إن الحب في قلوب المحسنين الذين يقدمون الخيرات والصدقات، مهما قيل فيه من تقوّلات، فبكل تأكيد تغذية لتلك القلوب التي تقدم الحسنات، إن تلك التغذية تدفعها وتنشطها لعمل الخير، الذي يحتاج إليه الآخرون، لأن الإنسان كلما قدم حسنة لإنسان محتاج إليها، تنسيه همومه، وتخفف عنه أتعابه النفسية التي يحملها بين جنبي مشاعره، لأن المعدم دائماً في حالة اجتهاد شديد، وبعد أن تحسن إليه يكون في قمة الابتهاج النفسي، لأن الإنسانية بلطفها على الآخرين وبرقتها، دائماً تنساب في نفوس البسطاء، الذين يحتاجونها، وبدون شك يسعدهم ذلك لدرجة تنسيهم آلامهم وأحزانهم، لأنها كعنصر إنساني مهم في حياتهم، يخلق في نفوسهم البسيطة الإحساس بالحياة ذات المذاق المتعدد الجوانب، فيها القيم والأخلاق والسلوك والمبادئ، لأن الحسنات التي تقدم إليهم موقعها في أحساسهم أشبه بالمرأة الحسناء الجميلة الوجه حلوة اللسان وكريمة الخلق وسخية النفس، لا يقدم قادم من أي مكان بعيد أو قريب، إلا ويريد أن يرى جمال وجهها وسحرها وطبعها وذوقها، هكذا الحسنات، وقعها في نفوس هؤلاء الفقراء، وحقيقة كنت اعتقد أن زمن الحسنات واحترام المعدمين قد انقضى، وجاء زمن العجائب، الذي لا يتولاه غير أهل الدهاء والسياسة، والكذب والنفاق واللف والدوران، كالثعالب وسط غابات الأسود، وهم يلعبون ويتحكمون بعقول الكائنات البشرية، وهم يعتبرون أنفسهم أذكياء، ولكنهم هم ضعفاء في نفوسهم وأهل مطامع، وكنت اعتقد أيضاً أن كل أصحاب الأموال الطائلة التي تجمع وتكنذ، لا تنفق فيها الصدقات للذين يحتاجون إليها، ولا يعملون فيها أعمال خيرية، هذا اعتقادي واعتقاد غيري من الناس كذلك، بأن أمثال هؤلاء اختفوا وتواروا خلف حالة الزمن الحالية، غير الزمن السابق، وبدون شك كنت اعتقد أيضاً أن زمن الرجال ذوي الهمة والدراية والحكمة واللطف، وأهل الحسنات قد ولى، وجاء بدلاً عنهم الضعفاء في نفوسهم وأهل المطامع، وأن الدنيا صارت تخلو من المحسنين، حتى أصبح هؤلاء الذين ينكرون فضل الفضلاء، لأن هؤلاء يدفعهم الحقد بإيقاع الأذى بالفضلاء المحسنين، لأن الأيام ساعدتهم على الارتقاء بانفسهم وبالاحسان للمحتاجين، وهذا هو سبب الحقد والغل والحسد في نفوس هؤلاء، وإحقاقاً للحق لقد تلاشت واختفت كل هذه الاعتقادات من تفكيري، عندما رأيت وشاهدت عمل رجل خير، رجعت إلى الحديث الشريف الذي يقول:(الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم الدين)، لأن ذلك الرجل يقدم الصدقات والحسنات بدون رياء وبدون مظاهر، لأن الرزانة كانت تتجلى في جبينه، والطيبة مرتسمة في عينيه، والثبات الرجولي حول شخصه، وعلمت أنه دائماً وأبداً في نصرة للمظلومين، ودفّاعاً لظلم الظالمين، لأنه لم يعامله أحد إلا أعجب بأخلاقه وذكائه المفرط، الذي يستقله في قضاء حاجة الآخرين، والناظر إليه يحس بأن في نظراته قوة الاقتناع بأن الدنيا زائلة، ومن خلال ذلك الاقتناع تجد في قلبه الحب والإشفاق على المعدمين، الذين يفرش لهم الحلم ليناموا عليه، حتى يدركوا أن في هذا الكون عناصر بشرية تقدم لهم الخير ولا تأخره لحظة، وإنني وطيد الأمل في أن لا يعتقد هؤلاء وأولئك بأنني أمدح الرجال، ولكن هذا ليس من طبعي، وإنما طبعي أن أقول الحق، وأمدح الأعمال الجيدة التي يستفيد منها المجتمع، حتى في هذه الحالة، إن أصحاب المقدرة والاستطاعة يقدمون مثل هؤلاء الذين قدموا لبلدهم ولمجتمعهم، كم وكم تمنيت لو المسئولين والموظفين في دواوين الزكاة بالولايات اقتبسوا أو نقلوا من رجل الخير هذا، كيفية تعامله مع المعدمين، ووزعوا الزكاة التي جمعت من الأغنياء لسد حاجة الفقراء والمساكين بالعدل والتساوي، وإنني أعلم أن هناك ديوان زكاة في ولاية من الولايات إذا أخذ من هؤلاء البسطاء، قدم طلباً لسد حاجة ضرورية ليسد بها رمق الجوع، بدون شك هذا الطلب ينام، وتمر عليه الشهور أو السنين ولا يجد يد مسئول أو موظف لتحركه أو تهتم به، ولكن إذا قدم هذا الطلب أحداً من الذين ينتمون إليهم، في الحال يجاب طلبه في سرعة واهتمام، وكنت أريد من دواوين الزكاة بالولايات أن ينقلوا المعاملات الخيرية من هذا الرجل المحسن، لتكون لهم قاعدة ثابتة كنموزج من النمازج الإنسانية التي تساعده في توزيع الزكاة على أصحابها بالصورة المرضية، وتمنع عنهم التغوّل، وإن إعجابي بهذا الرجل الذي ذكرت أعماله في مستهل هذه السطور مكمنه أن تعامله اللطيف المفيد يكرم المعدم، ويجفف دموع اليتيم، ويحترم الآخرين، وإن أعماله التي قدمها في حياته تبني له قصوراً في جنة الفردوس، ولذلك نريد من دواوين الزكاة أن تغير أسلوب المظاهر التي تأخر أعمال، الخير والرجل الذي نعنيه في هذه السطور هو الحاج بشير الصادق جموعة، أطال الله عمره لعمل الخير، هو وشقيقه مدير أعماله المهندس بدر الدين بشير الصادق جموعة، وهما يقدمان الكثير والقليل لعباد الله المعدمين المحتاجين، ونريد أيضاً من كل الذين يملكون المال وعندهم المقدرة أن يقدموا الخير، حتى يزيلوا الكدر والتكدرات من نفوس البسطاء الذين تقف الدموع في أعينهم، دموعاً لا تسيل ولا تجف، لأن الغصة المرة في أوداجهم، وسببها العدم، وهم صابرون لأنهم يرون أموال الزكاة توزع لغيرهم، وهم محرومين منها. وغداً سأواصل بإذن الله.