلاء«القوم» يضعون مصلحة القطيع القومي في المقدمة و«يعتقدون» أن ذبح الإناث وتصديرها سوف يؤدي الى تكاثرها وتوالدها في بلاد أخرى مما قد يحرم السودان من هذا المورد. وعلى الرغم من اطلاعي على شيء من علوم الإنتاج الحيواني، إلا أنني مع ذلك اتصلت بالدكتور محمد عبدالعزيز الطبيب البيطري المعروف والمصرفي المعروف«برضو» والذي أعطاني بعض الإفادات التي مجملها أنه لا معنى ولا جدوى من حظر ذبح الإناث أو تصديرها، مما رأيت أن أشرك فيها القاريء الكريم. والمعروف- يا جماعة- إننا ظللنا نصدِّر الضأن بنوعيه الى كل الدول المتعاملة معنا وخاصة دول الشرق الأوسط والخليج العربي منذ عهد مملكة مروي في عام 350ق.م وطيلة هذه المدة ظلت الخرفان وكذلك النعاج السودانية طيبة المذاق، وأفضل سعراً من غيرها.. وطيلة هذه المدة لم ينقص قطيعنا القومي ولم يكتفِ المستوردون.. وليس جديداً أن نقول إن 50% من الجينات التي تحملها الذكور منقولة عن الإناث.. (يعني بالعربي كده) إذا أراد المستورد أن يستولد من الخرفان (بتاعتنا) سلالات ذات صفات سودانية، فيمكنه ذلك باستعمال الذكور. ومع تقدم العلوم فليس هناك شيء مستحيل.. وظللنا- نحن في السودان- نستورد أنواعاً من الأبقار الفريزيان والغنم السعانين، ولم نسمع بأن«ناس هولندا» أو تركيا وقبرص اشتكوا من أنهم سيفقدون قطيعهم القومي.. ذلك لأن العالم صار قرية صغيرة.. وظللنا نستورد ال(Semin) وهو مني الذكور لتعشير وتهجين أبقارنا ولم يغير ذلك من سياسة ناس هولندا.. فقط هم يؤمنون بأنهم يجب أن ينتجوا أكثر وأكثر لتغطية حاجة العالم.. ومن جانبنا كان علينا أن ننتج أكثر لنصدر أكثر ومن دون حدود. ولعل المهم أن ننظر في السبب الذي يجعل لحوم الضأن عندنا أطعم وأحلى وألذ من غيرها.. والسبب- يا جماعة- لا يرجع الى الجينات فقط، وإنما يرجع الى طبيعة المراعي ونوع العلف الذي تأكله «بهائمنا».. فالمعروف أن عندنا حاجة اسمها حزام الصمغ العربي، وهذا الحزام يعطي 60% من العلف الطبيعي للقطيع القومي، وهذا العلف «المجاني» والمدعوم بالبروتينات الخاصة هو ما يعطي النكهة والجودة للحوم السودانية.. وعليه فلو أن إنجلترا وأمريكا ودول الخليج كلها ومعهم أستراليا والأرجنتين وهلم جرا، أخذت الإناث والنعاج مننا واستولدتها، فإنها لن تنتج سلالات ذات جودة عالية نظراً لغياب البيئة الرعوية.. كذلك- يا جماعة- هذه الإناث بعضها يكبر في السن ويتوقف عن الولادة ويجب أن يتم تغييره. فلماذا لا يتم ذبحه في السوق المحلي أو تصديره؟.. ولا بد أن يكون معلوماً أن معظم ضأننا يرعى وهو يسير مسافراً آلاف الأميال.. وهذا ما يجعله «يربي عضلات» أكثر مما ينتج لحوماً. وقد جاء الوقت الذي يجب فيه أن ننظر في إمكانية المراعي المقفولة Closed Ranches على أن يتم الاعتماد على العلف الطبيعي كمصدر أساسي. على كل حال، أعتقد أن أخينا الذي «عمل العملية» للنعجة لكي تبدو وكأنها «ضكر»، قد اجتهد أكثر من اللازم، فقط لأنه ربما يجد سعراً أفضل.. ولم أستطع أن أتخيل كيف تمكن الرجل من تلبيس«عضو الذكورة» للنعجة واكتشفها أحدهم عندما رأى الخروف «الضكر» وهو يبول على طريقة «الإنتاية»؟!.. وأخيراً نقول أطلقوا سراح الصادرات إن كانت ذكوراً أو إناثاً وزيدوا من الإنتاجية، يرحمكم الله. واعلموا أن العبرة في العلف الذي تتناوله هذه الحيوانات من أشجار الطلح والهشاب، وليس العبرة في الجينات الوراثية للقطيع القومي..!