الحاضر بلا ذاكرة تيقظ شجونه وتعيد عبق ما خلي من ايامه بحلوها ومرها يعد حاضراً سقيم قد يصف بالتوهان، خرف مبكرة، فقدان ذاكرة، شيزوفرينيا(طش شبكة) اسماء كثيرة لحالة انسانية واحدة انطمست فيها في غفلة صحائف الزمن وكل ما خُط عليها من مداد ملؤه الفرح والقبطة والجمال والحب بإطلاقه وربما الحزن في بعض الاستثناءات . الذاكرة ابداعٌ الاهي عرف الانسان سحرها مبكراً وظل يستدعيها كل ما ظن ذلك لازماً ، لتبقي شاهدته علي غيره وومضة تضئ جوانب العتمة في احك ظروفه وبويصلة تقوم المسارات عند انزلاقات الا وعي ( والذكري تنفع المؤمنين)، والشعراء اكثر المبدعين اجتراراً لوقائع الذاكرة وكم سمعنا من اغنية او مدحة عنوانها الذكري- والذكريات- ولو تذكري- وأذكريني- وذكراك- وماضي الذكريات وقائمة علي مد البصر لا تسعها اللغات ولا اللهجات،ولا يحلوالانس الا بعد ان تتخلله الذكري ولا يبلغ العتاب نبلاً الا برجع صداها ولا الغناء شدواً الا بملامست وترها. آه من ذكري ايامي المترعة بالحب والجمال المفرطة في التفاؤل والحياة،آهات يطلقها الكثيرون في لحظة تيه اجبروا علي التعبير عنها بتلك الطريقة وآخرون لهم طرائقهم الخاصة وبما استنشق المرؤ من هواء تخرج زفراته. ويعرف الماضي بتجرده محدث ومبدع للذكريات، والحاضر يغلبها ويمحصها يبتسم لجمالها ويعبس لقبحها دون تجرد وبين الماضي والحاضر فارق زمني لا يتعدي رد الطرف، واذا ما رني بصرك لشئ في لحظة ما ثم جهلته سريعاً للانشغال بغيره، تصبح لحظة الرنو تلك في حكم الماضي،اما المستقبل فهو صفحات بيضاء ناصعة البياض مهيئة للرسم والتشكيل بتلقائية دون أعداد مسبق بطبيعة الامور، فأنت في الاحوال العادية لست مخيراً في أختيار ما يحدث لك ليكون ذكريات جميلة لاحقاً والا اخترت بكل عناية اجمل واحلي وانضر ما قد تتذكره في قادم الايام، واستبعت كل ما بمقدوره تعكير صفاءك واثارة مخابئ حزنك، بيد أن وبعقد العزم وعلي نسق الخلق الجميل والتسامح والعفو- الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس- باستطاعتك تشكيل ذاكرة جميلة ووردية وعطرة للمستقبل وفق خارطة طريق محكمة وموغلة في المثالية، بأن لا تقول الا حسناً ولا تسأل الا فيما يعنيك وأن تتسامح واذا ما صفعك احدهم في خدك الايسر مد له الايمن وتبسم في وجه العدو والصديق، رحم الله شيخنا الورع عبد الرحيم البرعي رجل الزريبة في مدحته التي تفيض بالحكمة والموعظة – اوريك طبك احسن في من عاداك ومن يحبك – كن جميلاً من الغير واصنع ذاكرة مستقبلك بنفسك ولا تدع غيرك يكتب علي صفحاتها سطراً واحداً الا برضاك. وبعد هذه الموعظة الطويلة ألسنا بالامكان ابتداع أفكار وأفكار لبناء حائط صد بيننا والذكريات الحزينة التي تعكر الصفاء وتنكد العيش؟. بعضهم ومن جميع اطياف المجتمع وشرائحه المختلفة وبعد حياة حافلة من المواقف المتباينة يقرر كتابة ذكرياته او يومياته ما اختلفنا المهم ان ينوي سرد وقائع واحداث ماضي حياته، هؤلاء مهما اصدقوا الناس القول لن يبيحوا بكل ذكرياتهم والكشف عن أسراهم وخاصة بعضها الذي يندي لها الجبين ويطالها القانون وطبعاً كلنا خطاؤن، هؤلاء يذكرون الجميل وزيادة من ماضيهم ولا يتعرضون للقبيح الا نزراً ويتمنون ولو انهم لم يفعلوه، ولو علموا عزيزي القارئ بفكرة ذاكرة المستقبل لعملوا بها... ولتبقي الذكري بيننا دوماً في كل يوم وفي كل ليلي. [email protected]