هل يتجه قطار التعليم نحو نفقٍ مُظلمٍ؟.. وهل فقدت سلطات التربية البوصلة التي ستنقذ العملية التعليمية من الغرق.. بعد أمواج الصعوبات التي تعيقها، وربما حطمت مجاديفها، تارة بالمناهج العقيمة حسب آراء تربويين، وأخرى بعدم تأهيل المعلمين، ونقص الإجلاس.. وأخيراً «الكتاب» أس العملية التعليمية.. بعد خصخصة هيئة التربية للطباعة والنشر وإيلاء عملية طباعته لشركة خاصة، «الرأي العام» استنطقت كل ذي صلة بالعملية التعليمية حول جدوى عملية الخصخصة، وهل يمكن ان تكون المنفذ الذي يمكن العبور خلاله الى حل المعضلة؟، أم مدخلاً لمشكلة أكبر وافتقار القرار لاستراتيجية الحل النهائي، والتقت بعدد من العاملين بالهيئة ووزارة التربية والتعليم. ............................................................................................................................... توقيت سيئ طفت أزمة الكتاب على السطح في بداية العام الدراسي الجديد «2008 - 2009م» بشكل بات يهدد العملية التعليمية ونجاح السنة الدراسية الجديدة، ودفعت نقابة العاملين بالتربية والتعليم الى التهديد بالإضراب. لم تكن الأزمة وليدة عوامل «مادية» كما السابق، لضعف إمكانيات المحليات، والولايات التي كانت تعجز في الحصول على حصصها سنوياً بالعاجل، وتلجأ للآجل الى حين تحسن أوضاعها. بل برزت في وقت تتكدّس فيه الكتب بمخازن هيئة التربية للطباعة والنشر، وهيأت الولايات والمحليات أوضاعها لصرف حصصها. إلا أن قرار خصخصة الهيئة ومنعها من الطباعة وتوزيع الكتب أربك برنامج وصول الكتب بالنسب المعلنة من المحليات. وتأخرت غرفة الطباعة والتغليف التي تسلمت عملية طباعة الكتب لعدم استلامها الأصول حسب حديثهم. القرار إن كان قانونياً ويلزم تطبيقه إلا أنه لم يأت في الوقت المناسب. هكذا ابتدر احد خبراء التعليم مُعللاً ان إصدار مثل هذا القرار لخصخصة مؤسسة مثل هيئة الطباعة والنشر التي تتحمل مسؤولية طباعة الكتاب المدرسي دون سواها خطأ كبير، وكان لابد من الانتظار قليلاً حتى يتم تسليم الكتب للمحليات والولايات والمدارس الخاصة حتى لا يتعطل العمل في المدارس بسبب الكتاب الذي يعتبر الأساس الأول في العملية التعليمية. فهذا القرار مرفوض في هذا الوقت جملة وتفصيلاً. رأي خبير التربية يؤكده حال مدارس الولايات التي تعاني من ندرة الكتاب أو عدم وجوده نهائىاً، وكذلك بعض الفصول في مدارس ولاية الخرطوم لم تتسلم كتبها حتى الآن. وفي جولة ل «الرأي العام» في بعض المدارس بولاية الخرطوم اتضح بأن الصف الأول لم يتسلم كتبه حتى الآن، وكذلك النسبة التي تسلمتها المدارس لمقررات بقية الفصول ضئيلة جداً. أخطاء مطبعية مدارس ولاية الخرطوم كانت أكثر حظاً من غيرها من الولايات الاخرى في الحصول على حصصها من الكتاب المدرسي، وحسب مصادرنا في الولايات فما زالت المدارس في الولايات تعانى من ندرة الكتاب المدرسي لكل الفصول في مرحلة الأساس. ولم تتحصل على حصصها من الكتاب «الجديد» في هذا العام. يقول مدير مرحلة تعليم الأساس بمحلية نهر عطبرة إنه لا مقارنة بين الكمية المتوافرة لدينا وعدد التلاميذ، مشيراً إلى ان المحلية لم تتمكن من الحصول على الكتب هذا العام، وقاموا بتوزيع الكتب الموجودة في مخازنهم من السنوات الماضية. وفي السياق كشف معلمون بالولايات أخطاءً قاتلة في المقررات الموجودة في المكتبات، حيث تحدث احد المعلمين ل «الرأي العام» قائلاً: إن الأخطاء المطبعية الموجودة في الكتب التي تباع في المكتبات قد تؤثر سلباً على التلاميذ الذين يقتنونها، وأضاف بأنهم في مدرستهم منعوا التلاميذ من شراء هذه الكتب. ومن الأخطاء الموجودة: التنوين والترقيم وهي من أهم الأشياء التي تلقن التلاميذ الحروف بصورة سليمة. وفي هذا يقول مدير إدارة تعليم الأساس بإحدى المحليات إن أغلب الكتب الموجودة في السوق ليست من إنتاج هيئة التربية للطباعة والنشر وقال: أشك إن هذه الكتب مصورة من كتب بصورة عشوائية. معلمون وتربويون يرون بأن عدم وجود الأصول المعتمدة من إدارة المناهج، خروج