قيل لجحا هل تعلمت الحساب ..؟ قال نعم ولا يشكُل علي فيه شي .. قيل اذاً قسم اربعة دراهم علي ثلاثة رجال .. قال درهمان للاول ودرهمان للثاني ولا دراهم للثالث. انتهت قسمة جحا علي قرار هذا النحو المجحف مع تاكيده القاطع لسائله في اول الامر انه تعلم الحساب ولا يشاكله فيه شئ، بمعني اجاده كما ينبغي، بيد ان جحا هذا كما هو معروف مطية لكل من يريد توالف المتناقضات وجمع المفارقات، وهو شخصية تنسب لها الفكاهة وصندوق يحوي حكاوي الدنيا كلها في مواقف الغباء و الذكاء في نفس الوقت، يبدو جلياً فيما ذهب اليه جحا في هذه القسمة، ظلم ما بعده ظلم حيث حُكم واجحف ايما اجحاف ولم ينصف، فما ذنب الثالث في ان يخرج خالي الوفاض، فيما لو حُكم عادلٌ غير جحا لخرج بنصيبه كاملاً لكن اذا ما تبصرنا بروية لربما إلتمسنا العذر لجحا في قسمته تلك، لان السائل ببساطة قصير النظر لم يعط السؤال حقه وغفل دهاء جحا وقال له قسم مطلقة، ولم يقل له قسم الدراهم بالتساوي او بالعدل علي الرجال الثلاثة، وقسم بهذا الاطلاق تحتمل بقوة حكم جحا، وفي بعض الاحيان القسمة قد لا تعطي بل تاخذ والا لماذا تجد احدنا يعزي اخيه اذا ما فقد او لم يجد شيئاً في سعيه الدؤوب علي لقمة العيش، بقولنا هذه قسمتك وعليك الرضي بما قُسم لك، اذن القسمة بغير ربطها بكلمة العدل او المساومة تذهب مذاهب شتي ومنها مذهب جحا الذي قصد صاخراً، ان يعطي درساً عنوانه العدل اساس الحكم، وعلي الحاكمين ان لا يخفوا في خطابهم للناس كلمة العدل عمداً او سهواً، والا ترتب علي ذلك عدل جحا، اثنان قبضا كل الدراهم وثالث قبض الريح والغبن معاً، والظن ان الامر كله انتهي ..لا ...لا ثم لا لم ينته بل بدا، الثالث لن يصمت ويترك الامر يمر مرور الكرام، سيطلق العنان للمكر والعمل في الخفاء والعلن لاسترجاع حقه المهضوم واذا عجز في لحظة ما يتحول لمارد يهدم كل ما يقف امامه، وتصبح الدنيا خراب.تري كم جحا في السودان الآن ينصب اركان عدله ليقسم دراهمه علي الناس كما يري وفق نقص بلاغة السؤال، وكم من المدي يظل السائل غافل لا يعي قيمة السؤال ويستمر ظلم العباد، وكم ثالث خرج خالي الوفاض من القسمة دون دراهم. بالتأكيد جيوش من المسحوقين هائمين في الارض قصمت ظهرهم قسمة جائرة اختير لها جحا بعناية ليتحمل عبء المسئولية ويتخفي من تقع علي عاتقهم بعيداً. في السماء الله عز وجل يعطي من يشاء ويمنع من يشاء بغير حساب، ولا احد يعترض علي حكمه، وجعل في الارض حكم أمر به سماه العدل، وغيره من حكم تسؤ به الخلق. جحا حتي اللحظة في السودان يقسم الوظائف ويقسم قروض البنوك ويعفيها ويقسم اموال الذكاة ويعطي المنح للشهادات التجارية ويقبل الطلاب للكليتين الحربية والشرطية وجحا يبعث المفاوضين لعواصم العالم للتفاوض في قضايا يتوقف عليها مصير البلاد، جحا يعين الدبلماسين ويستورد الدواء ويبيع السكة حديد ويدمج فاتورة الماء والكهرباء ويسمح لاسراب الجراد بأكل المحاصيل ويحيل للصالح العام وجحا وجحا الله يسامحك يا جحا... يازول ماتوقف شوية، اصبحت عندنا الكل في الكل وصوتك لا يعلو عليه صوت، فيا حكامنا جحا يفهم الحساب ولا يشكل عليه فيه شئ ولكنه يريد سؤالاً محدوداً مشروطاً بكلمة العدل(اذن قسم بالعدل والمساوة اربعة دراهم علي ثلاثة رجال) وبذا جحا يفهم [email protected]