لعل الكثيرون من أبناء شعبي يظنون أن هذا العنوان صادم بمثل ما صدمهم ميثاق الفجر الجديد الذي وقَّعت عليه كافة القوى السياسية المعارضة , والتي أظن أن الله ما كان ليذرهم يُضللون الشعب بالشعارات البراقة , والعويل والهُتاف على شاطئ الأماني حتى يفضح أمرهم , حيث وضعهم هذا الإتفاق أمام إحد خيارين , إما أنهم جاهلون بالإتفاق وأبعاده , وخلفياته التي أُسس عليها , أو أنهم يعلمون الإتفاق بكل تفاصيله حين صادقوا عليه , ويكونوا قد خانوا الله والوطن والشعب في سبيل خدمة أهدافهم الرخيصة , ومكاسبهم الشخصية . ولكي أزيل الإبهام وما شاكله ليبصر كل صاحب بصيرة من أين يبدأ الإتفاق , وأين ينوي أن يحط رحاله , ولعلمي بالشعب السوداني المعلم , وأنه صاحب كياسة وفطنة , فإني أدعو بالدرجة الأولى عضوية الأحزاب ومنسوبيها من لدن الصف القيادي الأول وحتى القاعدي , لينظروا وهم على حافة الهاوية أي هوة سحيقة تلك التي جرهم إليها الولاء الأعمى , وصدقوني أن الحكومة ما كانت لتطلق تصريحاً واحداً لو أن الإتفاق دعا إلى تجاوز رؤية النظام , وطرح رؤية جديدة للإنتقال الديمقراطي , ولكان هذا من حقهم كمعارضة , في جو ديمقراطي حُر , ولو دعا هذا الإتفاق إلى قيام الأحزاب بدور أكبر من الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي لبناء قاعدة صلبة تؤمن ببرنامجهم وتدعو له علناً , وأنه لمن واجبهم ولباركنا لهم المكاسب . ولو دعا هذا الإتفاق إلى خط جديد في الإدارة , وإعادة هيكلة الدولة , أهدى مما طرحت الحكومة أو أضل لقلنا من حقهم , لكن أن توقع الأحزاب بجهل أو تجاهل على ميثاق يقوم بإلغاء الدولة السودانية بكل تاريخها , وتأسيس دولة جديدة تحت عنوان الفجر الجديد , وبرنامج السودان الجديد , فهذا لا والف لا , وأي سودان هذا الذي عنوانه الفجر الجديد وبرنامج السودان الجديد , هذا البرنامج والذي تعود جذوره التاريخية والثقافية والفكرية إلى عهد الهالك جون قرنق , والذي أسس الحركة الشعبية من بعد دورتها الأولى على برنامج السودان الجديد , ذلك الحلم الذي ظل يراوده ويخطط له ويعمل من أجل تحقيقه , وذلك من أجل سودان يقوم على ركيزتين , نفي الإسلام والعروبة , لكن الغرب الكنسي المتوجس من مد الإسلام , والجرى المتلهف لأن يرث دولة جنوب السودان الوليدة ذات الكنوز , وقيادة الحركة الشعبية التي عاشت على أمل أن تزور البيت الأبيض والاليزيه والكرملين , ما كانت لتذر الدكتور قرنق الطموح أن يمضي في هكذا رحلة . فإتفقوا ثلاثتهم وبدرجات مختلفة على إخراجه من المسرح السياسي , بل مسرح الحياة كلها , وكان لهم ما أرادوا من ( كمبالا ) ثم تعهد أبناءه في الحركة بالإقصاء والتهميش , خاصة الذين ينتمون إلى الشمال من أمثال ياسر عرمان وعقار ومُنظِّر الحركة منصور خالد وآخرين . لكن الغرب البرغماتي والذي يؤسس علاقاته على المصلحة ويقدّس الوسائل التي تحقق الأهداف , أعاد طرح المشروع في سياق جديد , بعد أن إنفصل الجنوب , وصار دولة أرادوا لها أن تلعب دور الأم على السودان الشمالي , فكان إستدعاء برنامج السودان الجديد بمثابة تصالح من أبناء البيت الكبير وجنود الحرب من النوبة الذين دفعوا للحركة الشعبية فاتورة الحرب والسلام , وليكون البرنامج الجديد للحركة الشعبية الذي تخطب به ود مجالس الكنائس العالمية