من خط النجاح وإشارة سالبة لسير العملية بصورة صحيحة. بينما تحدث أحد فنيي مطبعة هيئة التربية للطباعة والنشر بأن بعض الجهات تقوم بطباعة الكتاب خلاف المعايير المعروفة عالمياً ويعيبها التبويب المناسب الذي يجعل عملية الإطلاع مريحة للتلاميذ. كما أنها تفتقد الى الجودة من حيث الورق المستخدم. وفي إستطلاعنا لمعرفة إتجاهات مسؤولي التربية في الولايات عن إمكانيات الولايات في توفير الكتاب المدرسي على نفقتها الخاصة قال الاستاذ محمد أحمد مدير إدارة تعليم الأساس إن المحليات تعجز عن توفير أقل المعينات مثل الطباشير «مثلاً» فكيف تستطيع توفير الكتاب المدرسي؟!.. وحسب حديث مدير إدارة تعليم الأساس، يقول مدير مدرسة - رفض ذكر اسمه - بأن المحلية وفرت له «4» كتب فقط في المادة الواحدة. وبقية التلاميذ يشترونها من المكتبات على نفقتهم الخاصة. وأثار خصخصة هيئة التربية للطباعة والنشر جدلاً واسعاً في الأوساط التربوية ما بين مؤيد بحجة «توفير الكتاب المدرسي» ورافض بمبررات كثيرة أهمها عدم خبرة الشركة الخاصة في طباعة الكتاب المدرسي الذي يتطلب قدراً كبيراً من الحرص وآليات رقابة وجمع وتصحيح. وخطورة إيلاء عملية طباعة الشهادة السودانية لجهة غير حكومية وقد لا تخضع لمساءلة وانتفاء الأمانة. بحكم أنها عملية تتطلب غاية السرية والأمانة المطلقة. نقابة الهيئة وحملت نقابة العاملين بالهيئة وزارة التربية والتعليم تأخر عملية توزيع الكتب على المدارس بالقرار الذي صدر بخصخصة الهيئة وإىقاف عملية الطباعة والتوزيع في الوقت الذي يتوافر في مخازنها. وحذرت من إسناد عملية طباعة إمتحانات الشهادة السودانية للولايات، معللة بأن هذا الأمر يتطلب قدراً كبيراً من الخبرة والأمانة، واستشهدت بأنه في عهد الرئيس السابق «جعفر نميري» التي أولت المطبعة الحكومية عملية طباعة الشهادة السودانية أدى إلى تسريب العديد من الأسئلة قبل وصولها للمدارس مما دفع الحكومة الى إعادة أمر الطباعة لهيئة التربية للطباعة والنشر. وقال عضو في النقابة إن العاملين بالهيئة لم يتسلموا حقوقهم حتى الآن حيث تم إلغاء «166» وظيفة. وأضاف: إن العاملين هم الذين طوروا مطابع الهيئة بإخلاصهم وتفانيهم في العمل. مسؤولية الولايات وعكس آراء البعض في أن عملية طباعة الكتاب المدرسي يجب ان يكون على مسؤولية وزارة التعليم العام، إلا أن الدكتور «الطاهر حسن الطاهر» مدير إدارة الإحصاء والتخطيط بوزارة التعليم العام يقول: «أمر الكتاب المدرسي من اختصاص الولايات على أنها تعلم كمية حاجتها». فيما قال الدكتور «حامد محمد إبراهيم» وزير التربية والتعليم العام بأن الدستور الانتقالي يلزم الولايات بتحمل نفقات طباعة حاجتها من الكتب.. سألته إذاً ما دور الوزارة في الكتاب المدرسي؟ - الوزارة مسؤوليتها تأليف ووضع المناهج فحسب، وعلى أية ولاية تحمل نفقة الكتاب سواء بشرائه من السوق أو طباعته. ? مسألة تحمل الولايات نفقة الكتاب المدرسي قد يزيد من رهق التلاميذ. وإن كان ينص عليها الدستور الانتقالي. وكما جاء على لسان مدير إدارة مرحلة الأساس بإحدى الولايات، فالولايات لا تتحمل توفير أبسط الأشياء فكيف عليها توفير الكتاب المدرسي؟! - يرد قائلاً: الظاهر من القرار أن العملية التعليمية في طريقها للتدهور، وتساءل: كيف للدولة ان تُحمِّل الولايات نفقة الكتاب المدرسي وهي تعلم جيداً إمكانيات الولايات. واعتقد أن هذا اتجاه لتحويل الكتاب المدرسي الى سلعة تجارية. وهذا سيضر كثيراً بالمستوى الأكاديمي للطلاب الفقراء.. واعتقد أن معظم الطلاب فقراء ولا يمكنهم الحصول على الكتاب على نفقتهم الخاصة. وفي السياق رفض الدكتور معتصم عبد الرحيم وكيل وزارة التربية التعليم العام تسمية إىلاء نفقة طباعة الكتاب المدرسي للولايات «بأنه سلعة تجارية»، وقال إن الولايات والمطبعة التي تقوم بطباعته هما سيحددان سعر الكتاب. وعلى كل ولاية توفيق أوضاع طلابها الفقراء. ونفى الحديث الذي يدور حول تحويل امتحانات الشهادة السودانية الى ولائية، وقال إنه غير وارد البتّة.