سليمان الفكي عبدالكريم * كل منكم يريد أن ينسب البطولة لنفسه، الذي بداخل الحلبة وخارجها ، ونحن في هذه الحالة لنيف وخمسين سنة بعد الاستقلال، فكان بعض الأوائل منا قد فتنوا بالغربيين قلباً وقالباً وظلوا يقلدونهم في كل شئ، في ملبسهم ومشيتهم وفي نبرة كلامهم ولكنهم فشلوا في أن يقلدوهم في نهجهم الإداري وممارساتهم في السلوك الديمقراطي الذي مكنهم ليسودوا العالم . * عرفنا السياسة إثر قتل الزعيم الإفريقي باترس لوممبا ونحن على أعتاب المرحلة الثانوية وإلى يومنا هذا ، نتابع الأحداث السياسية العالمية منها والمحلية عبر الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية ، ولكن ما سمعنا يوماً أو رأينا انقلاباً عسكرياً وقع في بلاد غربية أو حتى مجرد محاولة إنقلابية لقلب نظام دستوري قام بها مجموعة من الضباط في أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا أو سويسرا أو أي بلد غربيٍ آخر حتى بالدول الاسكندنافية. * فلماذا نحن نقلد الغربيين في حضارتهم وثقافتهم ولا نقلدهم في ممارسة الديمقراطية وأنظمة الحكم ، لنأخذ منهم الدروس والعبر في الإدارة والمسائل السياسية الأخرى مع أن رسولنا العظيم يقول : «الحكمة ضالة المؤمن أخذها أنى وجدها». * كل يريد أن يحكم السودان، ولكن لا يفكر في أنه كيف يحفظ حق الشعب ويحفظ له كرامته بحيث لا يكون في حالة فقر وعوز، فيضل الطريق في سلوكه وأخلاقياته التي تقود إلى الإستقرار النفسي والإنتاج الذي يدفع بالتنمية إلى الأمام. * هل بالشعارات وحدها يمكنهم أن تحكموا بلداً وهم بعيدين بعد المشرقين عن الجادة ويخوفهم أي بعبع من حولهم؟ * هل يفكر ساستنا ، كيف يطورون هذه البلاد وكيف يتم تنشيط موارد التنمية بشرية كانت أم اقتصادية ، لترقي الأمة السودانية ، وتلحق بمراتب الأمم الراقية المتقدمة التي نقلدها في لبس البدل وربط العنق ، وهل هؤلاء الذين نقلدهم يحتارون في كيف يتحصلون على قوت يومهم الضروري ، ويفقدون عنصر الصحة والتعليم ؟ * السودان بخراته الوفيرة وموارده الجمّة وأراضيه الخصبة ومياهه العذبة ، يعاني من نقص في المدخلات الزراعية وآليات الري الصناعي ويفقد سنوياً آلاف الأطنان من المحصولات المختلفة بسبب الشح في المدخلات والآليات والمبيدات ، والدولة عاجزة عن توفيرها ، وعن تطوير الوسائل لنخرج من دوامة عدم الإنتاج الذي يؤثر سنوياً على الاقتصاد الوطني ، والحكومة والمعارضة ، تلتان وتعجنان في عمليات جدواها المباغضة والاتهامات التي لا تفيد عامة الشعب في شيء. * فالصادق المهدي المتلهف دائماً وأبداً للحكم منذ أن عرفناه وهو مثل المتنبيء في حياته بدأ يناكف وينازع الآخرين في الحكم وهو ابن 29 سنة ، أصر وألح لقيادة السودان على أساس أنه حفيد المهدي ، وشتان بينه وبين جده المهدي في جهاده وطلبه للحكم. * إن الدستور آنذاك حال بينه وبين الحكم ، فاجتاز العقبة بأن عدل له الدستور فأصبح رئيساً لمجلس وزراء السودان رغم أنف من أبى ورضى طموحه رغم أنه كان لا يدري ماذا يصنع بالأمة السودانية؟ . * فكان إنجازه الوحيد أن ملأ الآفاق بكلمات ما كانت معروفة لدى الكثيرين مثل «السندكالية» وغير ذلك من الألفاظ التي لم يستفد منها أحد ، كما أكثر من استعمال كلمة «ينبغي» فانبغى له أن يفارق الرئاسة مكرهاً وفرّ بجلده كفرار الزئبق من البنان ، ولم يعد إلا بعد معاناة ومناكفات فشل فيها ، وعاد إلى السودان مهزوماً بالشروط التي أمليت له من قبل الحاكم آنذاك. * ثم بعد فترة خرج الصادق من السودان مر ة أخرى خائفاً يترقب وبات يتجول في بلاد الله كالملك «الضِليل». * اهتدى فلم يثمر الإهتداء ولم يتحقق المراد وفكر في أن يغير «التايتل» Title من السيد إلى الإمام فناكف من أجل هذا حتى صار إماماً للأنصار تمهيداً لأن يكون إماماً لأهل السودان قاطبة ، ولم يحسب للعمر ولا الأجل ولا المتغيرات المستقبلية. * ولما كان الهدف الأساسي هو الوصول إلى الحكم ، ولما استيئس منه خلص نجياً ودفع بابنه إلى القصر علّ إبنه يمهد له الطريق إلى القصر فهل إلى دخولٍ من سبيل ؟ * أما الطائفة الأخرى ، فهم على العهد من وصية جدهم «الفتة» كان حارة ما تقربوها يا أولادي ، وقد كانت فتة السودان حارة منذ عهد بعيد ولما بردت مدوا إليها أيديهم، ولكن يا للأسف فإن الفتة فيها «دنقابة» فاكتفوا بالفليفر Flavor ) رغم أن الفليفر يهيج الغريزة ولكنه لا يسمن ولا يغني من جوع . * وأنهم انشغلوا بأشياء أخر وهم ينظرون للموقف من طرف خفي ، إذ أن مآل الشعب لا يعنيهم كثيراً ، وأن المناكفات في بعض الأحيان لم تكن من أجل الشعب الذي لا يساوي عندهم جناح بعوضة ، إذ الأصل عندهم الحارة متروكة حتى تبرد ، فإن بقي منها شيء فهم شركاء في البارد . * أما المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية فهما كما في المثل «أنا آكل هنا وانتظروني هناك» فقد شعر المؤتمر الوطني أن كل الحسابات لا تصب لصالحه مستقبلاً ، فكان لابد أن يقحموا البديل «الحركة الإسلامية» في اللت والعجن ، فإن صحة التجارة «المرة والحمارة» وإن خسرت كفانا الحمارة. * ففي كلٍ الخاسر هو الشعب السوداني ، ومهما كان اللت والعجن فإنه لا يمكن إقامة دولة مستقرة اقتصادياً وأمنياً إلا في ظل حكومة رشيقة تقودها عصارة السودانيين العلماء والعقلاء من ذوي الإختصاصات، وأن يكون معيار الإختيار هو العلم والصدق والأمانة ونكران الذات وحب هذا الوطن وشعبه وأن حواء السودان قد ولدت. * هذا وأن اللت والعجن مع وجود سياسات الترضية بالمناصب «قبلياً وجهوياً» لا يقدم السودان ونظل في حالنا بل نرذل كل عام مالي جديد ليقبل علماء الاقتصاد بعضهم بعضا يتلاومون والجمرة يطؤها الشعب ، وكل المعالجات الاقتصادية تذهب في مخصصات الدستوريين . * قولوا بربكم هل سمعتم بالعالم حاجة اسمها وزير وزارة مجلس الوزراء؟ * السودان الآن وبعد الانفصال لا يحتاج إلى أكثر من إحدى عشرة وزارة إتحادية بكل المقاييس وعلى رأس كل وزارة وكيل «نجيِّض» وكفاية من الرفاهية الوظيفية. والله المستعان