لكي تتلافي خلل الموازنات المضروبة , والشعب الذي عقد في دولة تحت فاتورة الحرب المفروضة , بهذه الصيغة , ثم مشروع السودان الجديد , لكن الحركة الشعبية قطاع الشمال ما كان لها أن تملك يوماً واحداً ثمن برنامج هذا عنوانه , لذلك ظلت في حوار دائم مع القوى العسكرية الدارفورية والنوبة , لتتجاوز بهم مرحلة العبور الثانية , تحت غطاء الأحزاب السياسية الشمالية المعارضة . والذي يأسف له الإنسان هنا ما وصل إليه حال المؤتمر الشعبي , هذا الحزب الذي من المفترض أن يكون مؤسس على قواعد إبراهيميه , ومنهج الدعاة أو الساسة المحترفين , لكن للأسف كان الشعبي أول الناس حضورا , وأبرز الموقعين . الم أقل لكم أن أحزابنا السياسية تجهل وتعلم أنها تجهل هذا الإتفاق , الذي حرصت الحركة الشعبية الكبرى أن يصاغ تحت أعين ومباركة القوى الثورية الحاملة للسلاح , حتى لا يكون أمام القوى السياسية المعارضة بد من التوقيع عليه , وأن يدعو إلى تأسيس الهوية السودانية الجامعة في أول نص على دولة كوش , والتي تقوم على ثنائية النوبة والعقيدة المسيحية , هذا النص وإن ذهب إلى تأسيس السودان الجديد ذو العقيدة الجديدة والثقافة الجديدة والحضارة القديمة , لكنه إستعداء للتاريخ , وذر الرماد على العيون , ودغدغة عاطفة النوبة في مسعى ماكر لإعادة توظيف النوبة في المعادلة الجديدة , والتي وإن بدأت بإعطائهم إقليم , لا تؤهلهم المساحة ولا السكان ولا المنطق , لكن أصحاب المشروع يطلبون منهم دور أكبر في جنوب كردفان , تحت دعوى أمنهم وسلامة دولتهم , ولقد كانت دولة كوش هي إحدى خيارات قيادات الحركة الشعبية , وهي تنتهي للإنفصال . ولمثل هذه الدولة ذات الأصول المسيحية يبدأ صياغتها في مجمع إسلامي , وذلك عبر خفض صوت الدين أولا وسحبه من الحياة العامة , وذلك لورود أكثر من نص يجعل العلمانية هي المنهج السائد لحكم السودان , متجاوزاً بذلك خيارات الشعب , وعقائده الغالبة , وعمد الإتفاق إلى تذويب كل المؤسسات العامة والممسكة للبلاد من الإنزلاق نحو الفوضى , من أمن وشرطة وقوات مسلحة , وإعتبارها ميلشيات وقوات غير متوازنة , وقد أكد الإتفاق هنا على أمرين في غاية الخطورة , الأول صياغة هذه القوات بعقيدة جديدة , ولا أدرى على ماذا تقوم العقيدة الجديدة , والثاني هو إعتبار قوات الجبهة الثورية أساس للقوات النظامية . ألم أقل لكم أن مشروع السودان الجديد أعمق من هذه اللعاعة من الأحزاب المعارضة والتي سعت الحركة الشعبية وشركاؤها من الجبهة الثورية لإسترضاء الشعب بها , حين تتحدث عن الخدمات في أغرب إتفاق يشهده التاريخ , لا يدري أصحابه أن تلهفهم لبلوغ الهدف أدخلهم في إضطراب حتى بدأت عورتهم , فهل يعقل أن يتحدث إتفاق عن كليات القضايا , ثم يتحدث عن تفاصيل الصحة والتعليم . أن أحزابنا الموقعة على الإتفاق بهذا تطوي الأرض وتمهد الطريق للحركة الشعبية وشركاؤها من حركات الجبهة الثورية لوضع السودان تحت الوصاية الدولية , وإن لم يكن ذلك كذلك فهل يعقل أن يوضع في إتفاق من شأنه حكم السودان الشمالي أكثر من بند يحدد شكل العلاقة مع دولة الجنوب , ومجالات التعاون , ومسارها الإستراتيجي , ثم من بعد ذلك قام الإتفاق بإلغاء شخصية البلد وسيادتها على أراضيها , وحاكمية شعبها حين جعل السودان محكوم بالقوانين الدولية , ولقد أفاضوا