قد يظن البعض أني أقصد ماهو متداول عن عقوق الأبناء، ولكني حقيقة أقصد بعنواني:( عقوق الآباء).. اذكر استضافة لي في إحدى الإذاعات عن دار المسنين، وفي نهاية الحوار سألني المذيع عن كيفية تأهيل كوادر لرعاية المسنين.. فقلت له: الأفضل أن يكون سؤالك عن كيفية تأهيل الأبناء لممارسة دورهم الطبيعي، الذي أوصانا الله به في رعاية الوالدين عند الكبر، (وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا).. «وكما ربياني صغيرا».. هذا هو مربط الفرس، وهذا هوالدافع لمعاملة الأبناء للآباء، عندما يكبرون، ويصيبهم الوهن، وكما يقول المثل: فإن فاقد الشيء لا يعطيه، كيف لأبٍ تعامل مع أبنائه بكل قسوة وديكتاتورية وجبروت منذ الصغر، أن يرجو منهم لطفاً وحناناً، ورعاية كريمة..! كيف لأبٍ تخلى عن مسئولية أبنائه وهرب منهم في صغرهم، أن يطلب رعايتهم له وهم كبار..! فالأب الذي لا يعطي أبنائه عاطفة ،ويحبهم، ويداعبهم، ويلاعبهم، ويقبِّلهم ليحرك مشاعر الأبوه فيهم، ويملأهم عطفاً وهم صغار.. لا يكون لهم دافع للحب تجاهه وهم كبار ...إذن علينا أولاً: أن نؤهل أبناءنا لكي يتقبلوا عجزنا عند الكبر، ويلاقونا بالحنان الذي أمددناهم به وهم صغار.. ونراعي أن نغرس فيهم حبنا بالرضا والتراضي، وليس بخوف الله وحده.. فكما يعطي الإنسان، فإنه يأخذ.. فإن أعطى محبة.. يجد المحبة، وإن أعطى كرهاً وجد الكره، وعندما يحس الأبناء أنهم عبء على والديهم.. فإنهم في الكبر سيشعرون بعبء الآباء عليهم.. لذا يتخلصون منهم في أقرب دار للمسنين.. فالإنسان ينشأ سلوكه وفقاً للبيئة التي تربى عليها.. إن كانت مليئة بالرحمة، فستكون تلك الرحمة ديدنه، وستظل متلازمة له في التعامل مع كل من حوله، ابتداءً بالأباء ومروراً بزوجته وأبنائه، حتى تنتهي حياته ...وكذلك البنت التي تحاط برعاية فيها القبول العاطفي والمحنة، ستعطي بلا مقابل لأبائها وزوجها وأبنائها.. فالعنف يولد العنف.. والمحبة والعطف والحنان يجعل منّا أبناء صالحين لانعق آباءنا ولايعقنا أبناؤنا.. وفعلاً فاقد الشيء لا يعطيه..