لا يقوم النص الروائي الحديث على ما هو مكتوب ومنطوق فحسب، بل يقوم أيضا على علامات لغوية وأخرى غير لغوية تشكّل فضاءه وتؤثّثه. ذلك أنّ فضاء النص موزّع بين المكتوب والمساحات العذراء، الصّامتة التي لم يطلها الخط الطباعي بعد، ولكنّها مع ذلك، ظلّت محمّلة بدلالات لا تبوح بها إلاّ بعد عناء التفسير والتأويل. I-في معرفة الفضاء النصّي: يعدّ الفضاء من المصطلحات النقدية التي عمّقت اشتغال الدّراسات الحديثة، فنوّعت في مفاهيمه وتعريفاته منها: الفضاء المكاني-الجغرافي l'espace géographique والفضاء البصري- الطباعيl'espace textuel والفضاء الدّلاليl'espace sémantique. وقد ذهب «هنري ميتران» H, Mitterrand)) في ذلك إلى أنّه «لا وجود لنظرية مشكّلة من فضائية حكائية، ولكن هناك فقط مسار للبحث مرسوم بدقّة، كما توجد مسارات أخرى على هيئة نقط متقطعة». ويبدو اهتمام الشعرية poétique من أبرز البحوث الجادة التي عملت على تطوير مصطلح الفضاء، «فانصبّ اهتمام (الشعريين) خصوصا على دراسة الفضاء الروائي الذي قصدوا به المكان الذي تجري فيه القصّة، وليس الفضاء الألفاظ أو الفضاء الطباعي كالبياضات والجداول والهوامش...». ذلك أنّ الفضاء ليس المكان الذي تدور فيه المغامرة المحكية فقط، بل هو أيضا أحد العناصر الفاعلة في تلك المغامرة نفسها، إنّه «ذلك المكان الذي تصوّره قصّتها المتخيّلة». فهو بهذا المعنى، شبكة من العلاقات والرؤيات ووجهات النظر التي تتضامن مع بعضها البعض لتشييد الفضاء الروائي الذي ستُجرى فيه الأحداث. وقد أشارت جوليا كريستيفا (J. Kristeva) إلى علاقة الفضاء بالدّلالة الحضارية التي لا تنفصل عن دلالات المكان، وهي دلالة متكيّفة مع العصر أو الطابع الثقافي الغالب أو ما أسمته ب»الإديولوجيم» idéologème مؤكّدة على ضرورة دراسة الفضاء في علاقته مع غيره من النصوص المتناصّ معها. وقد ميّز حميد لحمداني بين الفضاء والمكان معتبرا أنّ «الفضاء أشمل وأوسع من معنى المكان. والمكان بهذا المعنى هو مكوّن الفضاء. فالمقهى، أو المنزل، أو الشارع، أو السّاحة، كلّ واحد منها يعتبر مكانا محدّدا، ولكن إذا كانت الرواية تشمل هذه الأشياء كلّها، فإنّها جميعا تشكّل فضاء الرواية». وعلى هذا الأساس يعتبر الفضاء الروائي مجموع الأمكنة المتواجدة في النص وإطارها المتحرّك. وفيه تتّسع دلالاتها لتشمل الإيقاع المنظّم للأحداث، ووجهات نظر الشخصيات، لأنّ الفضاء يسمح «للحدث بأن يتجلّى تدريجيا وقد يغدو في بعض الروايات أداة بنائية، وعاملا حقيقيا يتوقّف عليه الحدث الروائي نفسه». فالفضاء يتسع «ليحتوي أشياء متباينة ومتعدّدة، لا حصر لها بدءا من المساحة الورقية التي يتحقّق عبر بياضها جسد الكتابة، إلى المكان والزمان، الأشياء، اللّغة/الأحداث، التي تقع تحت سلطة إدراكنا عبر أنماط السّرد، والتي تجسّد عالم الرواية». لذلك فهو يتجاوز المساحات المكانية وما تؤمّ من شخصيات وأحداث إلى المساحات الورقية وما يرسم عليها من خطوط وأحرف طباعية تدعى بالفضاء النصّيl'éspace textuel الذي اعتبره الباحث الروسي يوري لوتمانYouri lotman «مجموعة من الأشياء المتجانسة من الظّواهر، أو الحالات، أو الوظائف، أو الأشكال المتغيّرة، تقوم بينها علاقات شبيهة بالعلاقات المكانية المألوفة العادية مثل الاتصال، المسافة...