لعل الأمثال الشعبية الشائعة بين الناس وبأي لغة أو إشارة كانت هي بلا ادني شك, عصارة التجارب الإنسانية للشعوب والمجتمعات, واستخلاص لمعايشة الواقع وتعكس وبشكل واضح الأطر الثقافية والاجتماعية والفنية المعبرة عن حياة الناس عبر الزمان, ومعاني يدركها ويأخذها العقلاء لتدارك الأخطاء وتجنب المهالك, واظن من صدق الفعل والكياسة,ان تجعل من اخطاء الآخرين ومضات تضي لك بعض جوانب الطريق وتأخذ بيدك إلي بر الامان. وعندما يري الناس الأخطاء تلازم تحركاتهم وسكناتهم, وشناعة الأفعال شائعة بينهم, يحسون الظاهرة بعمق وعندها يحللون تلك الخطاء, ليعرفوا متي وكيف بدأت لتحاشيعها ومنعها من التكرار, والأمر يزيد أكثر ليصل حد أخذ العبر منها وتحجيمها لتكون محاذير عالقة بذاكرة المجتمع لتتحور لحكم وأمثال شعبية قد تكون ساخرة أو محزنة أو مضحكة, يطلقها كلما إقترب الفرد من نفس الخطأ او وقع فيه, وللأمثال قصص ومناسبات حدثت فعلياً ,وقد لا يجد المرؤ حرجاً في هذه السانحة إذا ما تعرضنا لقصة مثل جاء في صياغة بيتاً من الشعر وهو (من يفعل المعروف في غير محله * يلاقي ما لاقي جائر ام عامر) وأم عامر هذه هي كنية انثي الاسد (اللوبة) ويقال أن إعرابياً مولعاً بحياة الوحوش وإصطياد المفترس منها وذات مرة منحه شركه ما كان يتوقعه وأصطاد صغيرة أسد (شبل) وجاء بها لبيته وبدء بتربيتها وتدليلها بمطايب الطعام والشراب,فنصحوه عقلاء قومه بترك ما يفعله وعدم تربية هذه (اللوبة) الصغيرة, خوفاً من إذا ما كبرت وشبت رجعت إلي إصلها ولربما إفترسته او من حوله, لكنه لم يستجب لنصيحتهم, إستمر في تربيتها ومحاولة تغير اصلها لتصبح داجنة, وقد نجح الرجل لحد كبير وصارت (اللوبة) دلولة مدينة (بضم الميم) لصاحبها بالولاء لا تفارقه البتة, وفي ظهر يوم حار وبينما هو علي ظل شجرة غارق في النوم, حام بعض الذباب ونزل علي فمه بكثرة, ليستمر الذباب في الازدياد كلما سكن الرجل أكثر في النوم, وبينما هو علي تلك الحال رأته (اللوبة) وارادت أن تبادله الولاء بمثله وتخلصه من كومة الذباب تلك التي علي فمه دون أن تقطع عليه نومه, فأخذت اكبر وأثقل صخرة وجدتها بالمكان وألقتها علي وجهه بقصد تخليصه من الذباب, لكنها وبدون قصد أجهزت عليه وقضت علي نحبه فمات, فصار الأعرابي وبحماقة فعله مضرب للمثل, في أجارة ما لا يستحق, وإسداء معروفا غير مبرر, وأصدق ظن من حزروه, وكانت فعلته تراجيديا ومأساة خرج من رحمها مثلنا هذا (من يفعل المعروف في غير محله * يلاقي ما لاقي جار أم عامر). [email protected]