أخي عباس الخضر : إنه لحبيب إلى نفسي أن أطلق عليك إسم «مؤمن آل فرعون» وحقاً أن هذا الإسم ينطبق عليك في زماننا هذا، لأني أراك تحمل هم قوم لعبت بهم الأهواء، وحبب إليهم حرث الدنيا فنبذوا حرث الآخرة وراء ظهورهم فباتوا يتطاولون في البنيان ويتسابقون في إقتناء الأثاثات الفاخرة والمركبة لنيل شرف الوجاهة في الدنيا والتمتع بحطامها على حساب الآخرة. ٭ أخي الخضير: إنك تريد أن تصنع من الفسيخ شربات ولم أجد شبيهاً لصنعك هذا إلا المثل المذكور وموقفك هذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرصك الشديد لتوحيد كلمة الإسلاميين ولكنك نسيت أن تنظيم الإسلاميين قد إخترقه تنظيم «الإصلاميين» قبل أكثر من أربعة عقود خلت، وهيمن عليه نفر من حملة ثقافة المستشرقين التي يرجع أصلها إلى اليهود الذين اخترقوا حياتنا في كل شىء. إن الإسلامي الحق هو الآن على «الرف» ولم يبق مع «الإصلاميين» إلا من رضى بالهوان والإستهوان وركب موجة الإستشراق وتتلمذ على يد زعيم لهم معروف وأصبح لا دور لهم سوى الإتباع بفهم او بغير فهم لزوم تكبير «كوم الضلال» طوعاً وأحياناً كرهاً بمفهوم أن يوم الفصل بعيد والحق سبحانه وتعالى يقول : إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً». ٭ أخي عباس : إنني إن أنسى لا أنسى يوم أن قال زعيم المخترقين في ليلة سياسية أمها كتل بشرية:«إن تنظيم الإسلاميين تنظيم جامع وهو وعاء نجمع فيه كل صالح وطالح، الذهب والفضة والنحاس والبرونز والتوتيا والحديد المصدي والورق القديم وغير ذلك من العناصر التالفة. ٭ إستطاع الزعيم أن يجمع كل هؤلاء في وعائه الجامع، وعندما أراد أن يوزع المناصب القيادية في عهده اختار لهم الغث وترك السمين وجعل منهم سلما ليرقى به إلى أعلى مرتبة «رئاسة الجمهورية» فأطاح به سلمه وهيمنت مجموعة الغث على الحكم وكانت بداية نهاية الاسلاميين. كانت النية معقودة لقيادة اهل السودان بنهج تجديدي يتنافى والإسلام السليم المعافى من الشوائب ولكن اللّه لطف بأهل السودان فنسى من تولوا أمر قيادتنا أمر الدين وتركونا في حالة ودخلوا فيما بينهم في صراعات من أجل الدنيا فطغى الغث على السمين وغار الذهب على الفضة والنحاس في باطن الأرض فسارت الحياة على مزج فاسد، ففسدت حياة السودانيين وتضرر منه كل شىء الشجر والمدر والبحر وركب الناس الصعب في مسيرة مجهولة لا أحد يدري إلى أين تنتهي هذه المسيرة والأعداء يتلاعبون بنا صباح مساء. ٭ لا أحد يدري كيف ومتى يكون الخلاص من الورطة التي نحن فيها وقد وقعنا في الفتنة التي حذرنا اللّه منها في القرآن الكريم بقوله (وأتقوا فتنة لا تُصيبن الذين ظلموا منكم خاصة). ٭أخي عباس: إني لا أُريد أن أثبط همتك بهذا المقال ولكني أشفق عليك وعلى وقتك وجهدك المقدر الضائعين في محاولات قد لا تجدي فتيلاً وتذهب هباء منثوراً لاختلاف جوهري بين من تحاول توحيده وقد يكون هذا الإختلاف اختلاف عقدي فكيف يمكن التوحيد بين من يؤمن بالكتاب كله وبين من ينكر ماعلم من الدين بالضرورة. ٭ أنك تريد أن تجمع بين نقيضين ولعمري هذه مهمة صعبة وأمر غير ممكن، مهما كانت الدواعي ومهما كانت نيتك سليمة لأنك لا تستطيع أن توحد فكرهم فإن لم يتوحد الفكر لا يتوحد الناس مهما عملت لأن التوحيد يحتاج إلى فكر صافي لم يشوش عليه الإستشراق وإيمان صادق لا يشوبه شك ولا ريب في نصوص التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ٭ فكان الأجدر بك أخي عباس أن تسعى لغربلة الإسلاميين لإستخلاص النخبة ليعملوا يداً واحدة لمحو الآثار السالبة التي خلفها بعض الإصلاميين، هذا سيساعد كثيراً على تسهيل عملية توحيد الإسلاميين إننا نريد منك أن توحد المخلصين ولو كانوا قلة ليكونوا أنفع وأجدى للإسلاميين والمسلمين على قرار : «أن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا الفا». ٭ نريد توحيد المسلمين على هذا الفهم لأن العشرين والمئة المتوحدين يغلبوا المئة والألف من المذبذبين من الذين يريدون أن يتخذوا بين هؤلاء وهؤلاء سبيلاً ولا يتقدم الإسلام ولا المسلمين شبراً واحداً بموالاة غير الله«الله ولي الذين آمنوا». ٭ يقول الحق عز وجل في كتابه الكريم:(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) ٭ فالإسلاميون مصنفون مثلما جاء في نص هذه الآية الكريمة، منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات. ٭ فالصنف الظالم لنفسه لا يجوز الدخول معه في حوار من أجل توحيدهم مع الآخرين، لأنهم لو دخلوا مع غيرهم لا يزيدونهم إلا خبالا، إلا أن يغيروا من نهجهم ويعلنوا التوبة النصوح، وعندئذ يدخل الناس معهم في حوار من أجل توحيد الصف. ٭ والصنف الثاني وهو المقتصد وهو ما تساوى عمله النافع والضار لأهل السودان وفيهم نماذج الآن في مواقع المسؤولية ونحن نعرفهم، ومثل هؤلاء لا ينبغي أن نعين الشيطان عليهم يمكن أن ندخل معهم في حوار لينصلحوا ويكونوا داخل حظيرة الإسلاميين. ٭ أما الصنف الأخير وهو السابق بالخيرات وهو الذي ينبغي أن يقود المسيرة التي بدأناها إرضاء للّه تعالى، لنسير على طريق الرشاد إلى أن نلقى اللّه ونحن على العهد حتى لا يحزننا الفزع الأكبر يوم النشور وتتلقانا الملائكة بقولها:«هذا يومكم الذي كنتم توعدون». ٭ هذه هي المعالم التي يجب أن نسير عليها بنية خالصة لا نجامل فيها أحداً مهما كان شأنه عالمياً ومحلياً اما محاولة توحيد الإسلاميين بصورتهم الحالية فهو ضرب من الخيال وحتى لو توحدنا سنرجع إلى كيس الرجل الذي جمع فيه النقائض قبل عقدين او أكثر من الزمن فالموقف لا يتحمل والإسلاميون في حاجة إلى وقتهم في طريقهم إلى الجهاد. ٭ إننا لا نريد توحيداً من أجل التوحيد ليقال لنا توحدوا إعلامياً وحقيقتنا غير ذلك ونحن في حاجة إلى غربلة حتى نميز الخبيث من الطيب لنترك الخبيث بعضه بعضاً ليركمه اللّه في جهنم بعد حين. ٭ أخي عباس بعد كل هذا نقول لك امض في مساعيك ولا نخذلك ولكننا نقول لك الحذر الحذر ثم الحذر من الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه وهذه خصال من خصال اليهود وما جزاء هذا إلا الخزي في الحياة الدنيا وها هو السودان في خزي اليوم بفعل هؤلاء. لا تنس اخي عباس أن تطل على صفوف السابقين بالخيرات من اخوتك بالبرلمان ليقفوا وقفة صلبة ضد ما يجري في أديس أبابا من اتفاقيات لنشرب مقلباً آخر كما شربنا من قبل في نيفاشا. ٭ أما بند الحُريات الأربع التي يتكلمون عنها فلا نريد أن نسمعها كفكرة ناهيك عن التنفيذ فلو دخل وفدنا في مفاوضات كهذه هذا يعني «الإنتحار» بخشم الباب والعياذ بالله. ٭ نسأل الله أن يوحد المسلمين الخلص في كلمتهم ويقهر عدوهم ويكفينا شره وشر من يوالونه حتى يكون السودان في أمن وإستقرار ولا حول ولا قوة إلا بالله.