ü سمعنا مرة واثنتين وثلاث ورباع عن «محاولة تخريبية»، لكننا لم نفهم شيئاً، فأصبحنا نحن المراقبين من منابر الصحافة بمثابة «شاهد ما شافش حاجة».. أو شاهد «ما فهمش حاجة» جرياً على عنوان مسرحية عادل إمام الشهيرة. ü في «المحاولتين التخريبيتين» ان يكون الشهيرتين المنسوبتين للدكتور حسن الترابي وأعوانه في المؤتمر الشعبي تم اعتقال الترابي وفي إحداهما غادر المتهم الرئيس أحد معاوني الترابي البلاد.. ثم عاد وبقي فترة قبل أن يغادر «الشعبي» إلى «الوطني» ومن ثم يصبح بعد فترة «نائباً للرئيس»، لكننا أيضاً لم نفهم كيف يمكن لمتهم ب«محاولة تخريبية» نائباً لرئيس الدولة التي كان ينوي «تخريبها»، إذا ما صح الاتهام!.. مثلما لم نفهم شيئاً عن الأهداف المحددة للمحاولة ولم تتكشف الحقائق حتى بعد إطلاق سراح المتهمين. ü ما يعنيني في هذه «الإضاءة» هو محاولة «فهم» أو «تأصيل» المصطلح الذي تكرر استخدامه من قبل السلطات دونما شرح أو توضيح لأبعاده الحقيقية ومعانيه، وما علاقة «المحاولة التخريبية» بجارتها اللفظية «المحاولة الانقلابية»، ما الذي يجمع بين المحاولتين وما الفرق بينهما؟! ü فإذا ما ركنا إلى «اللغة»، التي تستخدم «التخريبية» في وصف المحاولة وتنسبها إليها، فسنفهم أو نقدِّر أن الهدف من «المحاولة» هو القيام بتدمير منشآت حيوية أو بنى تحتية أو إستراتيجية أو حتى تصفية أشخاص بعينهم يرى المحاولون التخريبيون» ضرورة التخلص منهم.. ولكن يبقى السؤال والغموض و«عدم الفهم» قائماً لدى المراقب مثلي.. سؤال لماذا؟.. ما الهدف من هذه الاستهدافات؟! ü هل هو تعديل مسار الحكم وإصلاحه، إذا ما حاولنا فهم «المحاولة التخريبية» من منظور سياسي، وهل يمكن أن يكون «التخريب» مدخلاً «للإصلاح» والتصحيح، لتصبح المحاولة في هذه الحالة هي محاولة «تصحيحية» كما فعل حافظ الأسد في سوريا سبعينات القرن الماضي، حافظ على النظام البعثي ولكنه جيَّرهُ لمصلحة أصدقائه وشيعته وأسرته عبر ذلك الانقلاب الذي أسماه «الحركة التصحيحية» عوضاً عن «الحركة الانقلابية». ü هل «المحاولة التخريبية» هو تعبير من قبل السلطات المعنية بالمحاولة للتخفيف من وقع الحقيقة الصادمة، بينما الأمر في جوهره هو «محاولة انقلابية» صادفت الفشل المبكر وتم اكتشافها في الوقت المناسب لاجهاضها ورأى من قاموا بعلاج الموقف الاكتفاء في الإعلام والاتصال الجماهيري بالقول إنها «محاولة تخريبية» للإيحاء بأن النظام القائم أقوى وأمنع من أن «يُنقلب عليه» وأن ما يفعله هؤلاء هو نوع من «التخريب» كذاك الذي يفعله الأطفال عندما يعبثون أو يحاولون العبث بمحتويات بيتهم الكبير.. وبذلك يطمئن الناس وتستأنف الحياة سيرتها الأولى بعد اكتشاف «المحاولة التخريبية» والإجهاز عليها واعتقال قادتها ومديريها وهي لا تزال في طور «الاتصالات» كما قال د. قطبي المهدي في أعقاب اجتماع المكتب القيادي للحزب الحاكم، مفارقاً- حتى