، هذا وقد بيّن الباحث حسن بحراوي أنّ الألفاظ قاصرة عن تشييد فضائها الخاص، بسبب طابعها المحدود والناقص بالضرورة، وهو أمر يجبر الكاتب على تقوية سرده بوضع طائفة من الإشارات وعلامات الوقف في الجمل داخل النص المطبوع، «وهكذا فنتيجة التقاء فضاء الألفاظ بفضاء الرموز الطباعية ينشأ فضاء جديد هو الفضاء الموضوعي للكتابL'espace objectif أي فضاء الصّفحة والكتاب بمجمله، والذي يعتبر المكان المادي الوحيد الموجود في الرواية حيث يجري اللّقاء بين وعي الكاتب ووعي القارئ. وفي هذا الاتجاه أيضا برزت عدّة دراسات حول فضاء النص من خلال تحليل العنوان أو الغلاف أو المقدّمات وبدايات واختتام الفصول، والتنويعات الطوبوغرافية المختلفة، وفهارس الموضوعات...». فالفضاء النصي إذن هو ذلك الفضاء الذي تشغله الكتابة باعتبارها أحرفا طباعية موزّعة على صفحة النص «ويشمل ذلك طريقة تصميم الغلاف، ووضع المطالع، وتنظيم الفصول، وتغيّرات الكتابة المطبعية وتشكيل العناوين وغيرها». ويرى حميد لحمداني أنّ «الفضاء النصّي ليس له ارتباط كبير بمضمون الحكي، ولكنّه مع ذلك لا يخلو من أهمّية، إذ أنّه يحدّد أحيانا طبيعة تعامل القارئ مع النص الروائي أو الحكائي عموما، وقد يوجّه القارئ إلى فهم خاصّ للعمل». فالفضاء النصي يرتبط ارتباطا شديدا بالقارئ، إذ يوجّه مساراته ويضيء له بعض الغموض الذي ظلّ يكتنف النص، كما يعدّ الفضاء النصي فضاء مكانيا، لأنّه لا يتشكّل إلاّ عبر مساحة النص، «غير أنّه مكان محدود ولا علاقة له بالمكان الذي يتحرّك فيه الأبطال، فهو مكان تتحرّك فيه عين القارئ، هو إذن بكلّ بساطة فضاء الكتابة الروائية باعتبارها طباعة». لكننا نرى أنّ الرواية الحديثة -رواية التجريب تبني رموزها لتعيد تشكيل أدبيتها وتجسيد رؤيتها وتأسيس جماليات جديدة تعتبر من علامات الرواية الحديثة، «لأن الفضاء إذا خرج عن حدود التأطير الظّرفي المادي وعن آليات التركيب الهندسي ومقاييسه خرج بذلك من صمته إلى رحب المعاني والأفكار البسيكولوجية والمستويات الإيديوليجية والقيمية». وبهذا المعنى يتحوّل الفضاء النصّي في الرواية إلى علامة ارتكاز أساسية، تقدّم رموز عالم بأكمله تملأه الأصوات المختلفة الدالة عن الإنسان الذي أصبح بدوره «مخذولا حائرا، فقد سيطرته على الفضاء وعلى الأشياء من حوله». كما تقدّم رؤية الفضاء النصّي مفهوما يعبّر عن حداثة الرواية، لأنّ «الروائي يصنع الفضاء ولا ينقله، فهو يصنعه أولا في ضوء منظوماته الدّلالية، فيجعله مجسدا للأفكار، رامزا إلى القيم، وثانيا في ضوء خطته الفنية، فيجعله متفاعلا مع الفضاءات الأخرى ومع الشخصيات والأحداث، معدّدا لصوره ومنوّعا لأوضاعه». فرواية القيامة...