هذه حكايتي أو قصتي مع كتاب كان قد صدر في العام 1965م بالقرن الماضي، ذلك الكتاب خرج أصله من السفارة الاثيوبية وقتها ليطبع ويوزع بالخرطوم واريتريا تحت إشراف الملحق العسكري بالسفارة حيث أرسل لنا لطباعته بمطابع جريدة الزمان وقتها وقد كنت أنا في ذلك الحين مديراً لادارة الجريدة. أرسل لي الأصل في ذات الحين مدير الادارة الجريدة. ارسل لي الأصل في ذات أمسية ولما كنت على وشك الخروج من مكتبي فقد ركنته في أحد الأدراج وذهبت وعندما عدت صباح اليوم التالي لم أجد ذلك الأصل، وبعد البحث الدقيق عنه أضطررت للرجوع لمن أحضره لي وأبلغته فقدانه، لم يندهش ذلك الشخص ولم يرد علىّ سوى بكلمة واحدة قالها هي «ولا يهمك» سأتي إليك بأصل آخر. وبالفعل أتاني به عاجلاً ومن فورى دفعت به إلى داخل المطبعة دون ما اطلع عليه أو أراجعه لأن الشخص الذي أتاني به أكثر دراية مني بمحتوياته وبالطبع لم يكن وقتها هنالك تقيد بأرقام او سجلات لطباعة الكتب. أدخلته للمطبعة وبدأ العمل في تنفيذه من جمع لمادته حيث كان وقتها يتم جمع الحروف بماكينات «الانترتايب» تمت الطباعة والتغليف بأسرع وأحسن حال وجاء وقت التوزيع. وبحسب معلوماتي أن يتم توزيعه بالخرطوم فتأهبت لذلك لكي يتم في صباح اليوم التالي لان تجهيزه كان بالمساء، ولما كنت استعد لذلك إذا بالملحق العسكري الاثيوبي يدخل علىّ فجأة ويبلغني بان عربة لاندروفر ستحضر إلىّ في الصباح الباكر لكي تستلم الكتاب وتذهب به إلى أديس أبابا وأسمرا، هنا قلت له إن حسب معلوماتي سيتم التوزيع بالخرطوم، قال لي ذلك ليس صحيحاً بل ستحضر العربة لإستلامه والذهاب به وما عليك إلا أن تسلمه إليها. ثم أردف بان هذا أمر بحسب طريقته العسكرية. فصمت أنا وذهب هو.. وبعد خروجه بدقائق دخل علىّ عدد من الشباب فرحبت بهم وأبلغوني بانهم اريتريين من الثوار وحضروا بخصوص ذلك الكتاب الذي هو يحمل مادة ضد الشعب الاريتري وعليه يجب أن لا يخرج إلى خارج الخرطوم. فطلبت منهم الإنصراف ليعاودوني بعد ساعة وبعد ذهابهم التفت لتناول نسخة منه فتصفحته مسرعاً وكان ذلك بالإمكان لان صفحاته قليلة لا تتعدى السبعين صفحة، تصفحتها فوجدتها حقاً تحمل مواد ضد الشعب الاريتري وقتها فكانت حيرتي، ماذا أفعل أمام طلب الملحق العسكري الاثيوبي وهذا الشباب الاريتري الثائر. اما عن ذلك الملحق كان معروفاً ومعلوماً عنه بانه على جانب من الصعوبة. ماذا .. هل أرفض تسليم الكتاب للعربة الآتية فجراً لاوزعه بالخرطوم أم أسلمه لها؟ وفي كل الحالتين سيكون موقفي أكثر صعوبة إن لم تكن خطورة.. وبعد تفكير سريع توصلت لحل وسط يمكن يخرجني من هذا الموقف المعقد فقمت بالاتصال بالأستاذ صالح محمود اسماعيل حيث كانت له صحيفة تسمى اكتوبر رحمة الله عليه فشرحت له الموقف وطلبت منه أن يكون عموده الافتتاحي بالصحيفة غداً عن كتاب سيعرض بالمكتبات تحمل او تحتوى صفحاته على هجوم وتشنيع بالشعب الاريتري وهو في مجمله غير صحيح وإنما عنت الادارة فوعدني الأستاذ صالح رحمه الله بان يفعل ما طلبت، ومن هنا كان لابد لي من طباعة كمية إضافية للمطلوبة واحتفظ بها للتوزيع بالخرطوم بعد تسليم تلك العربة مقررها من الكتاب وأمرت بطباعة إضافية. ثم عاد إلىّ مرة أخرى وفد الشباب الاريتري وأبلغته بفكرتي تلك وبحمد الله قد وافقوا عليها. وهكذا سلمت او نفذت أمر ذلك الملحق بتسليم عربته كمية الكتاب المقررة لها وبمجرد إنطلاقها وقبل تخطيها حدود مدينة الخرطوم كانت الكمية الإضافية من الكتاب قد وصلت إلى المكتبات وإلى جانبها صحيفة اكتوبر التي تتحدث بصفحتها الاولى عنه وعن مخابئه. ترى ماذا كان حالي وموقفي وقتها؟ وهذا ما حدث فقد عشت لامر في حالة من الخوف والهلع كما كان هنالك حديثاً مع صحيفة اكتوبر ولكنها كانت بجانبي. وهكذا كانت حكايتي مع ذلك الكتاب. وها هي الآن كل من اثوبيا واريتريا قد أصبحتا دولتين جارتين شقيقتين كلٍ تمارس شئونها في أمن وسلام.