في تحكيم القانون الدولي في كل حركة وسكنة في السودان , وحين خافوا أن يفلت قانون أو تشريع منهم قيدوا ذلك بنص صريح , وهو أن كل قانون أو تشريع يتعارض مع القانون الدولي ينسخ القانون والتشريع المحلي لصالح القانون الدولي , أي بلد هذه التي تقبل أن تدار عبر اللوبي الصهيوني والياته ومنظماته , التي لا يكون الحق والعدل إلا حين يكون في مسارها ووفق مطلوباته . لقد كتب هذا الإتفاق بدقة في مساره الأساسي , والذي لا أظنه صنع بعيد عن أعين الغرب ومنظماته الكنسية , ودوائره الصهيونية , ولذلك كلما بعدت التفاصيل عن مسارها قيدها بنص مركزي . وفيما يلي تأسيس الدولة السودانية الجديدة ركزوا على أن يعلوا صوت الشفافية الجديدة عبر الوسائط الإعلامية , وأشعلوا خلاف الأحزاب مع الحكومة ليفرضوا أمراً خطيراً ليس على النظام , وإنما على شعب وأمة وحضارة وتاريخ , حين أكدوا على أن الإبادة الجماعية والتي جاءوا بها كذلك من القانون الدولي كالحادثة في دارفور يجب أن تدون في الخاص , وأن تدرس في المنهج , وأن سيف القانون يحاكم كل من ينكر وجود هذه الإبادة , وأن في ذلك أمر أكبر من نظام وساسته , وأبعد من قضية الحكم , لكن القوم لا يعلمون أن بداية الدولة السودانية الجديدة نجدها في تحديد أهداف التعليم وصياغة مناهجه بما يتماشى وفرص الشفافية الجديدة للسودان الجديد , وإن أصول الدولة الجديدة نجدها في توزيع الولايات إلى أقاليم , وعلى أساس من المنطق الجغرافي والسكاني , ولا أظن أن جنوب كردفان تكون إقليم وجزء منفصل عن كردفان إلا أن تكون إرضاء لاثنية محدودة , ولا أظن أن النيل الأزرق تكون إقليم وتنفصل عن الوسط إلا أن تكون إرضاء للأقلية المسيحية هنالك ( اللادينية). إن هذا الإتفاق الذي يسمى الفجر الجديد أخطر وثيقة تم توقيعها منذ أن صار السودان دولة , وإلى يومنا هذا , ومع بروزه على السطح , وما لقيه من هجوم من كل أبناء الشعب وعلى رأسهم القوى الشبابية والأحزاب الوطنية , الأمر الذي جعل الأحزاب الموقعة تتجه نحو التنصل عن هذا الإتفاق , وآخرين تنصلوا حتى عن مناديبهم الموقعين . والذي أستغرب له حقاً أن هذا الإتفاق كتب بليل وفي ظلام دامس للقلوب والمشاعر , فلا يمكن أن يكون فجراً للسودان الجديد إو القديم , والذي أثق فيه أن العقلاء في الأحزاب لن يدعوا هذه الأحزاب تعربد كما تشاء , وتعبث بمقدرات الوطن وسلامة المواطن وتاريخ وحضارة وثقافة هذا البلد المتجانس , والذي لم يصل إلى ما وصل إليه عبر فرض ثقافة أو لغة أو دين أو لون أو عرق بالقوة , وإنما دائماً الخيار للطوع والإرادة للشعب , وغداً يحكم الشعب في مثل هذه القوى السياسية المعارضة ومن ورائها من قوات الجبهة الثورية ومن وراءها الحركة الشعبية ومن ورائها الغرب , والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. بقلم: عبد الظاهر المقداد أبو بكر أخي عبدالظاهر المقداد نتفق ونختلف ولكن همنا الأول هو السودان الذي لا نريده أن يتحول إلى«سوريا جديدة» بسبب الصراع على السلطة.. وهذه هي المشكلة الحقيقية والحديث عن فجر جديد وسودان جديد لايعدو كونه شعارات مزيفة يسوقون لها كأبواق للغرب ولكن في نفس الوقت«المؤتمر الوطني» لديه شعارات بدأت بالمشروع الحضاري وتطبيق الشريعة الإسلامية وصارت نسياً منسيا بعد«التوهط» في كرسي السلطة.