الآن، وهي رواية تجريبية بامتياز، قد اتخذت شكلا معماريا مختلفا سواء عن الشّكل التقليدي أو الشّكل المعاصر للرواية العربية، اتخذت شكل القصيدة بأسطرها القصيرة المنثورة. فهي النص النثري الشعري الذي تجاوز ثوابت النصين ليحمل معاييره فيه، فهو خالقها وجاعلها تتأبّى عن التنميط، لانفلاته من أسر المعايير المألوفة، تستدعي قراءة بصرية وأخرى حدسية وثالثة تخييلية ورابعة قداسية هي قراءة القراءات. ومن ثمة يمكن توليد دلالات لا حصر لها تعكس وتجسّد الإحساس بما وراء النص. وهو ما عمّق متعة الفن الروائي، وزاد من حرية الكاتب إثر تشكيله لنصه، ممّا ساهم في اتساع أدوار الفضاء النصي لخدمة المكان الروائي المتخيّل وأضفى مجموعة من الدّلالات المؤثرة والإشارات المساعدة على تخيّل المكان بأبعاده المختلفة. ولعلّ ذلك يدفعنا إلى التساؤل عن كيفية تشكيل الفضاء النصي داخل الرواية؟ وهل أن ذلك من قبيل العادي التقليدي أم يتجاوزها فيتحوّل الفضاء النصّي إلى رموز ودلالات؟ نواصل -- التنوير المعرفي يحتفل باليوم العالمي للفلسفة احتفلت دائرة الفلسفة في مركز التنوير المعرفي بالخرطوم يوم الخميس باليوم العالمي للفلسفة والذي أقرته اليونسكو سنوياً، وجاءت الاحتفالية بالتعاون مع نادي الفكر السوداني وبعض الجامعات السودانية وتخللتها ندوة بعنوان دور الفلسفة في التقارب الثقافي. وقال رئيس الفلسفة في المركز د. الباقر عمر السيد إن الفلسفة مصطلح عرفه أهل اليونان، وأضاف «نحن بحاجة إلى تأصيل المعرفة وتعديل المناهج وفي ثورة التعليم العالي في السودان نجد أن هنالك تغيير كمي وليس نوعي وعدم اهتمام من ثورة التعليم بدراسة الفلسفة». ومن جهته أوضح أستاذ الفلسفة بجامعة الخرطوم البروفسير زكريا بشير إمام أن الفلسفة قديماً كانت هي البحث عن الحقيقة والتضحية لها. وختم إمام حديثه بأنه للأسف الشديد في السودان لا يعتبر بالفلسفة ولا بأبنائها ونفتخر بأن مؤسس الفلسفة ومؤسسها من أصول نوبية سودانية (سقراط). -- حضارة (كُكّه).. تاريخ بطعم النيل!! تضم حضارة منطقة (كُكّه) آثار تاريخية تقع على المنطقة الغربية لنهر النيل جنوب غرب مدينة دلقو تحدها من الجنوب مشايخ كجبار ومن الشمال شياخة الترعة ومن الشرق نهر النيل ومن الغرب الأراضي الزراعية الخصبة. وعلى امتداد المناطق في تلك البقاع يتنسم الإنسان عبق الحضارة والتاريخ من حيث دخل الإسلام إلى السودان وفي الجزء الشمالي وبالتحديد بمنطقة (المحس) حيث تبين صور الجمال والأصالة لإنسان بطبعه ميّال للخير والتواصل والمحبة برغم قساوة الطبيعة وصعوبة العيش على مساحة الشريط النيلي. رغم صعوبة الطبيعة الجبلية ولكن الشريط النيلي حسب مايرى مواطنو المنطقة تبرز حضارة الإنسان لأن تاريخ المنطقة قبل (3) قرون كان بها أكثر من (10) خلاوي لامتداد هذه الحضارة وقد هاجر أهلها قديماً لشتى بقاع السودان لتعليم الناس علوم القرآن، وامتداد هذه الحضارة يعود إلى تاريخ الممالك المسيحية التي قامت على ظهر جبل شهير يمتد من الناحية الغربية ومنه قامت أول إمارة إسلامية في السودان في القرن التاسع الميلادي وكانت إمارة تسمى إمارة (كُكّه). ويعتبر قاطنو المنطقة أحفاداً لصحابة وفدوا إليها منذ قديم الزمان ومنهم تعلقت الحضارة في تجلٍ واضح بأستار المكان، وعاشت الممالك وتعاقبت فكانت هذه المملكة هي إحدى أهم السمات المميزة لتاريخ المسيحية والإسلام، ولكن بعض أهل المنطقة يؤكدون أن (كُكّه) هي مملكة إسلامية في الأساس ومن قبل ذلك كانت مملكة (سيسا) المسيحية المنسوبة إلى الملك سيسب، ولها حضارات في عدة مناطق منها (بربه) و(صلب) و(صادنقا) و(كدرمه). والمنطقة بعد الانتعاش الحضاري والتمدد وتحديداً في العصر الإسلامي قامت بتخريج العديد من العلماء الذين انتشروا في بقاع السودان المختلفة وكان أهل المنطقة رواداً لهذه الهجرة التي لم تأت من أجل العمل أو كسب الرزق بل جاءت في سبيل الله وعلوم الدين. جبل سيسا تواجد قديم لعلماء المنطقة في بقاع السودان المختلفة خاصة وسط البلاد نشراً للدين الإسلامي وتعريفاً بالحضارة.. جبل سيسا والذي يحمل كثير من ملامح مملكة (كُكّا) ويعتبر أساساً للحكم لممالك مسيحية متعاقبة يقف شاهداً لمراحل تلك الفترة التاريخية وهو جبل يعود تاريخه إلى أكثر من (2000) عام حسب وثائق كلية الآثار بجامعة الخرطوم، وبه تمتد المباني من الأرض وحتى قمة الجبل، وقامت به أيضاً أول إمارة إسلامية في تاريخ السودان برئاسة الأمير (صالح) وقد امتدت هذه الإمارة إلى أن جاء ملوك (كُكّا) وحكموا بعدها من حدود مدينة دنقلا وحتى منطقة أسوان غرباً وشرقاً إلى أن جاء الاستعمار الإنجليزي الذي حاول تحطيم كافة هذه الإمارات. ملوك كُكّا حكموا من حدود مدينة دنقلا وحتى منطقة أسوان غرباً وشرقاً إلى أن جاء الاستعمار الإنجليزي وتم إنشاء مركز بالمنطقة اختارت له جامعة الخرطوم اسم (مركز السودان للثقافة والسياحة والتراث) لتعليم الأجيال الحالية والقادمة تاريخ المنطقة. ورغم تعدد الروايات والمشاهد والفصول إلا أن جبل (سيسا) لما كان يمتاز به من مكانة مهمة يقف عبرها كمعلم تاريخي إلى يومنا الحالي، يحكي عنه من يجاورونه مكاناً وعلاقة بكثير من الفخر والاعتزاز بأجيال عمّرت الأرض في تلكم الديار. قلعة أخرى من قلاع مملكة (كُكّا) كان يزف منها الملوك وتتعاقب الوفود عليها بطرق مختلفة في التتويج والاحتفال تسمى (بحوش البقر) وتجئ التسمية لكثرة الوفود التي كانت تأتي مهنئة للملوك فيها وكانوا يأتون بماشيتهم وأبقارهم لهذه القلعة احتفالاً بيوم التتويج فأخذ المجتمع ثقافة الغناء على سبيل الماثل بقصائد تصدح في الآفاق بسمات المملكة الإسلامية وتطوراتها في علاقة وجدانية تمتزج فيها المشاعر وتفتتن بها النفوس والقلوب