المكان بعض من الدور الحكومية الجحرية المبعثرة وبيوتات صغيرة علي هيئة قبب من علي البعد تحسبها اضرحة لاولياء دفنوا منذ حين ثم تركوا ليتولاهم الكريم بعطفه كما يزعم دافنيهم، يأتيهم المتبركون والزائرون في يوم سموه بنفسهم، يوم التعاويز التبرك، تلك هي المحطة، مكان منعزل يبعد بضعة كيلومترات عن القري الصغيرة الهادئة الساكنة الا من بعض اصوات الدواب والطير الداجنة تترائي من علي الافق حزام اشهب يكتسي غالب لونه من صبغة فصل العام الذي فيه، بضع أناس تجمعهم الالفة والسماحة لا فارق بينهم الا في ساعات العمل الرسمية اذ تتمايز شارات اللبس والهندام بحكم الوظيفة وأداء المهام، هذا هو الناظر وذاك المهندس بجانبهم عامل الدريسة، الحياة في المحطة لا تتحرك إلا بحركة القطار، لا مورد للماء غيره وكل الحياة تسكن اذا ما وقف القطار، لا أهمية للمكان اذا لم يرتبط بالخط الحديدي الناقل للناس وأشيائهم . من علي خط الصعيد كما يسمي سنار- الدمازين وفي فترة تؤرخ ما قبل الثمانينيات يعد هذا الخط الرابط الوحيد والشريان الحيوي لكل المناطق والمدن والقري جنوب سنار مروراً بسنجة وحتي الدمازين خاصة في فترة الخريف حيث تهطل الامطار بغزارة وتتلف كل الطرق الترابية التي تستخدمها اللواري البديل الحصري لحركة القطار في ذلك الوقت،ولا عجب اذا ما قلنا ان العبارة التي تطلق عند الوعيد وربما العتاب اوالتذكير بأن العودة لا بد منها، عبارة ( بجي الخريف واللواري بتقيف) هي عبارة صعيدية بامتياز. الزمان الحادية عشر صباحاً في أحد أيام شهر يوليوالدافئة السماء ملبدة بالغيوم هطول أمطار وشيك سبقته زخات متقطعة، نُزر وابل يقمر الشقائق، ولا مطر هنا الا وابل يدمع الاشجار ويجرف الارض، سيلاً عرمرم لا تصمد امامه عظم المتاريس حتي ولو كانت قطبان الخط الحديدي. مجموعة من طلاب الثانوية يتأبطون ألحف من القطن داخل جولات السماد البيضاء وشنط صنعت من الصفيح بداخلها ما تواضع من الالبسة ربما بنطال واحدة وجلابية وعراقي في احسن الاحوال وبقية حيزها ملء ببعض الطعام الجاف مثل الكيك - والآبريه حلو مر- السمسم- او هكذا اشياء تسد الرمق في ليالي يشح فيها ما يملأ البطون في داخليات طلاب الثانويات التي يصرف فيها كل الشيء حتي الطعام، طلاب في طور المراهقة تشع من اساريرهم الفرحة والحماسة والامل، يستقبلون اعتاب مرحلة جديدة تتأكد بدخولهم الثانوي في زمان لا توجد في المنطقة التي تضم الآن ولايتي سنار والنيل الازرق الا خمس مدارس ثانوية فقط ثلاث أشراف حكومي واثنان اشراف شعبي، لذلك غربلة الاختيار تكون قاسية ترمي بالاغلبية في سلة الفاقد التربوي، ويحالف الحظ الاقلية، هؤلاء كانوا يسيرون ويتهامسون وجهتهم محطة القطار، يتطلب السير علي الاقدام نصف الساعة قبل الوصول اليها، كان علي الارجح أن يصل القطار المحطة الواحدة ظهراً ليقلهم الي مدينة الدمازين حيث يقصدون مدرستهم الثانوية، الساعة عند الثانية ظهراً ولا ملامح لاقتراب وصول القطار، بدا القلق يدب في النفوس البعض يشرئب متطاولاً ليري دخانه من بعيد وآخر يستلقي عل الارض ليضع اذنه علي القضيب الحديدي عسي أن يسمع أزيزاً لصوت مرتقب، لا أمل حتي ادخنة الكمائن والحقول البعيدة علي محاذاة الخط الحديدي التي تعطي أمل زائف ما عادت تلوح كعادتها مالت الشمس للمغيب ولا رائحة لقطار آت، ما العمل الاخبار تأتي ناظر المحطة إلا أنها تخفي حتي لا تثير القلق والاحباط،، وبعد معاناة جاء احد السيارة يقود بعيراً أخبر ان الخط الحديدي قد جرفه السيل و القطار يقف قبل مكان الانجراف. وقع المحظور. توسد الكل لحافه حتي معياداً آخر [email protected]