لا نقول مناقضاً- بذلك إفادات د. أحمد بلال وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن «ساعة صفر المحاولة» كان مقرراً لها «الخميس» السابق «للخميس» الذي عقد فيه مؤتمره الصحفي للإعلان عن المحاولة التي تم تأجيلها لذلك اليوم، أي لمدة أسبوع واحد، ما يوحي بأن الأمر تعدى مرحلة «الاتصالات» إلى تقرير ساعة ولحظة التنفيذ. ü د. أحمد بلال في مخاطبته الأولى طرح أسماء معروفة ومعلومة بمواقعها السابقة أو الحالية في نظام الحكم ومؤسساته، لكنه لم يشفِ غليلنا بأي مؤشرات دالة على أهداف أصحاب المحاولة، وفتح بذلك الباب واسعاً للتخمينات والتكهنات والإشاعات، التي أصبحت مادة خصبة للصحافة وللتقولات، فمنهم من اتصل على من طالتهم الشائعات ونفى، وبينهم رموز كبيرة في النظام الحاكم، ومنهم من نسب الأمر كله لمؤتمر الحركة الإسلامية الأخير وما دار فيه، والتفسير الوحيد الأقرب إلى المنطق والذي يستند إلى حصيلة أكاديمية وخبرة لصيقة بالحركة الإسلامية وما يجري فيها هو ما أدلى به بروفيسور الطيب زين العابدين لجريدة «الصحافة»- عدد الأحد 25 نوفمبر- والذي قال فيه: إن الحدث يدلل على تآكل النظام الحاكم من داخل القلب الذي يعتمد عليه، خاصة وأن «التحرك» قد نفذ من قبل عسكريين إسلاميين، بجانب أن مؤتمر الحركة الإسلامية أظهر تمرداً واضحاً لمجموعة الإصلاحيين.. وأضاف: إن محاولة الحكومة إسكات الأصوات الإصلاحية وإسقاط رموز الحركة في المؤتمر الأخير ولجوئها لأعضاء الولايات لتغريهم وتهددهم للوقوف مع خطها، خلق أرضية لذلك التحرك لا سيما أنه جاء بعد انقضاء المؤتمر واستجلاء المواقف، ويؤكد زين العابدين أن اكتمال ساعة الصفر يعني أن العدد كافٍ لتنفيذ «الانقلاب».. لاحظ «الانقلاب» وليس «المحاولة» التخريبية. ü وبرغم قرب حديث بروفيسور الطيب إلى المنطق، كما سبقت الإشارة، خصوصاً في توصيف الحدث بأنه «محاولة انقلاب» وليس «محاولة تخريبية»، إلا أنني أشعر بأن الإعداد لانقلاب لا يمكن أن يكتمل في غضون الأيام القليلة الفاصلة بين انقضاء مؤتمر الحركة وموعد الإعلان عن «المحاولة» التي أسمتها السلطات الرسمية «تخريبية». ü خلاصة القول، وبما أن كل التخمينات والتكهنات والتحليلات ذهبت إلى أن ما جرى سابقاً ولاحقاً هو «صراع داخلي» بين رموز وقادة النظام الحاكم ومتنفذيه، فإن أمر هذا «الصراع» قد لا يعني المواطن السوداني كثيراً، إذ أن أطراف هذا الصراع متفقة من حيث المبدأ على الكيفية التي يجب أن تحكم بها البلاد، لكنهم قد يختلفون في «التفاصيل والممارسات» وربما في الاستحقاقات الشخصية والطموحات الذاتية. وربما.. ربما يكون هذا هو السر وراء تسمية هذه «المحاولات» بأنها «محاولات تخريبية» وليست «انقلابية».. فهل نقول إنها «تخريبية» لأنها «تخرِّب» على من بيدهم مقاليد السلطة الآن، وهي ليست «انقلابية» لأنها لا تريد تغيير نهج النظام وقواعد الحكم؟.. الله أعلم!