العم عبد الرحمن ود الامين شخصية اسطورية يرتبط بالجذور والعادات القديمة، وقد حضر اواخر المهدية وعاش في زمان غير هذا الزمان وكان لا يعترف بالحضارة والتقدم ويعتبرها مسخاً مموهاً لعادات الناس وقد رحل من هذه الدنيا قبل زمان طويل، لو حضر هذا الزمان ورأى شاباً يلوك لباناً او شابة لابسة موضة بدون ثوب لارتكب جريمة دون تردد. وعمي عبد الرحمن فارس وكريم وسكينه «دائماً حمراء» يذبح للضيف قبل ان يدخل الدار، ولكنه لايتحمل الخمج ودائماً في مشاكله يستعمل العكاز والسكين وعنده في قاموسه الخاص كما قال الشاعر «السيف أصدق أنباء من الكتب». وحينما يستدعي الحال للسكين يستعملها غير هياب ولا وجل، والويل للافندية حين يحضر للمكاتب ويرى افندياً لا يؤدي واجبه او يطالع جريدة، وكان الافندية يحترمونه وله ملف خاص امر به السيد مفتش الرئاسة اسمه «ملف ود الامين» وحينما يدخل المديرية يدق الارض بعكازه معلناً حقوقه وفي الحال يحضر الافندية ملفه وكان لا يرضى ان يقابل افندياً صغيراً، وكان حينما يرى أفندياً لابساً بلدي «عراقي وسروال وجلابية» يشكره قائلاً «يا ولدي جزاك الله خير في لباسك البلدي الموقر» والعم ود الامين شخص وقور ذو لحية بيضاء مستديرة تذكرك بفرسان الجهاد في المهدية في الشرق، وكان يلبس الثوب البلدي من الدمور او الدبلان وعمته دبلان ناصع البياض وله سكينة كبيرة لا تسعها يده وكان يعلقها في رقبته حتى تكون سريعة المنال في حال تكريم الضيف او الهجوم على شخص جائر. وكان الحكام الانجليز يعرفون مكانته وله ساقية مشهورة، وذات يوم كان قادماً من مزرعته ورأه مدير المديرية الانجليزي في ذلك الوقت وامره ان يركب معه ليوصله الى منزله ولما وصل المدير امر السائق ان يوصله الى منزله وكان بالعربة بيرق لا يعرض الا في حالة المدير بالعربة، واراد السائق ان يقفل البيرق لأن المدير نزل وهنا ثار عمي عبد الرحمن وقال للسائق يا ولد خلي البيرق مرفوع فقال له السائق: ده ممنوع، وهنا نزل عملك عبد الرحمن وهجم على السواق وجاء المدير وقاله له: سعادتك الولد ده داير يقفل البيرق وقال المدير للسواق: خلي البيرق مرفوع حتى يصل لمنزله، وبعد ان تحرك قال للسواق «انا داير السوق وبعدين ارجع البيت» وكانت العربة تمر امام مركز البوليس وحينما يرونها والبيرق مرفوع يحيونها «بالبورجي» وهي تحية خاصة بالمدير لما جات العربة امام البوليس في طريقها للسوق ضربو البورجي تحية للبيرق والمدير وهنا ظهر لهم عبد الرحمن رافعاً يده شاكراً. وذهب العم عبد الرحمن للسوق ليأخذ تموينه من تاجر بالسوق وكان بينه وبين هذا التاجر وجيرانه مشاحنات ومشاكل ولما جاءت عربة المدير والبيرق مرفوع هرع كل التجار بالتحية والتقدير للمدير هنا ظهر لهم العم ود الامين وامر التاجر ان يحضر له تموينه من الزيت والسكر وغيره من المواد، وفي الحال احضر له جميع ما طلب وظل التجار بالسوق يتهامسون بأن ود الامين «جات ليه سلطة وتراه راكباً عربة مثل المدير وكمان عنده بيرق» الا رحم الله العم ود الامين فقد كان شخصية ظريفة وكنت حينما اراه قادماً للسوق بحمارته البيضاء معلقاً سكينه في رقبته، اجري خلفه وانا طالب في ذلك الزمان بالمدرسة واسير معه واسمعه يحلف بالطلاق، وسلام على ود الامين في الخالدين اولئك من امثاله من المحافظين على العادات والتقاليد الحميدة.