ناس المؤتمر الوطني اتبعوا سُنّة، أو عادة نستعملها نحن السودانيين عندما نريد توصيل خبر، خصوصاً الأخبار المحزنة؛ «كالموت» مثلاً، فالبداية تكون.. إنت عارف فلان أو فلانة عيان، وبعدها يقال لك فلان تعبان شوية، ثم يقولون لك دخل العناية المكثفة، وبعدها النبض ضعيف، ثم القلب توقف، ولكن اشتغل تاني، وأخيراً يبدأ الحديث عن أن الموت حق والحياة باطلة، وأخيراً «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ويرموها ليك «دود»، فلان مات، لتبدأ دراما الثكلى والعويل والصراخ، إلى آخر طقوس العزاء، التي بعد الدفن مباشرةً تتحول إلى جيبوا الخضار واللحمة وملاح القرع والكسرة والفول، إلى آخر البرنامج الذي يكون فيه الضحية الأساسي هو المرحوم. ناس المؤتمر الوطني وزعوا أدوار حكاية الانقلاب بطريقة عجيبة جداً، بدأت بأن هناك محاولةً تخريبيةً «وهي أصلاً خربانة» ثم بدأت توزيع الاتهامات، والإعلان عن بعض الأسماء التي تم اعتقالها والتحقيق معها، إلى أن «وسّعت» الحكاية، وبدأ الحديث عن أن الموضوع ليس محاولة تخريبية، بل انقلابية ببيانها رقم «1»، الذي روج إلى أنها«ثورة تصحيحية» كانت تبحث لها عن رأس يقودها، ولكنها لم تجد الرأس، ولم تنفذ بجلدها. جماعة المؤتمر الوطني كانوا متسرعين في كل المواقف التي تستحسن «التدرج»، ولكن بالعكس تماماً في حكاية الانقلاب كانوا متدرجين لدرجة «قف»، وإيقاعهم بطيء جداً في الإفراج عن المعلومات المتعلقة بهذه المحاولة، حتى تركوا المجال للإشاعات التي تفيد بأن فلاناً مشارك، وعِلان كان يعرف، ووصلت الإشاعات إلى أن السيد وزير الدفاع مشارك، ومدير جهاز الأمن محمد عطا مشارك ومختفي، بينما كان هو في تشاد وبشرى الصادق «مشترك» وهرب إلى القاهرة، إلى آخر الإشاعات، والتي لم يكن اسمي من بينها.. بكل أسف، والجايات أكثر من الرايحات.