الخميس السابع عشر من يناير، استفاقة البلاد علي فاجعة رحيل فنان الشباب المبدع محمود عبد العزيز، الفتي النحيل صاحب الصوت الرخيم الشجي المتفرد، وتسابقت جموع الشباب يملئها الحزن وتزاحمت امواج هادرة من الجنسين لاستقبال جسمانه، من طائرة الحزن القادمة من الاردن الشقيق، حيث اتاه الموت هنالك، في صباح انقضي فيه نغم الشجن الطروب، لتخلو الساحة من محمود، وتنتقص قيثارة الفن السوداني الخماسي، وترا مشدود اسمه الحوت، وترا موهوبا في اداء سهل اثري الوجدان وسحر القلوب، ولكن المواهب الصادقة، لا تدوم طولا وكأنها تاتي ومن خلفها تجرجر احزان الفراق الابدي في سرمدية الموت المحتوم ، الحوت كما يحلو لمعجبيه كان نبض حقيقي لشارع الابداع العريض، وكان نحيب ودموع رأيناها لم تنقطع حتي جفت المقل، وبحت الاصوات، وكأنه ومضة لم يهنأ المعجبون من سحرها ، حتي اختفت وتركتهم يشيرون لتوئها كانت هنا . محمود كان شبيها لحد مماثل لفقيد الفن الآخر التجاني يوسف بشير، مبدع الشعر والجمال الذي افتقده جيله، في صراع الابداع والموت، اعتصره المرض فولده شعرا خالدا تخطي الآفاق، وما ذكرت محافل الشعر الاصيل الخالد والا ذكر التجاني يوسف بشير. وكذلك محمود صارع المرض في الخفاء ليبدع في العلن، ليسعد الناس فنا صادق يظنه اهل الفن والنقاد، انه سيبقي ويتجلي وينصع اكثر، كلما دارت دوائر الزمن، مثله مثل ابداع فن الحقيبة، الذي مازال مصدرا إلهام وإبداع لاجيال متعاقبة. محمود عبد العزيز لم يكن ظاهرة فنية فقط، بل كان ظاهرة انسانية بتفرد، وصاحب ايادي بيضاء اظهرت الجانب الاخر العظيم في حياته، والحديث عن انسانيته كان اكثر من الحديث عن فنه، عندما افل نجمه، ينثر المال علي المحتاجين، كنثره الابداع علي المعجبين. محمود كان طرير الشباب الذي ناجاه التجاني يوسف بشير، في رائعته انشودة الجن، التي شدي بها مبدعنا الراحل سيد خليفة، طيب الله ثراه نجاه التجاني وقد صدق حدسه، وكأنه يعلم بقدوم بزمان الحوت، ليغني لنا ... فغن لنا وغن ... وكان حلو مستطاب ... وكان انشودة الجن ... وقطف لنا الاعناب ... وملئ بها دننا ... من عبقري الرباب ... وحرم الفني ... وصحي في الربي والوهاد ... واسترقص البيدا... وسكب علي الزناد ما يسحر الغيدا ... والحوت ... فجر الاعواد رجعا وترديدا ... حتي راي فينا ... وفي البلاد فرحاً عديداً ... ومسح محمود علي زرياب وطمس علي المعبد ... وغشي كنار الغاب في هدأة المرقد ... ومحمود حدثنا وايضا الاعراب عن روعة المشهد ... هكذا استجاب محمود للتجاني يوسف بشير فكان انشودة الجن. رحل محمود عبد العزير عن الدنيا الفانية، تاركا خلفه رصيد من الابداع ومعين لا ينضب من الحب الجارف تملك هذا الجيل، وزهد في كل شئ الا من الابتسامة العريضة التي عرف بها، واسعاد الناس. الا رحم الله فقيد الشباب محمود واسكنه فسيح جناته مع الصدقين والشهداء والهم اهله وذويه ومحبيه ومعجبيه الصبر الجزيل . [email protected]